يمثل سداد القروض وفوائدها أحد التحديات الأساسية التي تواجه الموازنة العامة المصرية في العام المالي الجديد. بعدما أصبحا معا المكون الأساسي في الاحتياجات التمويلية، التي تناهز 1.5 تريليون جنيه.
وتشكل الفوائد وحدها نحو 7.6% من الناتج المحلي ونحو 33.3% من إجمالي مصروفات الموازنة العامة للدولة. مع ارتفاع الفائدة عالميًا ومحليًا. بالإضافة لتغيرات سعر الصرف للجنيه وتأثيرها على تكلفة فوائد خدمة الدين الأجنبي.
وتقدر الفوائد في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2022/2023 بنحو 625.962 مليار جنيه. مقابل 520.15 مليار في الموازنة الحالية و565.4 مليار جنيه في موازنة 2020/2021.
وارتفعت قيمة الفوائد من الناتج المحلي بنسبة 0.3% عن العام المالي الحالي. وبنحو 2.8% من إجمالي مصروفات الموازنة عن العام الماضي. لكنها انخفضت إلى %22.5 من إجمالي الموازنة “الاستخدامات” مقابل 23.2% في الفترة المقارنة ذاتها.
سياسة تقليدية من “المركزي”.. وتوقعات بارتفاع الفوائد
ومع استمرار السياسة النقدية التقليدية من قبل البنك المركزي في ظل ارتفاع التضخم. وقفزات أسعار السلع الأساسية والغذائية وزيادة تكلفة الاقتراض رجحت وزارة المالية في افتراضاتها ارتفاع عبء خدمة الدين العام.
ويعكس حجم الاحتياجات التمويلية في مشروع الموازنة تلك الرؤية بعد النقلة الكبيرة في الأرقام إلى نحو 1.5 تريليون جنيه، مقابل 1.06 تريليون في الموازنة الحالية.
وتتضمن الاحتياجات التمويلية سداد قروض ماضية بنحو 84 مليار جنيه مقابل 115.3 مليار جنيه في العام الحالي. كما تتضمن إصدار سندات دولية بقيمة 91.5 مليار جنيه مقابل 66 مليار في العام المالي الحالي. بينما يبلغ التمويل المحلي المستهدف في مشروع الموازنة 1.37 تريليون جنيه مقابل 990.13 مليار في الموازنة الحالية.
ويقصد بالتمويل المحلي المستهدف أدوات الدين الحكومية التي تتوزع بين سندات طويلة الأجل من عام حتى 7 أعوام وأذون قصيرة الأجل تتراوح بين 91 و364 يوما.
وقد انخفض متوسط أسعار الفائدة على الدين المحلي من نحو 17.8% في يونيو/حزيران 2017 إلى 13.7% وصولا إلى 13.2% في مارس/أذار 2022. لكن يتوقع ارتفاعه مع رفع البنك المركزي الفائدة وتوقعات بتشديده السياسة النقدية وبالفعل تستهدف الوزارة ارتفاع معدل الفائدة إلى 14.5% مقابل 13.7% للعام الحالي.
وبالنسبة لسعر الفائدة على الدين الخارجي فسجل 7.1% في يونيو/حزيران 2017 ثم انخفض إلى 6% في يونيو/حزيران 2018. وعاود الارتفاع إلى 6.6% في يونيو/حزيران2019 وواصل ارتفاعه لنحو 7% في يونيو/حزيران 2020 وانخفض في يونيـو/حزيران 2021 إلى 6.9%. واستقر على ذلك حتى مارس/أذار 2022 ثم بدأ الارتفـاع الشديد نتيجـة لزيادة معدلات التضخم الشديد واندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
خروج استثمارات بـ20 مليار دولار
وقد تستمر الضغوط على الفائدة داخليا وخارجيا نظرا لما يمر به العالم من ارتفاعات تضخمية حادة تبعها ارتفاع أسعار الفائدة. ثم جاءت أزمة الصراع الروسي الأوكراني والآثار السلبية لها على العالم. والتي أحدثت اضطراب سلاسل إمداد المواد الغذائية والبترولية والغاز وأحدثت موجة من حالة عدم اليقين.
تلك الموجات انعكست بقوة على الاقتصاد المصري لتتراجع استثمارات الأجانب في الأوراق المالية الحكومية بنحو 20 مليار جنيه وبدأت الخروج منذ إعلان الفيدرالي الأمريكي عزمه رفع الفائدة بنهاية العام الماضي.
وتعول وزارة المالية على استراتيجية إدارة الدين بخفض أعبائه عبر إطالة مداه الزمني. وذلك بالتحكم في معدلات زيادة مدفوعات الفوائد من خلال اتباع سياسة تنويع مصادر التمويل بين الأدوات والأسواق الداخلية والخارجية.
وبحسب “المالية” فإنها تنسق مـع المجموعـة الاقتصادية لتحسين كفـاءة توجيه الموارد وبحث بدائل تمويلية ومنها إصدار أول سندات خضراء في تاريخ مصر والمنطقة ككل خلال شهر أكتوبر/تشرين الاول 2020. على أن يتم توجيهه للاستثمار في مشروعات ذات بُعـد بيئي وتراعي الاستدامة البيئية.
كما أصدرت وزارة المالية سندات الساموراى بالين الياباني بمتوسط تكلفة سنوية 2.3% لمدة خمس سنوات. وتستهدف أيضاً إصدار سندات الباندا الصينية في الصين بـاليوان.
كمـا تعتزم إصدار أول صكوك سـيادية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لخفض الاحتياجات التمويلية التي تتكون من العجز وسداد أقساط الديون السابقة والتي يتم خفضها عن طريق مد آجال أدوات الدين.
وقد اختارت المالية أدوات الدين قصيرة الأجل وقت ارتفاع أسعار الفائدة عقب تحرير سعر صرف الجنيه. وذلك لتفادي تحمل القيمـة العاليـة لمـدفوعات الفوائد لفترات طويلـة.
ولكن مـع انخفاض أسعار الفائدة بعدها بدأت استبدال قصير الأجل بأدوات تمويلية متوسطة وطويلة الأجل سواء من السوق الخارجية أو المحلية.
ويقول مسئول بوزارة المالية إن سياسة إدارة الدين تتسم بالمرونة في التعامل مع التغيرات فـي أسـعار الفائدة لضمان توفير التمويل اللازم لاحتياجات الموازنـة العامـة للدولـة واحتياجات التنمية بأقل تكلفة ممكنة في ظل أوضاع الفائدة الحالية والمستقبلية.
وتطور رصيد السندات بمعدلات أعلى من معدلات تطور رصيد الأذون. حيث وصل رصـيد الأولى في يونيـو 2021 إلى 55% من إجمالي الرصيد القائم للأوراق المالية مقارنة بـ37% في يونيو 2019 و32% في يونيو .2018.
يضيف المسئول أن ذلك أدى لتطور معدلات صافي إصدارات الأذون والسندات. حيث وصل إلى 2% من إجمالي صافي الإصدارات مقابل 98% للسندات في يونيو/حزيران 2021 مقارنة بـ97% للأذون و3% للسندات في يونيو/حزيران 2018.
مطلوب سداد 965.4 مليار جنيه قروضا
لا تعاني الوزارة فقط من الفوائد. فهناك عبء سداد القروض المحلية والأجنبية الذي يبلغ 965.48 مليون جنيه بنسبة 10.6% من الناتج المحلي مقابل 952.7 مليون جنيه للعام الحالي و534.7 مليون جنيه في 2020/2021.
وتبلغ أقساط قروض خارجية المعاد تدويرها 5.4 مليار جنيه في مشروع الموازنة مقابل 5.72 مليار في الموازنة الحالية. لكن أقساط الدين الخارجي تراجعت لتبلغ 80.5 مليار جنيه مقابل 114.3 مليار في الفترة المقارنة ذاتها.
وأمام وزارة المالية اختبار صعب في تمرير الاحتياجات التمويلية. إذ خصصت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب الثلاثاء المقبل جدول أعمالها لمناقشة موضوع رصد تطورات الدين العام لمصر من حيث الحجم والهيكل والمصادر والمتطلبات التمويلية والتوظيفات والسداد. وذلك بحضور الدكتور محمد معيط وزير المالية.
وعند تقديم وزارة المالية مشروع الحكومة لمجلس النواب انتقد بعض النواب ملف الفوائد تحديدا. مثل رجل الصناعة محمد بدراوي -عضو لجنة الخطة والموازنة بالمجلس- والذي قال إن الحكومة “ليس لديها تصور لوقف الاقتراض أو قصره على سد قيمة العجز وزيادة الموارد”.
تكرر الأمر مع النائب ضياء الدين داوود الذي أشار إلى أن ارتفاع الفائدة الأمريكية بنحو 3% قد يحمل الموازنة الجديدة عجزا إضافيا 300 مليار جنيه. وتساءل: “ما الخطة لمواجهة ذلك؟”.
خدمة فاتورة الدين
يمثل ارتفـاع أسعار الفائدة المحلية بنحو 100 نقطة أساس (1%) مقـارنة بما هو مسـتهدف بمشروع الموازنة تأثيرًا سـلبيًا على عجز الموازنة نتيجة خدمة فاتورة زيادة الدين بنحو 28 مليار جنيه سنويًا.
وأوصت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أخيرا بإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية التي تسبق تنفيذ المشروعات الاستثمارية. التي تم الاستقرار على تنفيذها سواء الممولة من الخزانة العامة أو من القروض والمنح. ووضع خطط مستقبلية للتعامل مع المشكلات التمويلية والتنظيمية والإدارية التي قد تطرأ أثناء عمليات التنفيذ.
الدكتور رشاد عبده -رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية- يؤكد أن الفجوة التمويلية يتم تعبئتها بالاقتراض منذ سنوات. لكن المحك في توظيف القروض بوجه عام: “هل نوجهها إلى نواح استهلاكية أم إنتاجية؟”.
وأضاف أن الاقتصاد المصري يعاني حاليا ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة كالقمح. بالإضافة إلى البترول ورفع الفائدة عالميا. وكلها أمور تضغط على الموازنة العامة وتزيد أعباءها.