كهدف من منتصف الملعب يسلب عقول الجماهير، كان لقاء رئيس الجمهورية برؤساء الطوائف المسيحية المشاركين في اجتماع مجلس كنائس الشرق الأوسط. الذي استضافته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بوادي النطرون في تلك الدورة. إذ التقى الرئيس برؤساء الطوائف المشاركين الذين يمثلون كافة مسيحيي المنطقة على اختلاف مشاربهم وطوائفهم. وهو اللقاء الذي سيطر على الشارع المسيحي ليس في مصر وحدها بل في بلاد المنطقة وكأن مصر تستعيد مجدها القديم كأحد أهم كراسي العالم المسيحي حيث كنيسة الإسكندرية العظمى.

السيسي ورؤساء الكنائس العربية.. نحو مجد دبلوماسي جديد

وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بلقائه هذا رسائل أبعد من لقاء بروتوكولي للمسيحيين العرب الذين يعانون من نقص أعدادهم. إما بسبب الاضطهاد في بلدانهم أو الهجرات خاصة بعد ظهور داعش وجماعات الإسلام المسلح. بينما ينعم بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بتلك العلاقة الوطيدة مع رأس الدولة المصرية وهو الأمر الذي يعرفه كل متابع للشأن المسيحي. ولكنه صار حكاية تروى لكل من حضر هذا اللقاء مع ضيوف البابا تواضروس الثاني الذي اصطحبهم من دير الأنبا بيشوي إلى القصر الجمهوري في مشهد غير مسبوق عربيًا ولا مصريًا.

بحسابات المنطق والسياسة، يعاني المسيحيون العرب مما يوصف بنظام “الامتيازات” في علاقتهم مع السلطة وكأنهم جالية تحاول الانتفاع من البلد المقيمة فيها. رغم تاريخ المسيحية القديم في المنطقة كجغرافيا تحتضن كنيسة أورشليم ومزود المسيح. إلا إن هذا التاريخ لا يعني شيئا ذي بال لمجتمعات يطمح فيها المسيحي إلى الصلاة بسلام. وهو ما دفع نخبة من اللاهوتيين العرب لإطلاق وثيقة بعنوان “نختار الحياة” تحاول الإشارة إلى ما أصاب علاقات السلطة والكنيسة والمجتمع من اختلالات. في المقابل فإن مسيحيي مصر رغم تاريخ من الألم والتمييز قد ظهروا منتصرين في مشهد البابا والرئيس هذا.

كنائس الشرق الأوسط في القاهرة.. نحو استعادة مجد قديم
كنائس الشرق الأوسط في القاهرة.. نحو استعادة مجد قديم

يقول مارك فلبس الباحث في اللاهوت القبطي عن هذا المشهد:

“استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للبطاركة وقادة الكنائس أبهج قلوبنا حقيقًة، شعرت أن مصر كبيرة فعلًا، أُمَّا للدنيا بجمهوريتها الجديدة. تحتضن اخوتنا، تُشِّرفنا أمامهم، تقول إن لمصر كنيسة نُمثلها وتُمثلنا”.

وأضاف: “لقد رفع ذلك رأسنا باختصار، ولن يزول إحساس الفَخَر هذا أبدًا، لا من الذاكرة، ولا من التاريخ”.

شيرين أبو عاقلة تظهر في اجتماع كنائس الشرق الأوسط

بينما كانت الاجتماعات تنعقد في صحراء وادي النطرون بين طوائف تتفق على الإيمان بالسيد المسيح وتختلف عقائديًا. فإن محكمة بمدينة الإسكندرية كانت تعقد جلستها لتنطق بحكم الإعدام على نهرو عبد العزيز المتهم بقتل القس أرسانيوس وديد بالإسكندرية في رمضان الماضي. حكم من الدرجة الأولى في جريمة قتل على الهوية لم يعد القضاء المصري يتهاون في نظرها. إذ ينضم الحكم إلى حكمين سابقين في قضايا مشابهة أبرزهم قاتل قس مدينة السلام بالقاهرة والذي أحيلت أوراقه للمفتي أيضًا.

لا تترحموا على شيرين أبو عاقلة
لا تترحموا على شيرين أبو عاقلة

هذه الوقائع لم تكن بعيدة عن رؤساء الطوائف المجتمعين إذ يشكل مسيحيو مصر العدد الأكبر من كافة مسيحي المنطقة ربما ثلثي عددهم. ومن ثم فإن أخبار المسيحيين المصريين تقرأ هنا وهناك وكأنها قادمة من المركز إلى الأطراف. كذلك فإن الشهيدة شيرين أبو عاقلة قد حضرت بروحها في اجتماعات المجلس مثلما كشف أحد الحاضرين لمصر 360. مؤكدًا أن أعضاء المجلس وقفوا دقيقة على روحها الطاهرة.

ويؤكد مارك فلبس أن اجتماعات المجلس تمثل أمرًا جوهريًا للعقل والوجدان القبطي حيث تشكل انفتاحا على الكنيسة الكونية العالمية بتعدد رؤاها وثقافاتها وتقاليدها المحلية. مفسرًا: كلمة “المسكونية” التي تستخدم للإشارة إلى العلاقات مع الطوائف الأخرى. وتعني الشراكة مع الآخر المسيحي والانفتاح عليه.

كيف ينظر الأقباط إلى كنيستهم وسط باقي الطوائف؟

يعتبر مارك إن تلك الروح المسكونية رافعة رئيسية لقيام الكنيسة القبطية من جديد لأنها تواجه ما يسميه، الباحث “ضلالات العقل القبطي. هذا العقل الذي يعتبر مجلس كنائس الشرق الأوسط كمحفل دبلوماسي بمثابة إعلان حرب على كينونة الكنيسة القبطية العريقة. “أصح الكنائس بعد كنيسة الرسل، ووريثة عرش العقيدة القومية أمام العالم والتاريخ. الكنيسة التي لم تَحِد عن الحق مثل باقي الكنائس الخلقيدونية والكاثوليكية التي اختلطت بها الهرطقات”.

ينتقد مارك ما يصفه بالسردية القبطية في علاقتها بذاتها فيوضح: الذات القبطية معجونة بعقد النقص والارتياب تجاه كل مَن هو آخر. ويفصل ذلك قائلا: “يوجد لدي القبطي التقليدي القويم عقدة نقص أزلية أمام الأرثوذكس الخلقيدونيين الذين كانوا يحكمونه يومًا ما. وهو في أعماقه يشعر بتفوقهم عليه لاهوتيًا وحضاريًا، أما الارتياب فيكون دائمًا من نصيب الكاثوليك. خشية أن تتكرر محاولات ضم واتحاد الكنيسة القبطية مع كرسي روما كما حدث ذلك مرارًا في التاريخ”.

ويضيف مارك: “عندما يقف القبطي ليصلي أن يُثّبت الرب أساس الكنيسة، أو عندما يذكر أنها كنيسة واحدة وحيدة مقدسة رسولية. أو عندما يطلب عن سلامها. فهو لا يصلي من أجل الكنيسة الجامعة في كل المسكونة، بل يصلي من أجل ذاته، أو بالأحرى. يصلي إلى ذاته. مؤكدا: “جيد للقبطي أن يكون ههنا. يرى ويسمع بطاركة وقادة الكنائس وهم يتشاركون نفس الجلسات ويتبادلون الكلمات. لكي ينكسر جدار عزلته على وقعِها، وربما يأخذ الأمر عقود حتى تنفتح كوة صغيرة في الجدار”.