حينما بدأت الحكومة تطبيق قانون فصل الموظف متعاطي المخدرات، أعلنت أن الهدف إصلاح الدولاب الوظيفي بالمصالح والقطاعات الحكومية، مع الالتزام بآليات محكمة تضمن مكافحة الإدمان بين هذه الفئة العاملة دون إهدار حقوق أفرادها. إلا أن نص القانون نفسه ولائحته التنفيذية خليا من بنود هامة، غيابها من وجهة نظر حقوقيين قد يفتح أبوابًا للتضارب بين هذا القانون والحقوق المكفولة دستوريًا للمواطنين، وعلى رأسها الحق في العلاج والحق في الخصوصية. فيما يرى المدافعون عن القانون أنه عادل وبعيد عن أي انتهاك لحقوق العاملين.
قانون الفصل ولائحته
القانون الذي تم تطبيقه رسميا في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نصت لائحتة التنفيذية على أنه يشترط لشغل الوظائف في الجهات الخاضعة لأحكام القانون (الحكومية)، ثبوت عدم تعاطي المخدرات. ويكون ذلك بتحليل فجائي استدلالي تجريه جهات العمل، بمعرفة أي من الجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وفي حال ثبوت إيجابية العينة، دون وجود مقتضى طبي، نصت اللائحة على أن يتم تحريزها. مع إطلاع العامل أو المرشح على نتيجة العينة، وتعريفه بحقوقه. بالإضافة إلى أخذ توقيعه بما يفيد العلم، وإخطار جهة العمل. ذلك تمهيدًا لإيقاف إجراءات شغل الوظيفة بالنسبة للمرشح، أو إيقاف العامل لمدة لا تزيد على 3 أشهر، أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي على ذات العينة التي تم تحريزها، أو تقرير الطب الشرعي إذا طلب العامل التمسك بحقه في الاحتكام له، أيهما أقرب.
وتلتزم الجهة المختصة أو مصلحة الطب الشرعي بالإخطار بالنتيجة النهائية للتحليل خلال 10 أيام عمل من تاريخ وصول العينة لها. فإذا تأكدت إيجابية نتيجة العينة، يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون.
الاستبعاد لعدم الامتثال
ونصت اللائحة التنفيذية على أنه إذا لم يمتثل العامل للتحليل في اليوم المحدد له رغم ثبوت حضوره من واقع مستندات الحضور والانصراف، أو حال خروجه من مقر جهة العمل دون أن يقدم عذرا تقبله اللجنة الفنية، أو في حالة ثبوت تعمده غش العينة أو التلاعب بها، يثبت ذلك بمحضر إجراءات اللجنة، ويعتبر تهربه أو امتناعه عن إجراء التحليل عمدا سببا موجبا لإنهاء خدمته.
وبالنسبة للمرشح، يجب إخطاره بالموعد المحدد لإجراء التحليل وتوقيعه بما يفيد العلم بذلك. فإذا تخلف عن إجراء التحليل، دون أن يقدم عذرا تقبله جهة العمل، أو في حالة ثبوت تعمده غش العينة أو التلاعب بها، اعتبر ذلك سببا موجبا للاستبعاد من الترشيح أو إنهاء خدمته بحسب الأحوال.
وحددت اللائحة التنفيذية الجهات المختصة بتطبيق أحكام القانون المشار إليه، وهي وزارة الصحة والسكان ممثلة في الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان. وكذلك المستشفيات التابعة لها. بالإضافة إلى الإدارة المركزية للمعامل واللجان الطبية بالهيئة العامة للتأمين الصحي. فضلا عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ممثلة في المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية. وأيضا وزارة التضامن الاجتماعي، ممثلة في صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
كما نصت اللائحة على تشكيل لجان فنية تتولى الانتقال إلى جهة العمل بصورة فجائية لإجراء التحليل الاستدلالي. مع تنظيم جميع إجراءات عمل اللجنة الفنية والإدارية. ذلك بما يضمن سلامة العملية و”سريتها” وحفظ بيانات العاملين وحقوقهم المشروعة. وكذلك دقة النتائج وطريقة تسجيلها وسد أبواب التلاعب أو التحايل على أحكام القانون واللائحة.
كيف يتعارض قانون الفصل مع الحق في العلاج؟
المخاوف المثارة في هذا القانون تكمن في احتمالية استخدامه لتسريح عاملين في الجهاز الإداري. فضلا عن تعارضه مع مبادئ الدستور التي تكفل حرية الأفراد والحق في العلاج. خاصة مع عدم تضمين قائمة بالأدوية والعقاقير التي لا يشملها القانون، وكثير منها يحوي نسبًا مخدرة، وفق ما يوضحه المختصون.
وهنا، نحن أمام قائمة طويلة من الأدوية، تبدأ بعقاقير البرد والسكر والقلب والمسكنات، مرورًا بمسكنات الأمراض السرطانية والهيموفيليا وغيرها من غير المدرج في جدول المخدرات، ويمكن صرفه دون وصف طبيب، وصولًا إلى أدوية الأمراض النفسية والعصبية، ومعظمها أدوية جدول.
يقول استشاري الصحة النفسية، دكتور سامح حجاج، إن كثير من الأدوية المعروفة لعلاج الأمراض تحوي نسبًا من المخدر، وعلى رأسها الأدوية النفسية.
وفي هذه الحالة يبرز التساؤل: هل نحرم المريض من حقه في العلاج والتعافي مقابل الحصول على الوظيفة أم يستمر في علاجه ويخسر وظيفته أو في أفضل الحالات يكشف عن مرضه النفسي ويحتفظ بوظيفته، لكن مع الاضطرار لتحمل النبذ المجتمعي.
الحقيقة أن القانون يشير إلى استثناء المقتضى الطبي من تفعيل القانون. لكنه يشتبك مع حق المريض في الخصوصية التي تُنتهك بالكشف عن المقتضى الطبي. خاصة فيما يتعلق بالأدوية الجنسية وأدوية سرعة القذف على سبيل المثال. وفق القانون، يلزم هؤلاء بضرورة إعلان المدير في العمل بالأمراض أو المشاكل الجنسية التي تطلب أدوية تحوي نسب مخدرة أو الأمراض النفسية التي يعانون منها. وهي أمور يُنظر لها في مجتمعنا بنظرة دونية قد تجبر صاحبها في الأخير على التخلي عن عمله تجنبًا للعار الذي قد يلحق به.
قانون رعاية المريض النفسي
تضمن قانون رعاية المريض النفسي -الصادر في 23 سبتمبر/ أيلول 2009 وتم العمل به في 2010- في أحد مواده: ضرورة حماية سرية المعلومات التي تتعلق بالمريض وبملفه الطبي، وحماية خصوصياته ومتعلقاته الشخصية ومكان إقامته بالمستشفى. مع عدم إفشاء تلك المعلومات لغير الأغراض العلاجية. إلا في حالات حددها بالآتي:
- طلب المعلومات من جهة قضائية.
- وجود احتمال قوي بحدوث ضرر خطير أو إصابة وخيمة للمريض أو الآخرين.
- حالات الاعتداء على الأطفال أو الشك فى وجود اعتداء.
- حق المجلس القومي للصحة النفسية فى تكوين لجنة فنية من الأطباء المتخصصين يكون لها الحق في الإطلاع على سجلات المرضى، طبقًا للبند رقم 4 من المادة 7 من هذا القانون .
خبير بالطب الشرعي: ملتزمون بسرية التحاليل
يرى دكتور محمد مصطفى، خبير السموم والمخدرات بمصلحة الطب الشرعي، أن خطوة الكشف عن مدمني المخدرات أمر ضروري لتطهير الجهاز الإداري للدولة. ويؤكد لـ “مصر 360″، أن النتيجة في التحليل المبدئي قد تكون خاطئة نتيجة استخدام بعض الأدوية.
وهنا يمكن للموظف أن يتقدم بتظلم، ويجري تحليلا تأكيديًا على نفقته الخاصة في المعامل المركزية بوزارة الصحة أو الطب الشرعي. وهذه التحاليل أكثر دقة وعمقا. ذلك لأنها تكشف عن المادة التي ظهرت كمخدر، وهل هي نوع من الأدوية الخاصة ببعض الأمراض أو هي منشط رياضي أو جنسي أم ترامادول ومشتقاته قد يستخدم لغرض طبي. وفي حال تبين أن المادة هي علاج يعود الموظف إلى عمله وترد له قيمة التحاليل، كما يوضح خبير السموم.
ويؤكد خبير السموم أنه في حال التأكد من المقتضى الطبي يمتنع على اللجنة إخبار جهة العمل بنوع المادة المكتشفة وسبب استخدامها. بل يكتفى فقط بعبارة “أن النتيجة الأولية كانت خاطئة”. وذلك لضمان سرية وخصوصية المرضى سواء كان مرضهم نفسي أو عضوي.
نسبة المتعاطين والثقافة السائدة
في فبراير/شباط الماضي، نشر صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزيرة التضامن الاجتماعي “إنفوجراف” على الصفحة الرسمية للصندوق بـ”فيسبوك”، حول نتائج لجان الكشف عن تعاطى المخدرات بين العاملين. وقد خضع على مدار الثلاثة سنوات الماضية ما يقرب من 500 ألف موظف بالجهاز الإدارى للدولة للكشف عن تعاطي المخدرات. وأظهرت النتائج انخفاض نسبة التعاطي من 8% فى بداية حملات الكشف في مارس 2019 إلى 1.7% في 2021. ومع تطبيق قانون فصل الموظف متعاطي المخدرات، انخفضت النسبة مرة أخرى في أول أسبوع إلى 1%.
يتطرق دكتور محمد مصطفى خبير السموم والمخدرات بمصلحة الطب الشرعي، في حديثه لـ”مصر 360″، إلى مساوئ الثقافة الشعبية السائدة فيما يتعلق بتناول الأدوية. وهو يلفت إلى أن هناك نسبة عالية من متناولي الأدوية الطبية دون الاستشارة الطبية أو الرجوع المختص. ويقول: إنه من الضروري الاحتفاظ بالتذكرة الدوائية. لأنها تحمي من أي ارتباك. وهذا ليس تحسبا للقانون الذي نحن بصدده فقط. ولكن للحماية أيضًا من أخطاء استخدام الأدوية دون إرشاد طبي. حتى وإن كانت مجرد نزلة برد أو مسكن أو استخدام عارض للمنوم. خاصة هذا النوع الذي قد يعتاد عليه المريض ويدمنه دون أن يلاحظ.
تصفية للوظائف بقانون الفصل
يقول محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، إنه كان من بين المطالبين بصياغة قانون يمنع موظفي الحكومة من تعاطي المخدرات. لكنه مع تطبيق القانون صُدم بغياب بيان واضح بالأدوية الممنوعة التي تظهر في التحاليل كمخدر. ويضيف: “مع التطبيق كانت الصدمة أكبر. إذ أن بعض المواطنين أظهرت تحاليلهم وجود مخدر، والمفاجأة أنهم يتناولون أدوية للسعال وبعضهم يتناول مهدئات ومسكنات أو حتى منشطات رياضية وجنسية”.
ويشير فؤاد إلى مطالبته وعدد من منظمات المجتمع المدني، لجنة الصحة بمجلس النواب ووزارة الصحة بضرورة وضع قائمة بالأدوية الممنوعة. يقول: “هدفنا هنا مساعدة جهات التحقيق لأن أنواع الأدوية وتركيز المخدر أمر فني دقيق يحتاج إلى خبراء متخصصين”.
ويخشى فؤاد أن يكون القانون أداة لزيادة حالات الفصل من العمل. ومن ثم تفريغ الجهاز الإداري للدولة، حتى وإن كان هذا ليس الهدف من القانون. ولكنه يحذر من سوء استخدام الحق وعدم وجود بنود واضحة.
قانون الفصل غير دستوري
يقول أحمد راغب، المحامي الحقوقي، إن هذا القانون أسوأ ما فيه هو الإجبار على إجراء تحاليل. وهذا مخالف للدستور ومواثيق حقوق الإنسان. كما أن ثبوت تعاطي الموظف المخدرات لا يتفق مع عقوبة الفصل من العمل. إذ أن هذه العقوبة تضاهي الإعدام في الجرائم الجنائية.
وهو يضيف، في حديثه لـ “مصر 360″، أن تطبيق القانون جاء سابقًا على فك اللبس والغموض مع بعض الأدوية التي قد تظهر باعتبارها مخدر. كذلك يصطدم القانون مع خصوصية المريض وإشكالية الوصم التي قد تنال الموظف. وهذه كلها أمور تحتاج إلى معالجة، حتى لا نصل في الأخير إلى قانون ينتهك حقوق المواطنين.
يوضح راغب أيضًا أن الخمور سلعة مقننة من الدولة وغير ممنوع تداولها واستخدامها في الأماكن الخاصة. ولكن غير القانوني هو العمل تحت تأثير الخمور أو استخدامها في الأماكن العامة. وهو ما يتشابه مع استخدام المخدرات إذا كان العامل لا يمارس عمله وهو تحت تأثير المخدر ولا تظهر عليه علامات غياب الوعي، لماذا إذا نجبره على إجراء تحليل؟ وماذا بعد أن يفقد عمله، هل بذلك أصلحناه؟
عادل لهذه الأسباب
في المقابل تدافع دكتورة إيناس عبد الحليم عضو لجنة الصحة بمجلس النواب عن القانون، وتراه عادلًا.
تقول، في حديثها لـ “مصر 360″، إن المريض النفسي لا يجب السماح له بالتعامل مع الناس أو العمل في أي وظيفة. ذلك لأنه قد يكون خطرًا على الآخرين. وتفرق بينه وبين من يعاني الاكتئاب ويتناول أدويتها التي لا تظهر في التحاليل كمخدر.
أما فيما يتعلق بمريض الأورام، فهي توضح أنه حينما يصل إلي درجة الكيماوي والمسكنات تكون حالته الصحية منتهية ولا يستطيع ممارسة عمله ويحصل على إجازة مرضية بمرتب كامل لمدة عامين. مشيرة إلى أن المنشطات الجنسية وإن تضمنت مواد مخدرة، فهي سريعة الزوال وتأثيرها في الدم لا يتجاوز الساعة. مستشهدةً بأن التحاليل المبدئية لبعض النواب أظهرت إيجابية النتيجة، ومع التظلم وإعادتها ظهرت سلبيتها.