مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الرابع ، بدأت بعض الدول الأوروبية الرضوخ لشروط روسيا. حيث أعلنت كل من إيطاليا وألمانيا فتح حسابات بالروبل لمواصلة شراء الغاز الروسي. وذلك على الرغم من تحذير المفوضية الأوروبية بأن ذلك الإجراء يعد خرقا لعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على موسكو. في حين قطعت روسيا إمدادات الغاز إلى بولندا وفنلندا وبلغاريا ردا على رفضهم القرار الروسي بدفع ثمن الغاز بالروبل. يعكس ذلك انشقاق الموقف الأوروبي وعدم القدرة على اتخاذ موقف موحد تجاه روسيا.

أبرز الدلالات

انصياع الاتحاد الأوروبي

ردا على سيل العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا، أقر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ضرورة دفع صادرات غاز بلاده بالروبل “العملة الوطنية الروسية”. بالنسبة إلى “الدول غير الصديقة” والتي تشمل جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، اعتبارًا من 1إبريل/نيسان، وفي وقت سابق من شهر مارس/آذار الماضي. أعلنت مجموعة الدول الاقتصادية الكبرى السبع رفضها القاطع لقرار بوتين الدفع  بالروبل. كما وصفت المطالب الروسية بأنها “انتهاك أحادي وواضح للاتفاقيات القائمة“.

قترحت المفوضية الأوروبية إنه يمكن للشركات فتح حساب باليورو أو الدولار في Gazprombank التابع لروسياوإعلان إغلاق الصفقة بمجرد إيداع الدفع. لأن فتح حساب بالروبل سيتجاوز العقوبات الغربية.

وتحت تأثير وطأة موقف أمن الطاقة في بعض الدول الأوروبية، بدأت الشركات الأوروبية في المضي قدمًا للامتثال للمطالب الروسية. والحفاظ على تدفق الغاز، حيث أعلنت شركة Eni SpA الإيطالية للطاقة فتح حسابات بالروبل واليورو مع Gazprombank. حتى تتمكن من سداد المدفوعات في الوقت المحدد وتجنب أي مخاطر على إمدادات الغاز. كما أكدت شركة الطاقة الألمانية RWE (RWEOY) لشبكة CNN Business إنها فتحت حسابًا مصرفيًا جديدًا لسداد قيمة واردات الغاز الروسي. وكذلك موقف شركة Uniper SE الألمانية العملاقة وشركة OMV AG النمساوية.

اضطراب الموقف الأوروبي

فور صدور قرار بوتين الخاص بمدفوعات الغاز الروسي، وصفت “سي إن إن بيزنس” أوروبا بأنها في حيرة بشأن كيفية دفع فواتير الغاز الروسية. إذ رفضت شركتا PGNiG البولندية وBulgargaz البلغارية طلبات مماثلة. وكذلك شركة الغاز الفنلندية المملوكة للدولة جاسوم التي أعلنت أنها لا تقبل شروط الدفع الخاصة بشركة غازبروم الروسية وإنها تستعد لقطع شحنات الغاز من روسيا. مما دفع شركة Gazprom إلى وقف عمليات التسليم، وعلى النقيض، استغرقت ألمانيا وإيطاليا بعض الوقت لحين إبداء موافقتها على المطالب الروسية. في خطوة تعكس الفجوة بين الدول الأوروبية، وهو ما يشكك في إمكانية خلق جبهة أوروبية مضادة متماسكة في ملف الغاز الروسي. بالأخص نظرا لكونه الأكثر قدرة على التأثير في العلاقات بين روسيا والغرب.

مكسب روسي

في تقييم أولي لتأثير الحرب، نشر معهد التمويل الدولي تقريرا  يشير إلى أنه من المقرر أن تمحو روسيا 15 عامًا من المكاسب الاقتصادية. بحلول نهاية عام 2023 بعد أن أثار غزوها لأوكرانيا العديد من العقوبات ودفع الشركات إلى الانسحاب من البلاد.

وكتب الاقتصاديان بنيامين هيلجنستوك وإيلينا ريباكوفا، “من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 15٪ في عام 2022. يليه انخفاض بنسبة 3٪ في عام 2023، تاركًا الناتج المحلي الإجمالي حيث كان قبل حوالي خمسة عشر عامًا، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية والمعدات”.

وتلعب روسيا على روقة الغاز باعتبار أنها تمد الاتحاد الأوروبي بحوالي 40% من احتياجاته من الغاز. أي أنها تملك التأثير على قرار 23 دولة، وتجسد الموافقة الألمانية الإيطالية على الدفع بالروبل انتصارا  روسيا.

قدرة الطاقة على التأثير في الحرب

طرحت الحرب تساؤلات عدة بشأن أهمية أمن الطاقة واستقلال الطاقة، حيث كانت الورقة الأولى التي راهن عليها بوتين ولوح باستخدامها في الحرب. وسارعت الدول الأوروبية في محاولة الاستعاضة عن الطاقة الروسية لعدة وسائل. ولكن لن تتمكن مختلف الحلول من استبدال الغاز الروسي الذي يسد 40% من احتياجات كثير من الدول الأوربية  في المدى القريب. وهو ما أدركته روسيا منذ اللحظة الأولى، وكرست الملف لأجل تقويض العقوبات الغربية. حيث اختارت الطاقة لأجل إجبار الدول الأوروبية على استخدام الروبل لكون الغاز  المورد الأهم. وعلى الرغم من مماطلة الدول الأوروبية لفترة طويلة إلا انها رضخت بالنهاية.

الانعكاسات

تقويض فعالية العقوبات الغربية

تهدف العقوبات الغربية إلى تقييد قدرة روسيا على الحصول على العملات الأجنبية (الدولار واليورو) على وجه الخصوص. وذكرت المفوضية الأوروبية أن مدفوعات مشتري الغاز الروسي بالروبل -كما طلب الرئيس فلاديمير بوتين- ستنتهك نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد موسكو. وستؤدي هذه الآلية إلى خرق الإجراءات التقييدية الحالية التي يتبناها الاتحاد الأوروبي. فيما يتعلق بروسيا وحكومتها والبنك المركزي لروسيا ووكلائهم، وأشارت إلى أن العملية ستشرف عليها روسيا بالكامل. مما يحرم الشركات الأوروبية من السيطرة على الأموال من لحظة الدفع ويضع تكاليف إضافية لا يمكن التنبؤ بها.

الروبل مقابل الدولار

قدرت قيمة الروبل في بداية الحرب بحوالي 84 مقابل الدولار، ومع بدء تطبيق العقوبات الغربية، تراجعت قيمته إلى أدنى مستوى له منذ إبريل 2016. وبموجب الآلية الجديدة، يجب على مستوردي الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب فتح حسابين في Gazprombank للتعامل مع مدفوعات الوقود. وصرح نائب رئيس الوزراء “ألكسندر نوفاك” بأن حوالي نصف أكثر من 50 عميلا أجنبيا لجازبروم فتحوا بالفعل مثل هذه الحسابات.

ومن هنا، ارتفع الروبل بنسبة 6.3٪ ليتداول عند 58.75 مقابل اليورو، وهو أقوى نقطة له منذ أوائل يونيو/حزيران 2015. كما قفز بنسبة 4.6 في المائة مقابل الدولار عند 57.47، وأكد محللو Otkritie Bank إن الروبل قد يرتفع إلى 55 مقابل الدولار. في غضون شهر قبل أن ينخفض ​​إلى 70-80 بحلول نهاية العام.

انسياق باقي الدول الأوروبية

قد يؤثر الموقف الألماني والإيطالي على تفاعل باقي مستوردي الغاز الروسي من السوق الأوروبي، في ظل أزمة الطاقة المركبة. وارتفاع أسعار مختلف صور الطاقة بشكل حاد، ما قد يدفع بعض الدول الأوروبية للتنازل عن موقفها إزاء استخدام الروبل في دفع إمدادات الغاز الروسي.

سيناريوهات محتملة

مع مضي ما يزيد عن 3 أشهر على الغزو الروسي، وعدم التمكن من حسم الحرب لأي طرف. فمن المحتمل أن تؤثر استجابة الدول الأوروبية للمطالب الروسية بشأن الغاز على سياق الحرب في أحد الاتجاهين:

إما أن تعطي هذه الاستجابة دفعة قوية لروسيا باستمرار الحرب وتحقيق مزيد من المكاسب والضغط على الغرب في مختلف الجهات.

أو أن تمثل موافقة ألمانيا وإيطاليا على دفع ثمن امدادات الغاز بالروبل تنازلا يمكن أن يستخدم على طاولة المفاوضات في سبيل إيجاد تسوية للحرب.