يتلقى المزارع المصري إشادات مستمرة من الحكومة حاليا على توريد القمح والوقوف بجانب الدولة. فى وقت تتسارع زيادات أسعار التوريد وتشهر الدول إجراءاتها الحمائية لكن مشروع موازنة 2022/2023 يعكس خطابا مغايرا.
ويبلغ دعم الفلاحين في مشروع الموازنة 545 مليون جنيه مقابل 665 مليون جنيه في الموازنة الحالية بتخفيض قدره 120 مليون جنيه. وهو تحرك يتناقض مع ضرورة الاهتمام بالزراعة وتحسين الإنتاجية لتقليص الاستيراد من الخارج.
ما يثير اللبس هو تأكيد وزارة المالية نصًا في مشروعها المالي أن الدعم يتماشى مع ما تهدف إليه الدولة من الإسهام في رفع المعاناة عن صغار المزارعين.
وكان يجب أن يتوزع الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وبذور ومبيدات. فضلا عن أعباء مقاومة بعض الآفات الزراعية والإسهام في خفض أسعار التقاوي. بجانب تقديم القروض الميسرة لبعض الأغراض الزراعيـة.
ويتوزع مبلغ الـ545 مليون جنيه بين دعم فرق سعر الفائدة لقروض الإنتاج النباتي (مستحقات البنك الزراعي المصري) بنحو 500 مليون جنيه. على أن تتوزع الـ45 مليونا المتبقية بين إسهام الدولة في تكاليف مقاومة آفات القطن بقيمة 30 مليونا ودعم صندوق الموازنة الزراعية بنحو 15 مليونًا.
قروض الإنتاج النباتي تأكل 92% من دعم المزارعين
وتستهلك قروض الإنتاج النباتي نحو 92% من إجمالي دعم الفلاحين.
وهي قروض تصل إلى 100٪ من قيمة الموازنة المحصولية المعتمدة من البنك الزراعي لإنتاج المحاصيل في الأراضي القديمة الصحراوية التي تم استكمال البنية الأساسية اللازمة لزراعتها.
ويتم تمويل المحاصيل المُحمَّلة بواقع 25% من قيمة الفئات التسليفية المقررة للمحصول. بشرط عدم وجود سلف زراعية مستحقة على المساحة والمحصول ذاته عند بدء صرف دفعات سلف الخدمة الجديدة.
والمقصود بالمحاصيل المُحمَلة زراعة محصولين أو أكثر في المساحة وفى الوقت ذاته بحيث يتم تحميل محصول ثانوي على آخر رئيسي.
وقد لا يتماشى مبلغ الدعم لصندوق الموازنة الزراعية مع المهام الكثيرة التي تقوم بها من حمل تكاليف نقل الجبس الزراعي اللازم لتحسين خواص التربة في الدلتا ووادي النيل. وذلك بالتعاون مع الهيئة العامة للجهاز التنفيذي لمشروعات تحسين الأراضي. والتي تصل في المتوسط إلى 6 ملايين جنيه وأحيانا إلى 11 مليون جنيه.
دعم التقاوي
ويسهم الصندوق في دعم أسعار التقاوي المنتقاه بنصف الثمن. وذلك بالتعاون مع الإدارة المركزية للتقاوي بتكلفة 4 ملايين جنيه مخصصة للمناطق المطيرة. منها مرسى مطروح وشمال سيناء. بجانب تكاليف مقاومة آفات القطن بما يتم إتاحته بناء على قرار وزير الزراعة بتحمل الدولة 100 جنيه عن كل فدان بالتعاون مع كل من الجمعيات العامة لاستصلاح الأراضي والأراضي المستصلحة والتعاونيات. وهذه تصل سنويا إلى ما يقرب من 10 ملايين جنيه.
ويساعد الصندوق أيضًا في خفض تكاليف الري بالرفع لمن يزرع القصب بالتعاون مع مجلس المحاصيل السكرية وشركات السكر بتكلفة 4 ملايين جنيه. إذ يحصل المزارع على 28 جنيها ومجلس المحاصيل السكرية على جنيهَيْن عن كل فدان. وهي تستخدم في تطوير وتطهير المراوي والمصارف بمناطق زراعة القصب تكفي مساحة 133 ألف فدان من أصل 250 ألف فدان تعادل إجمالي مساحة زراعات قصب السكر.
ومن مهام الصندوق أيضًا المساعدة في تحمل تكاليف مقاومة آفات النخيل والنيماتودا والقوارض بمحافظات شمال سيناء ومرسى مطروح والوادي الجديد وأسوان. وذلك بالتعاون مع مديريات الزراعة بالمحافظات بتكلفة 775 ألف جنيه. وتقديم خدمات ونشرات إرشادية بالتعاون مع الإدارة المركزية للإرشاد الزراعي بتكلفة 290 ألف جنيه.
كما يتولى إنتاج مجموعة من المخصبات الحيوية ومبيدات النيماتودا (كائنات حية ميكروسكوبية تهاجم العديد من النباتات في جذورها). والعديد من المغذيات النباتية الورقية للعناصر المغذية الكبرى والصغرى والثانوية المعززة بمنشطات النمو الطبيعية. فضلا عن إنتاج محسنات التربة ومخصبات ومركبات صالحة للزراعة العضوية ومطابقة لمعايير أمان وسلامة الغذاء تطبق ضمن بروتوكول الممارسات الزراعية الجيدة لإنتاج بدائل أسمدة.
أعباء الزراعة وتبوير الأراضي
يقول فلاحون إن الفلاح هو الأكثر تضررًا من ارتفاع أعباء الزراعة. فالتقاوي والمبيدات والأسمدة ارتفعت لمستويات قياسية ومعها خدمات الحرث والري والحصاد. الأمر الذي يجعل تكلفة إنتاج المحصول أعلى من عائد البيع.
وتستورد مصر 90% من البذور بواقع 1.5 مليار دولار سنويًا بحسب بيانات وزارة الزراعة في 2020. إذ تشكل منها تقاوي الخيار والطماطم فقط 150 مليون دولار و140 ألف طن تقاوي بطاطس بموجب 1.2 مليار جنيه.
من أهم التقاوي التي تستوردها مصر سنويًا هي البنجر بنحو 2200 طن بجانب 20 ألف وحدة من تقاوي البنجر وحيدة الأجندة (ذات إنتاجية أعلى). وتقاوي للقمح بنسبة 34% من إجمالية ما يتم إنتاجه سنويًا. فهناك مليون فدان يتم زراعته بتقاوي مستوردة من أصل 3 ملايين و200 ألف فدان تزرع قمحا. بجانب 98% من بذور المحاصيل الحقلية يتم إنتاجها في مصر.
ورغم ارتفاع أسعار الأسمدة محليا فإن وزارة الزراعة تؤكد دعمها الكبير للمزارع. خاصة الأسمدة الأزوتية الأكثر استهلاكا لصغار المزارعين المالكين لـ25 فدانا فأقل بالبيع بسعر 4500 طن. بينما تحصل المساحات الأكثر من 25 فدانًا على الأسمدة بسعر غير مدعم.
الدكتور محمد القرش -المتحدث باسم وزارة الزراعة– يقول إنّ الدولة تهتم بتشجيع الفلاح المصري من خلال إبرام عقود معه والاتفاق على سعر القمح قبل توريده. ما أسهم في زيادة المساحات المزروعة بالقمح وتوريده وعدم بيعه بالسوق السوداء أو احتكاره وتخزينه.
لكن محمد صلاح -مزارع بالغربية- يقول إن الفلاح يعاني حاليًا من تكاليف كبيرة وعائد بيع متخفض ومكسبه يحصل عليه التاجر. فالسماد بالجمعيات الزراعية يتحكم فيه الموظفون والغالبية العظمى لا تحصل على احتياجاتها ويضطرون للحصول عليها من السوق السوداء بأسعار وصلت إلى 500 جنيه للشيكارة الواحدة.
نقيب الفلاحين: الدعم لا يصل إلى مستحقيه
ويقول حسين أبو صدام -نقيب الفلاحين- إن قضية دعم الفلاح تحتاج إلى إعادة هيكلة. فالمبالغ حال إضافة دعم الأسمدة إليها تصبح كبيرة. خاصة أن الدعم لا يذهب لمستحقيه ولا يتضمن تحديد الأولويات اللازمة.
فدعم الأسمدة على سبيل المثال يرتبط بالحيازات وكميات منه تصل إلى أشخاص باعوا أراضيهم أو توقفوا عن الزراعة.
وأكد ضرورة الاهتمام بالدعم غير المباشر للفلاح عبر زيادة موازنة مراكز البحوث الزراعية التي تعود على الإنتاجية أو تحديات الزراعة مستقبلاً. بجانب تطبيق مشروع الكارت الذكي والزراعة الرقمية. حتى يشعر الفلاح بالدعم خاصة أن جزءا من الدعم يصل حاليا إلى المصدرين وليس الفلاحين البسطاء.
ويجمع خبراء الزراعة والاقتصاد على أن القطاع الزراعي يتلقى في أغلب دول العالم دعما ومساندة من الحكومات وفقًا لسياسات توجيه زراعي تحقق مصالح المزارعين والدولة معا. بحيث يصل الدعم إلى مستحقيه من الفلاحين وللمزروعات التي تحتاج إليها الدولة. مطالبين بضرورة تفعيل كارت الفلاح.
كارت الفلاح
وكارت الفلاح هو منظومة حيازة إلكترونية أطلقتها وزارة الزراعة للتعرف وتحديد الأرض وحجم الإنتاج. وهو يحد من الإهدار بمنظومة الدعم الورقي للفلاحين وأصحاب الحيازات الورقية لكنه لم يتم تفعيله حتى الآن.
ويشدد نقيب الفلاحين على تلك النقطة. فكارت الفلاح لن يكلف الدولة شيئًا ويمثل أحد الضمانات التي يمكن عبرها دعم المزارع بصورة حقيقية. بجانب تشكيل لجنة مباشرة تتعلق بالزراعة تتبع رئاسة الجمهورية تضم خبراء معنيين بالزارعة. ففي وجهة نظره أن كثيرا من أصحاب القرار بالوزارة بعيدون تمامًا عن الزراعة على الأرض.
ويقول الدكتور صلاح الدين فهمي -أستاذ الاقتصاد- إن وزارة المالية واجهت معضلة في التعامل مع الموازنة الحالية واضطرت لتخفيض بعض النفقات من بنود أساسية بسبب تداعيات الاقتصاد العالمي على مصر. لكنها في الوقت ذاته قدمت دعما فيما يتعلق بأسعار المحاصيل وتسعى لزيادة التركيز على الزراعات التعاقدية التي تسهل على المزارع معرفة عائد بيع المحصول قبل زراعته.
وأوضح أن المزارع يشكو من ارتفاع أسعار الأسمدة والعمالة التي تقلل من إنتاج المحصول. والمالية في الوقت ذاته لديها مشكلة في العملة الأجنبية ونفقات كبيرة للتعامل مع تحديات الزراعة ذاتها. مثل نقص المياه والإنفاق على محطات المعالجة والتحلية الضخمة التي تصب كلها لصالح الفلاحين بشكل غير مباشر.