احتفل 54 بلدا بقارة أفريقيا أمس الأربعاء بيوم أفريقيا وهو اليوم الذي يتزامن مع تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية “الاتحاد الأفريقي” حالياً في 25 مايو 1963. وذلك بعد مشاورات وجهود من الزعماء الأفارقة أو من نعرفهم باسم “المؤسسين الأوائل للوحدة والتكامل الأفريقي” كالزعيم الغاني كوامي نكروما والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وذلك بهدف جمع الأفارقة في منظمة قارية توحد جهود الاستقلال والتحرر من التبعية.
ويأتي الاحتفال بـ”يوم أفريقيا” كذكرى لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو 1963. حيث وقّعت 32 دولة أفريقية مستقلة في مثل هذا اليوم على الميثاق التأسيسي في أديس أبابا بإثيوبيا.
وفي عام 2002 أصبحت منظمة الوحدة الأفريقية تعرف باسم الاتحاد الأفريقي.
وعلى مدار 59 عاماً ماضية تطورت أجندة المنظمة القارية الأفريقية “الاتحاد الأفريقي” لتناقش وتتناول القضايا التي يعانيها سكان القارة. بداية من الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى التنسيق والتعاون وتكوين الأحلاف الاستراتيجية مع المنظمات والقوى الدولية لدعم جهود التنمية. إلا أن هذه الخطط والجهود رغم بريقها والشعارات الرنانة لم تحقق الكثير مما يطمح له سكان القارة. وهو ما يبرز التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لتعطل جهود التكامل الإقليمي في أفريقيا.
وفي رسالة للشعوب الأفريقية قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: “أفريقيا الآن تتولى بنفسها شق طريقها نحو المستقبل”.
وهي الرسالة التي يؤكد فيها التناغم والتنسيق بين أجندة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة من أجل التنمية المستدامة وبناء القدرة على التكيف وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي. فيما تلتزم الأمم المتحدة التزاما كاملا إسداء الدعم لأفريقيا فيما تبذله من جهود.
منطقة التجارة الحرة القارية
ويبقى إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية هو المدخل القوى الآن لتشجيع التكامل الإقليمي وتحرك النمو الاقتصادي بين بلدان القارة. حيث يعول الموقعون على برتوكول اتفاق منطقة التجارة الأفريقية الحرة على أنها ستخفف من وطأة الفقر وتفضي إلى قيام مجتمعات أكثر استقرارا وسلما.
كانت دول القارة الأفريقية بدأت 2021 تنفيذ اتفاقية “منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية” (AfCFTA). لتكون أول سوق أفريقية متكاملة تضم 1.3 مليار شخص. فضلا عن كونها تكتلاً اقتصادياً يحتوي نحو ثلاثة تريليونات دولار ضمن إجمالي الناتج المحلي المشترك لدول المنطقة. فيما تتيح الاتفاقية تبادلا تجاريا بين القارة الأفريقية والخارج بما لا يقل عن 76 مليار دولار. إضافة إلى تعزيز طاقات التجارة البينية مع تراجع تكاليف الشحن والنقل والاتصالات والاستخدام الواسع لشبكة الإنترنت وتراجع مستويات الحواجز الجمركية والتجارية.
ورغم مرور عامين على بدء تنفيذ الاتفاقية تبقى معوقات تقلل فاعليتها. منها ضعف الطرق والسكك الحديدية. كما تتأثر فاعليتها بالاضطرابات السياسية والبيروقراطية المعوقة على الحدود. إضافة الى الفساد في المرافق الحكومية.
تحديات عالقة
ورغم تدفق المنح والمساعدات وتعدد البرامج لا تزال قضايا الصحة والأمن الغذائي والإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود وتراجع الحريات السياسية والشفافية والحوكمة وتفشي ظاهرة الانقلابات العسكرية تمثل تحديات في القارة الأفريقية.
يقول رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في بيان الاتحاد بمناسبة يوم أفريقيا: “تراجع دور الشفافية والحوكمة هو السبب الرئيسي وراء معظم مشكلات القارة. فلا تزال كثيرا من دول القارة تكرس جزءا كبيرا من مواردها وطاقاتها لمحاربة الإرهاب أو حماية نفسها. وبالتالي تحرم قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم من الموارد التي تحتاج إليها“.
وأضاف “فكي”: “التحديات ناتجة عن سوء الإدارة ولم يعد ممكنا إخفاؤها بالمطالبة بالشفافية التي يفرضها السكان المنفتحون بشكل متزايد على العالم عبر تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة. موضحا أن من بين مظاهر سوء الإدارة يأتي الفساد والصراعات بين المجتمعات والموجات الأخيرة من التغييرات غير الدستورية والبطالة بين الشباب“.
ولفت بيان مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى آثار الأزمة الاقتصادية وأزمة المناخ والطاقة على اقتصادات الدول الأفريقية الهشة وأسعار المواد الغذائية من خلال تكلفة النقل الباهظة. فضلا عن الأزمة الصحية التي أعقبت تفشي فيروس كورونا وأضعفت القدرات الإنتاجية لمختلف البلاد والأزمة الروسية الأوكرانية.
أجندات الخارج وضعف الإرادة السياسية
ورغم الإشارة إلى المبادرات والبرامج التي يتبناها الاتحاد الأفريقي. سواء في أجندة للتنمية القارية أو البرامج التفاعلية مع منظمات وجهات دولية مانحة مثل البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا. فإن جميع هذه البرامج لا تزال ضعيفة أمام احتواء وطأة الأزمات المتكررة. ولم يشر بيان الاتحاد إلى الأسباب الحقيقية وراء تأخر وتعطل تنفيذ برامج الإصلاح سواء من ضعف الإرادة السياسية لزعماء القارة أم لاستمرار تأثير الأجندات الغربية والدولية في برامج الاتحاد.
ويمكن رصد الإخفاقات في تحقيق الأهداف الطموحة في أجندة التنمية الأفريقية التي لا تزال تحقق أرقاما محدودة وفقا للعديد من القراءات التقييمية. إذ لا يزال هناك العديد من التحديات العامة التي تعوق التنفيذ الفعال لمحاور الأجندة. بداية من الموارد المالية المحدودة للاتحاد الأفريقي واستمرار المشكلات السياسية والأمنية وفي مقدمتها الصراعات الأهلية وعدم الاستقرار وتفشي الجرائم المنظمة وغياب المساواة الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الأوبئة والتطرف الديني والإرهاب. فضلا عن استمرار أزمة الاندماج الوطني التي تعد أبرز التحديات السياسية والمعوق الرئيسي لتحقيق التداول السلمي للسلطة وتحقيق الديمقراطية.
ويعول مراقبون للشأن الأفريقي على أن وجود التزام سياسي قوي من قبل قادة وزعماء الدول الأفريقية يمكن أن يكون السبيل لمواجهة كل هذه التحديات. حيث يمكن تحقيق التناغم والتنسيق بين الأجندات والخطط الوطنية وبين عمل الأتحاد الأفريقي لضمان تحقيق أهداف التنمية.
المصالح والأجندات الدولية وعرقلة تكامل أفريقيا
ومنذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي ونيل الدول الأفريقية الاستقلال انتقل التنافس والصراع الدولي إلى الساحة الأفريقية. حيث سيطرت مصالح القوى الدولية على أفريقيا. فيما استمرت أطماع القوى الاستعمارية مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا إضافة إلى المصالح الأمريكية. بينما شكلت الصين وروسيا والقوى الفاعلة في الشرق الأوسط جانبا آخر لا يقل أهمية في فاعليته على الساحة والقرار الأفريقي.
ولم يقتصر الصراع والتنافس الدولي بأفريقيا على المشهد السياسي. لكن كانت المصالح الاقتصادية هي الجانب الأهم في صياغة علاقة القوى الدولية بالقارة. حيث تنافست هذه القوى لتأمين مصالحها التجارية والاقتصادية بالسيطرة على أسواق واقتصاديات الدول الأفريقية وبالتالي التحكم في قضايا القارة السياسية والأمنية عبر إغراق أفريقيا بالديون ومن ثم السيطرة على القرار السياسي للدول.
ولعل برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتكيف والهيكلة أبرز الأمثلة على السيطرة الدولية على القارة. حيث أصبحت أشهر أدوات الضغط والتحكم في الاقتصاديات الأفريقية.
ولعل المصالح والتنافس الدولي هي أبرز وأهم المعوقات التي تقف أمام قدرة القادة الأفارقة على تحقيق تكامل إقليمي حقيقي. وذلك بعد أن باتت القارة في حلقة من حلقات الحرب والصراع بين القوى الدولية التي باتت تتحدث وتدافع عن مصالحها في القارة بشكل علني.