بعد مُضي 16 شهرًا على تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، يقرر أخيرًا زيارة الشرق الأوسط، في النصف الأخير من يونيو/حزيران المقبل. ذلك بعدما كانت المنطقة في مؤخرة الأولويات على أجندة الرئيس، قبل أن تتقدم عدة درجات في سلم الأولويات إثر عوامل خارجية وداخلية ضاغطة من بينها:

  • انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس، وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية داخليًا.
  • تأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا فيما يتعلق بملف زيادة إنتاج النفط والعلاقات العربية الداعمة لموسكو والمتراجعة مع البيت الأبيض.
  • ملف السعي لإتمام الاتفاق النووي مع إيران، وما يحمله من مخاوف خليجية إسرائيلية تستدعي تهدئتها.

ومن ثم بالتبعية، تترآى الحاجة للموازنة بين الانسحاب والحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط. وفيها تنال المقاربة الإسرائيلية لـ”هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط”، تلعب فيه دور “شرطي الإقليم”، ختم الاعتماد من الإدارة الأمريكية. وإن كانت زيارة السعودية واللقاء المحتمل مع ولي العهد محمد بن سلمان خطوة أخرى هامة لوضع هذه الأسس في نكص لتعهدات “النبذ” القديمة.

كواليس وسياقات الزيارة

في البدء كان مقررًا أن يزور بايدن إسرائيل فقط، في زيارة قصيرة نسبيًا، تتضمن لقاء مسئولين إسرائيليين في القدس، وآخرين فلسطينيين في بيت لحم. ولكن مع مطلع مايو/أيار الجاري، أفادت تقارير أمريكية أنه بناءً على مباحثات بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، يجرى التحضير لاجتماع يضم زعماء المنطقة من قادة خليجيين إلى جانب مصر والأردن.

وقال مسؤولون إسرائيليون -لموقع “أكسيوس” الأمريكي- إن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا ونظيره الأمريكي جاك سوليفان ناقشا الزيارة القادمة. إذ تحدَّث سوليفان عن إمكانية إضافة عنصر إقليمي إلى زيارة بايدن. وذلك “كوسيلة لمواصلة زخم قمة النقب“، الموجهة ضد إيران بالأساس، والتي انعقدت في إسرائيل أواخر مارس/آذار، وكانت “طريقةً لمزيدٍ من التعزيز لاتفاقات أبراهام“.

اقرأ أيضا: «قمة النقب».. هل تلعب إسرائيل دور «مقاول واشنطن الفرعي» في المنطقة؟

لاحقًا، بدا وأن الولايات المتحدة مصممة على تحسين علاقاتها مع السعودية والإمارات من خلال زيارات دبلوماسية ورسائل رمزية. ففي الأسابيع الماضية التقى وليام بيرنز مدير الاستخبارات الأمريكية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سرًا في الرياض. ثم سافر نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد، إلى واشنطن. وهناك التقى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. وتكشّف أن المباحثات تدور حول النفط والتقارب مع الصين، وترتب لزيارة محتملة لبايدن إلى الرياض، يلتقي فيها الملك سلمان ونجله.

محمد بن زايد وبايدن
محمد بن زايد وبايدن

تخفيف حدة التوترات مع الإمارات

أما على الجانب الإماراتي، فقد أوفد البيت الأبيض نائبة الرئيس كامالا هاريس، وبعض من كبار مسؤوليه للتعزية في وفاة رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد. ومن بينهم وزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات. ما يشير إلى “محاولة من جانب الولايات المتحدة لتخفيف التوترات الأخيرة بين البلدين“، بحسب “سي إن إن“.

بالتزامن، قرر بايدن الإبقاء على الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات المصنّفة أمريكيًا على أنها إرهابية، وفقًا لما نشره موقع “بوليتيكو“، نقلًا عن مصدرين لم يسمهما. وذلك في تقرير نشره 25 مايو/أيار. إذ ذكر على لسان مسؤول غربي كبير أن بايدن “حسم أمره بشأن الإبقاء على الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة الإرهاب“.

وأضاف الموقع أن شخصا آخر مطلّع على هذا الملف، قال: إن بايدن نقل قراره إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال مكالمة هاتفية في 24 أبريل/نيسان الماضي. وقد أكد الشخص المطلع أن قرار بايدن “نهائي لا رجعة فيه“.

اقرأ أيضا: العلاقات الأمريكية مع السعودية والإمارات: رحلة الوصول إلى “المنعطف”

الحرس الثوري والبقاء في قائمة الإرهاب

وتنظر طهران إلى قضية الإبقاء على الحرس الثوري ضمن تلك القائمة على اعتبار أنها قضية سياسية أكثر من كونها جوهرية وكذلك تفعل واشنطن. وبالتالي، فإن هذه القضية تشكّل إحدى العقبات التي تعترض إحياء الاتفاق النووي الإيراني حتى الآن.

في وقت لاحق، أكد بينيت مضمون محادثته مع بايدن الشهر الماضي. وقال في تغريدة نشرها على حسابه في “تويتر”: “أرحب بقرار الإدارة الأمريكية وعلى رأسها صديقي الرئيس جو بايدن بإبقاء الحرس الثوري في المكان المناسب له وهو قائمة التنظيمات الإرهابية”. واستطرد “الرئيس بايدن هو صديق حقيقي لدولة إسرائيل وهو يهتم بأمنها وبتحصين قوتها”.

وقد أتت تلك التقارير والتصريحات في الوقت ذاته الذي اُغتيل فيه أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني في طهران. ويعد أرفع شخصية تقتل منذ اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زادة أواخر عام 2020. وبينما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها كالعادة والتزمت سياسة الصمت، فإن التقارير الإسرائيلية أشارت إلى دوره في محاولة استهداف مسؤولين إسرائيليين.

الحرس الثوري الإيراني
الحرس الثوري الإيراني

تيران وصنافير: السعودية هدف الزيارة الأهم

تلعب الولايات المتحدة دور الوساطة في محادثات لإتمام عملية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بمباركة إسرائيلية. ووفقًا لموقع “أكسيوس“، فإن إدارة الرئيس بايدن تجري بهدوء محادثات بين الدول الثلاث (مصر والسعودية وإسرائيل)، إن نجحت قد تكون أولى الخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والمملكة السعودية.

وقالت خمسة مصادر أمريكية وإسرائيلية للموقع إن المفاوضات تهدف إلى إنهاء نقل الجزيرتين الاستراتيجيتين في البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية. إذ تلتزم مصر مع إسرائيل باتفاقية السلام لعام 1979 والتي تكون بموجبها جزيرتا تيران وصنافير منزوعتي السلاح. مع وجود قوة من المراقبين متعددي الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة. وهذا ما يحتم أن يمر الاتفاق بين مصر والسعودية بإسرائيل.

إسرائيل وافقت ويبقى إتمام الصفقة

إسرائيل كانت قد أعطت بالفعل موافقتها، وفق ما نقله أكسيوس، بانتظار استكمال الاتفاق بين مصر والسعودية على استمرار عمل قوة المراقبين متعددي الجنسيات، الذين يضمنون استمرار حرية الملاحة في المضيق.

ومضيق تيران هو الممر المائي الوحيد لإسرائيل من إيلات. ما يسمح بالشحن من وإلى أفريقيا وآسيا دون الحاجة إلى المرور عبر قناة السويس. وتستخدم سفن البحرية الإسرائيلية هذا الممر المائي للوصول إلى البحار المفتوحة. حيث تجري مناورات بحرية غير ممكنة في الحدود الضيقة لخليج العقبة، بحسب “يورونيوز“.

ويضيف “أكسيوس” أن القضية الرئيسية الآن هي موضوع القوة المتعددة الجنسيات. حيت تريد الرياض إنهاء وجودهم مع تعهدها بالحفاظ على حرية الملاحة الكاملة لجميع السفن. ويبدي المسؤولون الإسرائيليون مرونة. لكنهم يطالبون بترتيبات أمنية بديلة تحقق نفس النتائج.

وتريد إسرائيل من السعودية أن تتخذ خطوات أخرى كجزء من جهود التوصل للاتفاق. منها السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بعبور الأجواء السعودية نحو الهند وتايلاند والصين. وكذلك رحلات مباشرة إلى المملكة ليتمكن المسلمون في إسرائيل (من عرب 48) من السفر بسهولة لأداء فريضة الحج. وتسمح السعودية الأن بمرور الطائرات الإسرائيلية عبر جزء من أجوائها الشرقية في الرحلات القادمة إلى الإمارات والبحرين.

جزيرة تيران
جزيرة تيران

بحثًا عن مكاسب لكل الأطراف

تقول المصادر الأمريكية والإسرائيلية -في التقرير- إن إنجاز هذه الخطوة مهم للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وتعتقد إدارة بايدن أن وضع اللمسات الأخيرة على هذه الصفقة من الممكن أن يبني الثقة بين الطرفين السعودي والإسرائيلي. كما أنه يخلق بداية لعلاقات “دافئة” بينهما. حيث لا علاقات دبلوماسية رسمية حتى الآن.

وإن تم الاتفاق “سيكون أهم إنجاز للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ اتفاقات أبراهام“. وهنا تُظهر إسرائيل من جديد فائدتها للأنظمة العربية عامة وللنظام السعودي خاصة. وتؤكد أن الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبرها.

يشير موقع “والا” العبري: “سيكون إنجازًا مهمًا لبينيت ووزير الخارجية يائير لابيد اللذان دفعان الأمريكيين للترويج لمثل هذه الخطوة منذ يومهم الأول في المنصب. لن يخرج تحالف بينيت ولابيد الهش من الخطر نتيجة لمثل هذا الإنجاز. لكنه قد يؤدي إلى زيادة الدعم الشعبي للحكومة وربما أيضًا من أولئك على اليمين واليسار الذين أصيبوا بخيبة أمل من أدائها في الأشهر الأخيرة”.

وإذا ما نجح الترتيب للاتفاق على زيادة إنتاج النفط السعودي، سيزور بايدن الرياض فهو “يحتاج إلى كل هذه الإنجازات ليشرح لقطاعات كبيرة من حزبه وللجمهور الأمريكي سبب سفره إلى بلد كان حتى قبل عام ونصف العام يسميه دولة متمردة وسط انتهاكات حقوق الإنسان”.

ولكن في الوقت ذاته فإن الاحتمال الأرجح أن يلتقي بايدن بالملك سلمان وسيجلس الأمير محمد أيضًا في غرفة بجوار والده. “وبهذه الطريقة، سيزود بايدن الوصي السعودي بما يريده لكنه سيظل على مسافة معينة منه”، بتعبير الموقع العبري.

الوضع الفلسطيني في الصورة

تتزامن زيارة بايدن مع تدهور الوضع الأمني في إسرائيل مؤخرا بسبب الهجمات الفدائية الفلسطينية والاشتباكات المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة. ويظهر التحالف الحكومي الإسرائيلي في حالة من التفكك فضلا عما سببه قتل الاحتلال للصحفية شيرين أبو عاقلة، وسلوكه الوحشي ضد جنازتها، من إلحاق ضرر كبير بصورة الحكومة الإسرائيلية بين الديمقراطيين الأمريكيين، وفق ما يسرده المحلل نداف آيال على موقع “واي نت” العبري.

ويرى عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، أن “فرحة” إسرائيل بالزيارة والحظوة التي نالتها من إدارة بايدن، ليست خالصة تماما، فثمة في برنامج عمل الزيارة وجعبة الزائر، ما قد يعكر صفوها، سيما إن أصر الرئيس الأميركي على زيارة القدس الشرقية، حتى وإن كان الهدف مستشفى المقاصد الخيرية، المجرد من أي دلالات سياسية.

ويوضح “إسرائيل لا تريد الزيارة من أصلها، إن كانت تستبطن رسائل تتصل بموقف أميركي من القدس الشرقية مغاير لموقف إدارة ترامب. هنا لا تتوقف المحادثات التحضيرية عند الزيارة بحد ذاتها، بل تتخطاها إلى بعض الجوانب الإجرائية المحمّلة بالدلالات السياسية والرمزية من نوع: هل يرافق الأمن والبروتوكول الإسرائيليان الرئيس الأميركي في هذا المقطع من زيارته، أم أنها ستتم بحراسة أميركية خالصة، ومن دون تدخل إسرائيلي مباشر أو علني؟”.

اقرأ أيضا: ما بين الدُرة وشيرين: كيف تغيرت الأنظمة العربية؟

القنصلية.. باب الخلاف الأمريكي الإسرائيلي

تفتح زيارة الرئيس بايدن للقدس الشرقية -إن تمت- باب الخلاف الأميركي الإسرائيلي حول إعادة فتح القنصلية الأميركية فيها. فإسرائيل تُشهر الفيتو ضد خطوة من هذا النوع. فيما إدارة بايدن “حائرة” -والحديث لا يزال للرنتاوي- في اختيار التوقيت المناسب للإقدام عليها، وما إن كانت ستفعلها أم لا، رغم التعهدات المعلنة التي أطلقها بايدن.

بايدن نفسه، من بين آخرين داخل إدارته، قلق من توسع إسرائيل للمستوطنات، الذي يديم الاحتلال، والطبيعة القمعية لمعاملتها للفلسطينيين. تنبع مخاوفه من أسباب أخلاقية، وكذلك لأن القضية تضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها، بحسب يوسي ميكيلبرج محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز “تشاتام هاوس”.

يقول وليد فارس، مستشار السياسة الخارجية في حملة دونالد ترامب الانتخابية سابقا، إن هناك مؤشر واضح أن الإدارة الأمريكية تبغي إعادة الربط، مع ما وصفه بـ”التحالف العربي” وإسرائيل، أي الشركاء الدائمين للولايات المتحدة في المنطقة. ويأتي ذلك في إطار إعادة ترتيب البيت الأطلسي والغربي في مواجهة روسيا والصين، وفي ظل عدم الوضوح تجاه الملف الإيراني.

“في اللغة الدبلوماسية البحتة، ذلك يعني أن التقارب ولو البطيء بين إدارة بايدن والتحالف العربي بات ممكنا، ولو لم يكن ساطعا. فالتقاطع في المصالح بسبب الوضع الدولي ينطلق من واقعين. الأول هو محاولة واشنطن قطع الطريق على موسكو وبكين، كي لا تستدرجان العرب إلى معسكرهما، والثاني هو استفادة مصلحية لدى حكومات التحالف لكي ترمم الجسور مع واشنطن وربما أن تؤخر نتائج توقيع محتمل للاتفاق النووي إذا ما حصل”، يحلل فارس لصحيفة “إندبندت عربية“.

ويتساءل: هل مقاربة فريق بايدن هي استراتيجية وخيار حقيقي بوجه إيران، أم تحرك تكتيكي لحماية وثبة آتية للتوقيع مع إيران؟ وفي المقابل، هل لأعضاء التحالف ثقة بالمقاربة الأميركية الجديدة، أم أنهم يتبعون البراجماتية الدبلوماسية، ويستفيدون من نتائجها الآنية؟