تحتفل أفريقيا هذه الأيام اليوم بذكرى تأسيس الاتحاد الأفريقي 25 مايو /أيار 1963، والذي عُرف في السابق باسم “منظمة الوحدة الأفريقية”. ورغم الديباجات والبيانات المعتادة في مثل هذه المناسبات، وما يصاحبها من استعراض للتاريخ. إلا أن واقع القارة يبرز أن هناك مسألة أساسية الآن، ينبغي أن تمثل محور ومرتكز الاهتمام الحقيقي في القارة. وهي الأمن الغذائي. فهذه المشكلة هي البؤرة التي تعكس على سطحها وتتداخل فيها وتتشابك كل أوجاع وأمراض القارة.

وبالطبع، فإن الاحتفال يعكس عدة دلالات رمزية ترتبط بالهوية والوحدة الأفريقية. وكذلك يمثل فرصة للوقوف على ما حققته الدول من أهداف، وما أخفقت فيه.

تكافح الدول الأفريقية للاستفادة من إمكانياتها، وتطوير قدراتها للحاق بدول العالم المتقدم. وقد تعرضت القارة، خلال الآونة الأخيرة، لعدد من الانتكاسات، ارتبطت بوقوع جملة من الانقلابات -لاسيما في غرب أفريقيا- مما يقوض جهود الديمقراطية. وأيضا انفلات أمني، إثر ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية، إلى جانب ما سببته جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب الروسية- الأوكرانية، من تدهور اقتصادي حاد.

هنا، عند النقطة المتعلقة بالاقتصاد. من المنطقي والمفترض ان تضع دول القارة نصب أعينها -سواء بشكل فردي أو جماعي- من خلال الاتحاد هذا الملف الحرج. الذي يلامس -أو يكاد- في بعض مناطق القارة حد التهديد بالمجاعة، أو المجاعة الفعلية. دون أن يحجب ذلك أهمية الملفات الأخرى. فالأمن الغذائي لا بد وأن يصبح الشاغل الأول على مائدة وأجندة الاتحاد، وأن يقفز على قمة أولوياته.

اقرأ أيضا: السياسة الأمريكية في الصومال.. خطوة للخلف خطوتان إلى الأمام

الأمن الغذائي في أفريقيا 2022

كرس الاتحاد الأفريقي هدفه لعام 2022 متمثلا في “تعزيز المرونة في الأمن الغذائي في القارة الأفريقية”. أي تأمين أكبر قدر من الالتزام السياسي لمواجهة تحديات التغذية المستمرة، وحدد لأجل ذلك الهدف آلية شاملة. تتكون من تعزيز قدرة النظم الزراعية بمكوناتها (الأرض، والتحول الرقمي، والحصول على التمويل، والاهتمام بصغار المزارعين).

أيضا، جاء ضمن الآلية الشاملة، تفعيل دور الحماية الاجتماعية والقانونية في تعزيز الأمن الغذائي، من أجل قدر أكبر من المرونة. والتركيز على تنمية رأس المال البشري، والمناخ، والطاقة، وأنظمة الغذاء. بقيادة وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي “نيباد”، واللجان الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة. ويتشارك بنك التنمية الأفريقي (AfDB) مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، في خطة الإنتاج الغذائي الطارئة الأفريقية.

تحديات أفريقيا على سلم التأزم:

تتعمق أزمة الأمن الغذائي في القارة منذ فترات طويلة، وفقًا لنتائج دراسة تكلفة الجوع في أفريقيا. تشير التقديرات إلى أن البلدان الأفريقية تخسر ما بين 1.9 و16.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب نقص تغذية الأطفال. ويمكن الإشارة إلى عدة أسباب تهدد الأمن الغذائي في القارة:

التغير المناخي

حددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) مجموعة سيناريوهات بشأن آثار التغير المناخي في أفريقيا. حيث تتوقع مستقبلا، أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين بحلول عام 2050. والذي بموجبه، ستشهد المناطق الرطبة في أفريقيا، على طول خط الاستواء، زيادة بنسبة 30 % في هطول الأمطار. بينما ستشهد المناطق الجافة في القارة انخفاضًا بنسبة 20%، وبالفعل شهدت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء زيادة قدرها عشرة أضعاف في أحداث الفيضانات في عام 2020. مما أجبر 1.2 مليون أفريقي على النزوح.

وتوثر التغيرات المناخية بشكل رئيسي على وضع الغذاء في القارة، وسوف تكافح العديد من المحاصيل الأساسية للأنظمة الغذائية الأفريقية. مثل القمح والذرة، من أجل الاستمرار على قيد الحياة في درجات الحرارة المرتفعة. كما تواجه أفريقيا تهديدا بتضاؤل المياه المتاحة، إذ أن ما يصل إلى 95 % من مزارعي القارة ليس لديهم أنظمة ري، ويعتمدون كليًا على هطول الأمطار.

ومع توقع انخفاض معدل هطول الأمطار في أجزاء كثيرة من أفريقيا، وحدة موجات الجفاف. تصير الزراعة في القارة السمراء على حافة الخطر. على سبيل المثال، يشهد القرن الأفريقي حاليًا موسم الأمطار الفاشل الثالث على التوالي وتسبب في تدمير المحاصيل ونفوق الماشية، وهو ما يمثل إنذار خطر لما هو ما قادم.

الحرب الروسية- الأوكرانية

وكأن الأمن الغذائي للقارة لم يكن لديه من الأزمات ما يكفيه ويزيد، حتى أتت الحرب الروسية- الأوكرانية لتفاقم حرج وضع الغذاء حرجا وانكشافا. فمنذ بدء الحرب، ارتفع مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). بنسبة 12.6% من فبراير/شباط، إلى مارس/ آذار، وهو أعلى مستوى له منذ التسعينيات.

كما حذر برنامج الأغذية العالمي، من أن استمرار الحرب سيؤدي لنتائج كارثية. منها ارتفاع الجوع الحاد بنسبة 17% على مستوى العالم، مع توقع أكبر الزيادات في دول شرق وغرب وجنوب أفريقيا. فمن بين 174 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد على مستوى العالم، تتصدر مناطق القارة في هذا الإحصاء القاتم.

اقرأ أيضا: الإمارات والحركات الإسلامية في إثيوبيا

التناقض بين الكامن والواقع في أفريقيا

وعلى الرغم من احتوائها على 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، فإن أفريقيا هي مستورد رئيسي للغذاء. وتهدد الحرب في أوكرانيا بقطع الإمدادات عن جزء كبير من القارة، وفي الوقت الراهن، يتعرض الملايين الآن لخطر الوقوع في براثن الفقر وسوء التغذية. حيث تعتمد 14 دولة أفريقية على روسيا وأوكرانيا في أكثر من نصف وارداتها من القمح. وقد أدت هذه الأزمة بالفعل إلى ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية بأكثر من 25%.

جائحة كورونا

كشفت الأزمة العالمية لـ Covid-19 بشكل كبير عن الضعف الاقتصادي للبلدان الأفريقية، ونقاط الضعف في نظمها الصحية والغذائية. وأدى إغلاق الحدود وفقدان الوظائف إلى تقليل الوصول إلى الغذاء، كما عانى تجار المواد الغذائية والماشية من زيادة في السلع. بسبب مشاكل سلاسل التوريد، مما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.8% لبعض الاقتصادات. وزاد عدد المعرضين للفقر المدقع إلى أكثر من 40 مليون شخص إضافي في أفريقيا جنوب الصحراء. كما تم الإبلاغ عن انخفاض بنسبة 6% في الحصول على الطاقة لعام 2020.

انخفاض النمو الاقتصادي

قدّر أحدث تحليل يصدره البنك الدولي عن “نبض أفريقيا”، وهو تحليل نصف سنوي لتوقعات الاقتصاد الكلي الإقليمي على المدى القريب. أن تحقق أفريقيا معدل نمو بنسبة 3.6% في عام 2022، انخفاضًا من 4% في عام 2021، متأثرة باضطراب مستوى الطلب والعرض عالميا، وارتفاع معدلات التضخم. حيث لا زالت تكافح إزاء تداعيات كورونا، إضافة إلى تحديات النمو في المنطقة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية. والتي تتزايد بوتيرة أسرع منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

العنف والصراعات

وفقًا لبيانات من موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث (ACLED)، أدى الارتفاع غير المسبوق في انعدام الأمن إلى نزوح المجتمعات الزراعية وإعاقة الزراعة. على سبيل المثال في ولاية بورنو في نيجيريا -التي تنتج 30% من القمح النيجيري- أدى إرهاب جماعة “بوكو حرام” في وقف زراعة أكثر من 400 هكتار من القمح في المنطقة. وزادت الهجمات الإرهابية المرتكبة مما يسمى “ولاية غرب أفريقيا” التابعة لتنظيم داعش بنسبة 44 % في منطقة الساحل في عام 2020، مما ساهم في تهجير 1.7 مليون شخص -أغلبهم من المزارعين- في حوض بحيرة تشاد. كما أدى انعدام الأمن إلى تعطيل تدفقات الأغذية والتجارة.

دور المجتمع الدولي

إزاء هذه الأوضاع المتدهورة كان لا بد من التساؤل عن دور المجتمع الدولي وموقفه من وضع ينذر بالمجاعات واتساع مناطقها في القارة.

في اجتماع مجموعة الدول الاقتصادية السبع الكبرى الأخير في برلين في 19 مايو/آيار الجاري. تحت شعار “الاستجابة للأزمات المتعددة في القارة الأفريقية مع التركيز على الغذاء”، حاول عدد من وزراء الدول الأفريقية (مصر وكينيا ونيجيريا والسنغال وتونس وزامبيا). إشراك المجتمع الدولي في إيجاد حلول لأزمة الأمن الغذائي في أفريقيا، باعتباره الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المستدامة).

ودعا وزراء الدول الأفريقية وزراء مجموعة الدول السبع إلى تقديم دعم سريع وهادف. من أجل مواجهة تهديد الجوع، وسوء التغذية، وتعزيز صمود الفئات الأكثر ضعفاً. وكذلك تعزيز قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة على الصمود على المدى الطويل.

وجرى التأكيد على تعبئة المزيد من الموارد للقضاء على الجوع. ومعالجة انعدام الأمن الغذائي، ودعم التحول المستدام للزراعة والنظم الغذائية، في البلدان الشريكة في أفريقيا. بما في ذلك من خلال دعم التنمية المستدامة من خلال ما يسمى الزراعة الإيكولوجية (أي البيئية). وزيادة كفاءة الميزانيات الحكومية المخصصة للزراعة.

الاعتماد على الذات

وبالطبع، فإن هذه المواقف الدولية -كما العديد من الفعاليات والمنظمات الدولية- تبدو غير قادرة على الإسهام في التخفيف من نذر أوضاع كارثية أو شبه كارثية. ما لم تسارع دول الاتحاد الأفريقي إلى الإمساك بزمام المبادرة الفعالة والفاعلة في ايديها. دون التعويل على دعم دولي يبدو شاحبا وباهتا. وهذا هو التحدي المطروح على دول الاتحاد في يوم القارة.