شهدت الكونغو الديمقراطية، هذا الأسبوع، اشتعال وتيرة الهجمات الإرهابية. ما يُهدد استمرارية اتفاق نيروبي بين القوات المتمردة والجيش النظامي. ورغم أن مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وعدد من الدول الصديقة، نددت بالوضع. إلا أن الموقف الحالي مازال متأججًا، وينذر بالمزيد من الدماء، ونزوح المئات من المواطنين لمصير مجهول.

هذا المصير المجهول يتضح فيما قالته الأمم المتحدة، إن أكثر من 80 ألف شخص نزحوا بسبب الاشتباكات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية “بحاجة ماسة إلى الغذاء”. هذا النزوح يعني المزيد من اللاجئين، والمزيد من المجاعات، وانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن الوضع الراهن. وفي بيان صادر عن المتحدث باسم حاكم إقليم جوما. قال إنهم “يواجهون هذا الوضع المقلق للغاية”.

حاليًا، يبدو أن المنافسات السياسية تحتدم في منطقة الحدود الثلاثية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا ورواندا. حيث تتهم كلا من الكونغو وأوغندا، الحكومة الرواندية بدعم “حركة 23 مارس/أذار” لزعزعة استقرار البلدين. يرجح البعض أن كيجالي تستخدم عمليا عدوها المدجج بالسلاح للمساعدة.

ولكن هل ستسمر مساعدات رواندا، والتي قد تؤدي إلى حرب أهلية لا تقل ضراوة عن الإبادة العرقية التي شهدتها رواندا عام 1994.  أو في سيناريو أسوأ. قد تؤدي إلى حرب نظامية بين دولتي الجوار، الكونغو ورواندا.

اقرأ أيضا: المذابح لا تسقط بالتقادم.. رفات “قاتل المليون” تشعل أزمة بين زيمبابوي ورواندا

ميليشيا M23

بدأت “حركة  23 مارس/أذار”، والمعروفة بـ “الجيش الثوري الكونغولي” -واختصارًا باسم “M23”- في قبيلة التوتسي. على يد الجنرال المنشق بوسكو نتاجاندافي، الشهير بالـ “مُنهي”. وظهرت لأول مرة في مارس من عام 2012 كحركة تمرد تقاتل القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في شرق البلاد. تدعمها رواندا -دولة الجوار- واختارت اسمها تيمنا بتاريخ معاهدة السلام التي دمجت جماعة نتاجاندا المسلحة “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب”.

زعمت الحركة أنها قامت لأن الحكومة لم تدعم جانبها من الاتفاقية، علاوة على “الفشل الواضح لدمج عناصر من الحركات السياسية العسكرية في القوات المسلحة الكونغولية”. فيما بعد صار الجنرال المنشق مطلوبًا من المحكمة الجنائية الدولية، في أعقاب ارتكابه جرائم حرب. استخدم فيها الجنود الأطفال، بعدما ضم نحو 300 جندي له من جيش الكونغو.

الكونغو وجيرانها.. اتهامات مستمرة

عُرف أن الاتهامات الثقيلة بين بلدين لا تُقام بين ليلة وضحاها، بل تجتمع شرارات صغيرة لتؤجج النيران وتُدق بسببها نواقيس الحروب. لذلك، أوضح المتحدث باسم الجيش النظامي الجنرال سيلفان إكنجي. في بيان له، أن سبب اتهاماته لرواندا بالمساعدة في الهجمات ضد بلاده -التي وقعت في تشانزو ورونيوني في منطقة روتشورو- وجود جنديين روانديين اعتقلا خلال هجمات.

خلال حديثه، قدم إكنجي هوية أحد الجنديين للإعلام. وظهر في الفيديو الجنديان المزعومان، اللذان يرتديان ملابس مدنية. ويقفان بجانبه في المقطع الذي عرض على التلفزيون الكونغولي.

أثير هذا الاتهام مرارا وتكرار على مدار السنوات السابقة. في تقرير نُشر عام 2014 وثق خبراء معنيون بالكونغو انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الحركة خلال عام 2013. وأكدوا أن الحركة “تلقت أشكالًا مختلفة من الدعم من الأراضي الرواندية”. بما في ذلك التجنيد، وتعزيز القوات، وتسليم الذخيرة، والدعم بالنيران. ورغم أن أفراد الحركة الهاربين من العقوبات فروا لأوغندا -جارة الكونغو- إلا أنهم بقوا على تواصل مع الجانب الرواندي. المستمر في التجنيد، حسبما أكد التقرير المذكور.

كذلك، أكد رد فعل الأمم المتحدة هذا الاتهام، حيث منعت المعونات المقدمة لرواندا على خلفية الاهتمامات. بدعمها لحركة التمرد الكونغولية “وإن كانت مجرد اتهامات لا دليل لها، ما نالت رد فعل قوي من الأمم المتحدة”. حسبما ذكر تقرير جريدة الجارديان البريطانية.

أيضا، دعم تقريرا آخرا نفس الأمر، وتضمن وثائق مسربة مفادها أن “خبراء الأمم المتحدة حددوا كون الجنرال جيمس كاباريبي -وزير الدفاع الرواندي- يدير بشكل فعال ميليشيا متمردة كونغولية. متهمة بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وغيرها من الفظائع”.

اقرأ أيضا: معارك الأقليات العرقية تعود إلى إثيوبيا من جديد

الهجوم على “الخوذ الزرقاء”

تقول الأمم المتحدة إن متمردي حركة 23 مارس. قاموا هذا الأسبوع “بالهجوم عمدا الخوذ الزرقاء -في إشارة إلى قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام- في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عندما استؤنفت الاشتباكات بين الجماعة المتمردة والجيش الوطني لجمهورية الكونغو الديمقراطية، ما جعل القوات الدولية تتدخل في المعركة.

وقالت بينتو كيتا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، في بيان: “استهدف متمردو حركة 23 مارس عمدا الخوذ الزرق. في مواقع بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية في المنطقة. الذين ردوا بما يتفق مع ولايتهم”، ودعت الحركة إلى “وقف جميع الأعمال العدائية على الفور، بما يتفق مع الاشتباكات المتخذة في سياق عملية نيروبي”.

ضمن تلك الهجمات، ذكرت البعثة أن عملية بحث وإنقاذ جارية، بعد أن فٌقدت مروحية من طراز بوما الاتصال بمونوسكو وتحطمت في منطقة شمال منطقة كيفو المضطربة. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك -في حديثه في الإحاطة الدورية- إنه كان هناك ثمانية أشخاص على متن الطائرة، من بينهم ستة من أفراد الطاقم، جميعهم من الجيش الباكستاني. واثنين من الأفراد العسكريين، أحدهما من روسيا والآخر من صربيا، وكانوا في مهمة استطلاعية في منطقة تشانزو، جنوب شرق روتشورو. وهي مسرح الاشتباكات الأخيرة بين القوات الكونغولية وحركة 23 مارس.

لماذا اشتعلت المعارك الآن في الكونغو؟

تأججت هجمات “M23” بين عامي 2009 إلى عام 2012. في نتاجاندا عبر المتمردين الذي حفظوا التسلسل القيادي الذي كانوا يتبعونه في الجيش النظامي قبل انشقاقهم، كأنهم يحاولون صنع جيش موازي. وتمكنوا من تعزيز سيطرتهم على الموارد الطبيعية لشرق الكونغو، الغنية بعمليات تعدين معادن كالقصدير والتنتالوم، التنجستين والذهب.

ظهر لاحقا أن المتمردين لم يكونوا مدافعين عن حرية الكونغو ومسار الديمقراطية، بل لأجل مصالح الجنرال بوسكو نتاجاندا الشخصية. بينما نجح الجيش النظامي في دحر قوتهم عام 2013، في وجود دعم بقوات خارجية للمساعدة في القتال. وخاصة لواء التدخل التابع لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو.

ورغم أنه منذ عام 2012 وحتى مطلع أبريل الماضي لم تتوقف الهجمات -رغم أنها لم تكن بالكثافة المعتادة كذي قبل- استؤنف القتال في أبريل/ نيسان بين الجيش والحركة في اليوم الأول من المشاورات في نيروبي بين الحكومة الكونغولية والجماعات المتمردة النشطة في الشرق ككارت ضغط في المفاوضات. بعدما استطاعت حكومة الكونغو تأمين وساطة كينية لطرد مقاتلي الحركة التي اتهمتها باستئناف الأعمال العدائية.

لم تتوقف الهجمات التي عادت إلى نسقها السابق، ولكن هجمة هذا الأسبوع كانت ذات طابع مختلف. ينذر بحرب بين دولتي الجوار رواندا والكونغو. حيث الأخيرة اتهمت الأولى بمحاولة زعزعة استقرارها مجددا، عبر تدعيم الحركة المتمردة بجنود من رواندا. وهو ما نفته رواندا في بيان لها، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الرواندية، آلان موكورالندا. إن اتهامات الكونغو لكيغالي بدعمها لحركة M23 “لا أساس لها من الصحة”.

وأضاف: “الجيش الرواندي لا يشارك بأي حال من الأحوال في أنشطة شبيهة بالحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية”. رغم أنه تم تحديد هويات ضابطين تم أسرهما، وكلاهما من الكتيبة 65 من اللواء 402 لقوات الدفاع الرواندية.