بينما تسابق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤها الأوروبيون الزمن من أجل إحياء الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015. والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018، إذا بضربة “إسرائيلية ” مفاجئة. استهدفت العقيد حسن خدائي القائد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والملقب بـ”عقيد الصيد”. وهي الخطوة التي من شأنها إبطال مفعول التقدم النسبي الذي طرأ على مسار مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي. في وقت أكدت فيه قطر التي تقود وساطة في هذا الشأن إظهار طهران مؤخرا، استعدادها لإبرام اتفاق في وقت قريب.

وتسعى إسرائيل جاهدة لإعاقة الاتفاق الذي ترى فيه فرصة لإيران. لممارسة المزيد من الأنشطة المضرة والتوسع في دعم حلفائها في المنطقة. وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مؤخرا، مكررا تهديده بأن إسرائيل ليست ملزمة بالاتفاق ومستعدة لمهاجمة إيران إذا لزم الأمر.

وتوقفت محادثات فيينا في مارس/آذار الماضي، بسبب مطالبة طهران بشطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية.

وتعد عملية اغتيال خدائي هي الهجوم الأبرز الذي يستهدف شخصية على الأراضي الإيرانية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020. حين قتل العالم النووي محسن فخري زادة. بإطلاق نار استهدف موكبه قرب العاصمة. في عملية اتهمت طهران إسرائيل بتنفيذها.

غضب إسرائيلي من إجراء أمريكي “غير مفهوم”

وسط تخوف من رد إيراني يوجه نحو أهداف إسرائيلية، عبرت دوائر إسرائيلية عن صدمتها إزاء ما كشفته مصادر استخبارية أمريكية لصحيفة “نيويورك تايمز”. بأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها المسؤولة عن اغتيال “خدائي”، بهجوم استهدفه قرب منزله شرق العاصمة الإيرانية طهران.

وشكّل التسريب الذي أوردته الصحيفة الأميركية، مفاجأة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية, ما دعا المسؤولون في تل أبيب. لطلب توضيحات من نظرائهم في واشنطن بشأن التسريب ،الذي يفضح مسؤولية إسرائيل عن الاغتيال.

وتشير حالة الغضب الإسرائيلي جراء التسريب الاستخباري، الذي نشرته الصحيفة الأمريكية. ربما إلى الهدف الأساسي الذي سعت إليه الإدارة الأمريكية من وراء تلك الخطوة. والمتمثل في حماية مسار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي وإنقاذ التقدم الأخير. من شظايا الضربة الإسرائيلية، التي طالت خدائي. وذلك بعد الاتهامات التي وجهها مسئولون إيرانيون لواشنطن بالمشاركة في العملية، وهو ما قد ينعكس سريعا على المفاوضات المتوقفة منذ مارس الماضي.

القلق الأمريكي، بشأن مسار استعادة الاتفاق النووي، ربما يكون هو ما دفع الإدارة الأمريكية للتبرؤ السريع من العملية على لسان، المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس. بالقول “لقد اطلعنا على تقارير عن اغتيال خدائي، ولم يكن لنا دور أو تورط في قتل هذا الشخص”.

النووي الإيراني والوضع في سوريا.. تشابك ملفات خدائي  

فيما يتهم الإسرائيليون خدائي بأنه كان مسؤولاً عن عمليات الوحدة 840 في فيلق القدس. في الشرق الأوسط والدول المجاورة لإيران. وأنه كان يحاول خلال العامين الماضيين تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين ومسؤولين حكوميين في كولومبيا وكينيا. وإثيوبيا وقبرص، يؤكد الحرس الثوري الإيراني إن خدائي كان خبيرا لوجستيا ولعب دوراً رئيسياً في نقل الطائرات دون طيار وتكنولوجيا الصواريخ. للمقاتلين في سوريا وميليشيات حزب الله تحت قيادة إيرانية. وكان أيضا مستشارا تكتيكيا لميليشيات في سوريا تدربها إيران وتسلحها.

ووصف الحرس الثوري خدائي عقب اغتياله بأنه “مدافع عن المراقد”، وهو مصطلح يستخدم عادة للإشارة لكل من يعمل لصالح  إيران في سوريا أو العراق. كذلك قال عنه التلفزيون الإيراني الرسمي بالقول إنه “معروف في سوريا”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.

أما صحيفة “جوان” الإيرانية ، المقربة من الحرس الثوري، فقد اعتبرت أن حادثة مقتل حسن صياد خدائي. لها علاقة بما يجري في سوريا من أحداث مؤخرا. حيث رأت الصحيفة أن قواعد اللعبة وموازين القوى هناك قد تغيرت لصالح إيران. مما دفع بإسرائيل على القيام بهذه الحادثة.

وأشارت الصحيفة إلى أن نفوذ طهران الإقليمي بات مزعجا لتل أبيب كما هو الحال للملف النووي.

عرقلة مفاوضات “الحل الوسط”

وجاءت الضربة الإسرائيلية الأخيرة في وقت ، بدأت الوساطة التي يقودها أمير قطر في إحراز اختراق. رفع مستوى الآمال بعودة مفاوضات فيينا التي كانت قد وصلت لطريق مسدود.

خلال مؤتمر صحفي رفقة المستشار الألماني أولاف شولتس ،أكد أمير قطر الذي زار طهران تفائله بشأن التوصل لاتفاق جديد. قائلا إنه  يأمل في الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتفاوضة، معربا عن استعداد بلاده للمشاركة في حل الخلافات.

وفي أعقاب ذلك نقل تلفزيون الجزيرة عن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قوله إن القيادة الإيرانية أخبرت الدوحة باستعدادها لحل وسط فيما يتعلق “بالملف النووي “.

 

وأضاف الوزير القطري أن “التوصل إلى حل وسط سيدعم الاستقرار في منطقة الخليج وفي أسواق النفط”. موضحا أن “ضخ كميات إضافية من النفط الإيراني في الأسواق سيساعد في استقرار أسعار الخام وخفض التضخم”.

التفاؤل القطري دعمه حديث لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. الذي قال إنه يعتقد أن التقدم الذي تحقق خلال المحادثات بين مبعوثه والمسؤولين الإيرانيين في طهران. كاف لإعادة إطلاق المفاوضات النووية بعد شهرين من وصولها إلى طريق مسدود.

وقال بوريل الذي كان يتحدث بينما عاد إلى أوروبا منسق المحادثات إنريكي مورا إن رد إيران كان “إيجابيا بدرجة كافية”. بعد أن نقل مورا رسالة مفادها أن الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه.

وأضاف بوريل للصحفيين في اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في شمال ألمانيا “هذه الأمور لا يمكن حلها بين عشية وضحاها… دعونا نقول إن المفاوضات توقفت ثم تحلحل الموقف” في وجود بادرة “للتوصل إلى اتفاق نهائي”.

وفي أعقاب عملية اغتيال خدائي، حذّر الموفد الأميركي المكلّف بملف المفاوضات النووية مع إيران، روبيرت مالي. الأسبوع الماضي. من أن فرص فشل محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني تتجاوز إمكانية نجاحها. متعهّدا بعدم التراجع عن الضغط على طهران في حال تمسّكت بمطالبها.

وفي السياق ذاته ترى سنم وكيل، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز “تشاتام هاوس” للدراسات في لندن. أن اغتيال خدائي استهدف صُنع حالة من عدم الاستقرار في إيران التي تتصاعد التوترات بينها وبين إسرائيل بشأن برنامج الأولى النووي. ما من شأنه أن يقود إلى تعطيل مسار الاتفاق الجاري.

الأمر نفسه يؤكد عليه  الباحث و المحلل السياسي الإيراني، مهدي زاكريان. بقوله إن “اغتيال خدائي هو بالأساس رسالة إسرائيلية  للرئيس الأميركي”. مفادها “أن إسرائيل ستستخدم كل إمكانياتها للحفاظ على أمنها، لأنها تؤمن بأن فيلق القدس والحرس الثوري منظمة إرهابية”.

ولفت الباحث الإيراني إلى أن أفضل رد يمكن أن تقدم عليه طهران في هذه المرحلة العملية هو إحياء الاتفاق النووي والعودة إلى طاولة المفاوضات.

هل تمثل خطوة حذف الجماعات الخمسة مقدمة لتلبية المطلب الإيراني؟

في غضون ذلك اعتبر مراقبون قرار الخارجية الأمريكية  المفاجئ برفع خمسة  منظمات من قائمة الإرهاب الأمريكية. بمثابة تمهيد من جانب واشنطن، لخطوة رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية .

وشملت الخطوة الأمريكية الأخيرة إزالة  تصنيف “إرهابي أجنبي” عن الجماعة الإسلامية من مصر. وجماعة “كاهانا تشاي” الإسرائيلية. وهي جماعة يهودية متطرفة مرتبطة بالحاخام الراحل مئير كهانا، ومجلس شورى المجاهدين الفلسطيني. وكذلك جماعة “إيتا” الانفصالية من إقليم الباسك والتي تعمل في إسبانيا وفرنسا. إضافة إلى جماعة “أوم شينريكيو” اليابانية، التي شنت هجوما مميتا بغاز السارين في مترو أنفاق طوكيو في عام 1995.

ورغم التبرير الأمريكي للخطوة بأنها جاءت كون تلك الجماعات. لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك. إلا أنه من الناحية العملية لاتزال بعض تلك الجماعات متواجدة ولها هياكلها وبنيتها حتى وإن كانت خاملة.

التباين بين التبرير الرسمي الذي ساقته الخارجية الأمريكية لقرارها. والمشهد على أرض الواقع دفع مراقبين إلى اعتبار القرار بأنه تمهيدا لخطوة مماثلة يتم معها رفع الحرث الثوري. أو بعض الأجسام المنبثقة عنه من القائمة. خاصة وأن الاستبعاد الأمريكي الأخير شمل جماعة من إسرائيل. وإثنين من الجماعات التي تتبنى معتقدات جهادية من مصر وفلسطين.

ورغم القرار غير الملزم الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة مطلع مايو الجاري. والذي يحظر على إدارة بايدن إزالة التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإيراني مقابل إحياء الاتفاق النووي. إلا أن ما يتردد في دوائر الوساطة القطرية والأوروبية، يشير إلى تحركات لا تتماشى مع قرار مجلس الشيوخ.

وتدرس دوائر أمريكية سيناريو يمكن أن يؤدي إلى رفع متزامن ومتبادل من قوائم الإرهاب. (الحرس الثوري الإيراني في أمريكا والقيادة المركزية الأمريكية التي صنفتها طهران منظمة إرهابية). لتقليل التوترات والمساعدة في حل المأزق الحالي.

ويتبنى هذا الطرح معالجة المخاوف في إسرائيل والخليج من خلال التوسع في المحادثات الإقليمية.

لماذا تشعر إسرائيل بالاضطراب من الاتفاق النووي؟

يخشى الإسرائيليون من أن المدة القصيرة المتبقية لخطة العمل الشاملة المشتركة- الاتفاق النووي-. لن تقوم بالكثير لوقف إيران على المدى الطويل. خاصة بعد المكاسب التكنولوجية التي حققتها إيران في السنوات الأخيرة. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستضطر حتى إلى التخلي عن مخزونها من اليورانيوم المخصب.

كما تخشى تل أبيب أيضا من أن تخفيف العقوبات والإفراج عن أصول إيرانية مجمدة بمليارات الدولارات. سيجعل طهران تنفق المزيد على تسليح وتمويل وكلائها في جميع أنحاء المنطقة. ومن بين هؤلاء جماعة حزب الله اللبنانية وحركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. وفي هذا الصدد يقول يوئيل غوزانسكي، الخبير في شؤون إيران بمركز الدراسات الأمنية والأبحاث. في المعهد الوطني الإسرائيلي بتل أبيب في رؤية نقلتها صحيفة “هآرتس”: “ستكون إيران أكثر قدرة وثقة في القيام بأشياء كانت تقوم بها بالفعل، بمزيد من الموارد والثقة، وربما حصانة لأنها وقعت اتفاقية مهمة للغاية”.