شهدت السوق المصرية تراجعًا بنحو 10% في سعر طن الحديد -العنصر الرئيسي في صناعة مواد البناء- خلال الأيام القليلة الماضية. حيث انخفض سعر الطن بقيمة 1800 جنيه (97.8 دولار)، ليسجل قرابة الـ 18 ألف للطن الواحد. مقارنة بـ 21 و22 ألف للطن خلال أبريل/نيسان الماضي.

وفتح تراجع سعر الحديد -الداعم للسوق العقاري في مصر- المجال للتساؤل حول أسباب انخفاض تسعيرة بيع حديد التسليح محليًا؟ وعما إذا كان معدل التراجع كافيا لعودة حركة البناء لطبيعتها. والوفاء بتنفيذ مشروعات الإسكان وعقود التسليم وفق جداولها الزمنية المُعلنة سابقًا؟

وتستورد مصر خامات المعادن بنسبة 100%. لتعيد تصنيعها في أشكال مختلفة وتستخدمها أيضا في صناعات منتجات تامة الصنع. ما يجعل السوق المصري عُرضة للتأثر بالتقلبات العالمية ومن ثم تعرضها لموجات من الارتفاعات المتتالية. وكذلك الهبوط المفاجئ بسبب الأزمات العالمية المتلاحقة.

ارتفاعات قياسية في أبريل

خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، قفز سعر طن الحديد لمستويات غير مسبوقة بالسوق المحلية. حيث زاد سعر الطن حينها بين 3 و4 آلاف جنيه للطن. ليتجاوز سعره حاجز 21 ألف جنيه. وذلك بعدما اتخذت شركات “عز” و”المصريين” و”السويس للصلب” قرارًا بتحريك الأسعار.

ولخص خبراء مواد البناء أسباب صعود سعر الحديد في أبريل/ نيسان، بارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا. وكذلك ارتفاع تكلفة الشحن. علاوة على زيادة الطلب المحلي في ظل تنفيذ عدد كبير من مشروعات الإسكان والتنمية العمرانية في مصر. حتى إن الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء طالب بمراجعة عقود المقاولات. وذلك للحصول على مدة إضافية لتسليم المشروعات في ظل الارتفاع المطرد في أسعار مواد البناء.

وأثرت تبعات أزمة الحديد خلال الشهرين الماضيين على سوق البناء في مصر. وأكد خبراء الاقتصاد أن سوق مواد البناء شهدت حالة ركود نتيجة ارتفاع أسعار الحديد مطلع أبريل/نيسان. إلى جانب إحجام المستهلكين عن الشراء لحين هدوء الأسعار.

واردات مصر من خامات الحديد

تستورد وزارة الصناعة نحو 150 ألف طن من خام البيليت من أوكرانيا وروسيا. وتستورد معادن أخرى من بينها الصاج من روسيا. بحيث يتم استيراد خامات المعادن لتستخدم في صناعة المنتجات تامة الصنع. وارتفعت قيمة واردات مصر من خامات الحديد ومركزاتها ومواد أولية بنسبة 31.4% خلال الـ 10 أشهر الأولى من 2021. لتسجل 4.281 مليار دولار في مقابل 3.258 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020.

وأوضحت نشرة التجارة الخارجية التي تصدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ارتفاعا كبيرا في واردات تلك السلع خلال أكتوبر/تشرين أول بنسبة 41.3%. لتبلغ 433.195 مليون دولار في مقابل 306.516 مليون دولار.

وشهدت فاتورة استيراد مصر من خامات الحديد ومركزاتها نموًا خلال الفترة من يناير-أكتوبر 2021 بنسبة 65.1%. لتبلغ 1.252 مليار دولار. في مقابل 757.999 مليون دولار. وكذلك بنسبة 45.3% خلال أكتوبر/ تشرين الأول. لتبلغ 178.137 مليون دولار مقابل 122.613 مليون دولار خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020. وقفزت قيمة واردات مصر من الحديد والصلب -فولاذ- من الهند بنسبة 73.8%. لتسجل 120.209 مليون دولار في مقابل 69.152 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2020.

لماذا تراجع الحديد؟

خلال مايو/أيار الجاري شهدت السوق المحلية تراجعات عدة على مستوى تسعيرة بيع حديد التسليح. وأرجع التجار أسباب هذا التراجع إلى انخفاض أسعار المواد الخام عالميًا، وزيادة حجم المعروض مع انخفاض الطلب.

وقال المهندس سمير نعماني، عضو المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات. إن أسعار الحديد في مصر انخفضت مرتين خلال شهر مايو/أيار الجاري؛ الأولى بقيمة 800 جنيه، والثانية بقيمة 1000 جنيه. ليصل إجمالي الانخفاض في سعر طن الحديد 1800 جنيه، ليصل سعره إلى 18170 جنيهًا بدلًا من 19170 جنيه، شاملًا الضريبة.

أرجع نعماني في تصريحاته لـ”مصر 360″، أسباب هذا التراجع إلى انخفاض أسعار المادة الخام للحديد عالميًا. والتي لها تأثير مباشر في تحديد أسعار الحديد.

وأضاف نعماني، أن تحديد أسعار الحديد في مصر يخضع لسعر المادة الخام عالميًا، وتكلفة التصنيع. غير أن العامل الأول يسهم بصورة أكبر في تحديد السعر، ويرتبط سعر المادة الخام عالميًا بالأحداث العالمية. ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي لها تأثير مباشر على سعر الحديد في مصر، خاصة وأنهما من أكبر الدول المصدرة للصلب في العالم.

دخول أسواق أخرى

وقال محمد حنفي مدير غرفة الصناعات المعدنية في اتحاد الصناعات. إن السوق المصرية كانت تعتمد على استيراد ثلث احتياجات الحديد -الخامات التي تدخل في صناعة الحديد- من أوكرانيا. إلا أن هذه النسبة تضاءلت تمامًا نتيجة فرض رسوم على واردات البيليت من الخارج. وباتت هناك أسواق أخرى تتعامل معها مصر في استيراد خامات الحديد مثل البرازيل وأستراليا وتركيا.

أوضح لـ “مصر 360″، أن أي مصنع الآن يمكنه أن يستورد خاماته بدون أي قروض أو شروط أو تأخير. وهذا يساعد على زيادة نسب العرض في المنتج النهائي، ومن ثم إمكانية إجراء تخفيضات في تسعيرة البيع النهائي للحديد. ودعم المستهلك المحلي.

ولفت إلى أن هناك وفرة في مواد البناء في الأسواق المصرية. وأن حجم الانخفاض في أسعار الحديد خلال الأسابيع الماضية وصل لنحو 1800 جنيه، ويتوقع أن يشهد شهر يونيو/حزيران، مزيدًا من التراجعات في تسعيرة بيع الحديد محليًا. مع الانخفاض في الأسعار العالمية لخامات الحديد نتيجة فرض العقوبات على روسيا.

كيف أثر البيلت الروسي في تراجع الحديد المصري؟

فيما أرجع المهندس إسلام الجيوشي، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الجيوشي للصلب، عضو غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أسباب الانخفاض الملحوظ بأسعار منتج حديد التسليح بالمصانع المحلية للتراجع الكبير في أسعار خام البيلت بالأسواق العالمية وتحديدًا الوارد من السوق الروسية، والتي سجلت 660 دولارًا للطن مقابل 820 دولارًا مع بداية أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.

وأشار الجيوشي، إلى أن المصانع المحلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالبورصات العالمية هبوطًا وصعودًا.

وأكد، أن انخفاض أسعار حديد التسليح من شأنه إنعاش كافة القطاعات المرتبطة وكذلك المشروعات القومية العملاقة، لافتًا إلى أنه مع وصول أسعار الحديد بالسوق المحلية لحاجز الـ 20 ألف جنيه للطن ارتبك القطاع العقاري على وجه التحديد وتعرضت باقي القطاعات للركود الشديد.

أشاد في الوقت ذاته بقرار استثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من الإجراءات التى تم تطبيقها مؤخراً من قِبل البنك المركزي على عمليات الاستيراد وذلك بالعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل.

 

17 ألف سعرًا عادلًا للحديد.. وتراجعات لا تتماشى مع الارتفاعات السابقة

أكد أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء، لـ”مصر 360″، أن السعر العادل لطن الحديد هو 17 ألف جنيه وليس 21 ألفًا -السعر الذي وصل إليه الحديد في أبريل/نيسان- أو 18 ألفًا وهو السعر الحالي لطن الحديد.

وأضاف أن أسعار مواد البناء غير عادلة، وأن السوق متروكة للعرض والطلب، ما تسبب في ارتفاع سعر الحديد لمستويات قياسية خلال الأشهر الماضية.

ويصل سعر طن الحديد بشركة حديد عز : 18170 جنيهًا. وبشركة السويس للصلب: 18070 جنيهًا. وسعره في شركة العشري للصلب: 18 ألف جنيه. ولدى شركة المراكبي: 18050 جنيهًا. وعند شركة الجيوشي: 17900 جنيه.

ورغم التراجع الحالي، يرى عدد من المقاولين أن التخفيضات الأخيرة لا تتماشي مع الارتفاعات القياسية التي شهدها طن الحديد خلال أبريل/نيسان الماضي. التي تراوحت بين 3 و4 آلاف جنيه تسليم أرض المصنع، وارتفعت بصورة أعلى عند التجار، بعدما كسر سعر الطن في كثير من الأحيان حاجز الـ 21 ألف جنيه.

وقال عبد العظيم محمد -أحد المقاولين والمتعاون مع شركات المقالاوت المصرية- إن سعر حديد التسليح الحالي لايزال بعيدًا على التسعير العادل للطن في السوق المحلية. خلال الفترة الماضية ارتفعت الأسعار بمؤشر كبير أثر بشكل مباشر على حركة البناء والسوق العقاري في مصر، وبالتالي فإن التراجعات المرجوة لابد أن تكون بمعدل مماثل لحركة الارتفاعات السابقة.

المواطن أو المستهلك النهائي هو المتأثر الكبر في حركة الأسعار ومن ثم لابد من مراعاته قدر المستطاع، مثلما يخضع المواطن لارتفاعات الأسعار المتزايدة فلابد من تعويضه بشكل جيد حال زوال أسباب الارتفاع؛ حفاظًا على حركة السوق وعودة النشاط العقاري كما كان -وفق عبد العظيم لـ “مصر 360”.

ويراهن البعض على قدرة منح تراخيص جديدة لإنتاج الحديد في توفير كميات أكبر منه بالسوق، ومن ثم تراجع الأسعار نتيجة الإغراق.

هل تسبب رفع الفائدة في خفض نسبة التراجع في سعر الحديد؟

من جانبه قال الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب، إن أسعار حديد التسليح كان من الممكن أن تسجل انخفاضًا بقيمة أكبر لولا قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة بنسبة 2%، موضحًا أن المصانع المحلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالبورصات العالمية هبوطًا وصعودًا.

تابع لـ”مصر 360″، أن واردات البيلت الروسي يتم استيرادها بالعملة الصعبة، ومع رفع الفائدة من قبل البنك المركزي، تراجعت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وبالتالي تم خفض نسبة التراجع في سعر الحديد “لو سعر الفائدة مزدش كانت أسعار الحديد تراجعت بنسبة أكبر خلال شهر مايو/أيار”.

ولفت إلى أن ارتفاع سعر الحديد خلال أبريل/نيسان الماضي إلى ما يزيد عن 21 ألف جنيه للطن، تسبب في حالة من التخبط في السوق المحلي بشكل عام والقطاع العقاري بوجه خاص، الذي أحدث بدوره حالة من الركود الشديد في القطاع العقاري وبيع مواد البناء، ما دفع شركات الحديد إلى إحداث موجة من التخفيضات لتحريك عمليات البيع وإنعاش السوق العقاري وحركة البناء من جديد.

عقود المقالاوت والوفاء بتسليم العقارات

طالت تأثيرات ارتفاع أسعار الحديد -خلال الآونة الأخيرة- عقود المقاولات المختلفة، ما تسبب في حالة من الركود في حركة البناء، ومن ثم التأثير المتوقع على الموعد الزمني لتسليم المشروعات العقارية بالدولة.

وقال شمس الدين يوسف -عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء- إن أسعار مواد البناء سواء الحديد والإسمنت والألومنيوم والنحاس كانت في ارتفاع مستمر خلال الفترة الماضي. إذ سجلت زيادة بمتوسط نسبة 20% منذ اندلاع الحرب الروسية. ما أدى إلى زيادة تكلفة عقود المقاولات بنفس النسبة. وهو ما يؤثر على قدرة شركات المقاولات على الالتزام بالجداول الزمنية لتنفيذ المشروعات.

وأضاف يوسف لـ”مصر 360″ أن الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء بحث إجراءات مراجعة عقود المقاولات مع الجهات الحكومية. وذلك كي تنجح شركات المقاولات في الالتزام بتسليم المشروعات. لأن استمرار أسعار مواد البناء في الزيادة كان سيؤثر على تكلفة إجمالي المشروع على الشركات. خاصة الصغيرة والمتوسطة والتي لا تستطيع تدبير تمويل تنفيذ المشروعات المكلفة بها.

لكن الوضع الحالي الخاص ببدء تراجع الأسعار -وإن كانت ليست بمقدار الارتفاعات- سيتسبب في إنعاش حركة البناء تدريجيًا، والوفاء بجزء من عقود المقالاوت المبرمة مع العملاء على مستوى جميع مشروعات الإسكان سواء التابعة للدولة أو القطاع الخاص.

ولفت إلى أن السوق بحاجة إلى مزيد من الحوافز لعودة حركة البناء كما كانت، ولدعم شركات العقارات على الوفاء ببرامجها الخاصة بالمشروعات العقارية بذات القيمة المتفق عليها مع العميل، “ارتفاع الأسعار يحدث خللًا في بنود التعاقد ويتحملها طرف على حساب الآخر ما قد يؤثر على جداول ومواعيد التنفيذ لأن التراجعات الحالية سواء في الحديد أو غيره ليست ما يطمح إليه المقاولون”.

حياة كريمة ترفع استهلاك الحديد في 2021

بلغ حجم الاستهلاك المحلي من حديد التسليح 7.344 مليون طن في عام 2021 بزيادة قدرها 7%، وجاءت هذه الزيادة نتيجة استمرار تنفيذ المشروعات القومية، وعلى الأخص مشروع “حياة كريمة” لتطوير أكثر من 4700 قرية، ما ساهم في زيادة الطلب، وفي الوقت نفسه ارتفعت وتيرة النمو في البناء الخاص، بحسب بيانات شركة حديد عز للبورصة المصرية.

أما بالنسبة للصلب المسطح، انخفض حجم الاستهلاك المحلي من الصلب المسطح إلى 1,421 مليون طن في عام 2021 مقابل 1,563 مليون طن في عام 2020، إلا أنه لا يزال عند مستوى أعلى مما تحقق في الأعوام الأخيرة، والذي كان في حدود 1,2 مليون طن سنويًا، وزادت الحصة السوقية لحديد عز من الصلب 676 ألف طن في عام 2020 إلى 906 ألف طن في عام 2021 نتيجة لإحلال جانب من الواردات، ونظرًا لأن الاستهلاك المحلي أقل بكثير من إنتاج الصلب المسطح لشركة حديد عز، تواصل الشركة موازنة التزامها كمورد رئيسي للسوق المحلية مع دورها كمصدر رائد.

وتنتج مصر نحو 7.9 مليون طن حديد تسليح. ونحو 4.5 مليون طن بيليت. بينما تستورد 3.5 مليون طن بيليت -بحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية.