تعني حرية التنظيم أو يكون القصد العام منها هو حق الأفراد جميعهم في المشاركة في الشؤون العامة للبلاد ومسؤوليات الحكم، وتشمل حرية التنظيم مجموعة كبيرة من الحقوق ذات الأهمية للمواطنين على المستوى العام، إذ إن مضمون حرية التنظيم يتضمن الحق في حرية التجمع السلمي والاجتماع وتكوين الجمعيات بما يضمن ممارسة العمل الأهلي والانخراط فيه بشكل جماعي طوعي، وحرية التنظيم بمعناها الشمولي العام تضمن ممارسة المواطنين للعمل العام والمشاركة السياسية، ومن الممكن إجمالاً القول بأن يفسر الحق في التنظيم على أنه: حق الفرد في تكوين، والانضمام مع غيره من الأفراد إلى كيان ما يجمعهم، للتعبير والدفاع عن مصالح وأفكار مشتركة. وهو حق فردي وجماعي في نفس الوقت، أي حق الفرد في الانضمام والعمل في إطار كيان ما للتعبير عن مصالحه، وحق الكيان نفسه في الوجود وممارسة أنشطته. وتلتزم الدولة بحماية هذا الحق؛ حيث إنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالحق في حرية الفكر والوجدان والعقيدة (المادة ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)؛ الحق في الرأي والتعبير والوصول للمعلومات (المادة ١٩)؛ الحق في التجمع السلمي (المادة ٢١)؛ حق المشاركة في الشأن العام (المادة ٢٥)، وحقوق الأقليات (المادة ٢٧).

ويساهم الحق في التنظيم في خلق البيئة المواتية للأفراد للتعبير عن الآراء السياسية، والمشاركة في المساعي الأدبية والفنية والثقافية والاقتصادية، والأنشطة الاجتماعية، والاحتفالات الدينية أو العقائدية الأخرى، والانضمام إلى المنظمات ونقابات العمال والتعاونيات، وانتخاب القادة لتمثيل مصالحهم ومحاسبتهم. هذا الترابط والتشابك مع الحقوق الأخرى، جعل حماية الحق في التنظيم مؤشرا هاما لحماية الدولة لحقوق الإنسان الأخرى.

ويتضمن هذا الحق فيما يتضمن، الحق في عدم الانضمام إلى كيان بعينه، وبالتالي فهو يعني ضرورة التنوع والتعدد في الكيانات المختلفة وأشكالها، وعدم تدخل الدولة بالتقييد في عددها وأشكالها، أو فرض قيود على إنشائها، أو إلزامها باتخاذ شكل قانوني محدد. ومن الممارسات التي تنتهك هذا الحق أن تضع الدولة قواعدًا معينة من ضمنها مثلا فرض رسوم تسجيل، أو حد أدنى لرأس المال الذي يعتمد عليه الكيان، أو محاباة اتجاه سياسي وفكري معين، تتبناه في سياساتها الرسمية، أو اشتراط عمل المنظمات في مجالات دون غيرها؛ مما يؤدي لحرمان الأفراد، أيا كانت قدرتهم المادية واتجاهاتهم الفكرية، من التعبير عن آرائهم بحرية، وتنظيم أنفسهم في جماعات للتعبير عن هذه اﻵراء والدفاع عنها.

وإذ إن الأصل العام في تنظيم الحقوق من خلال التشريعات الداخلية، ألا تتعدى هذه التشريعات نطاق الحق أو الحرية في التنظيم، وألا يكون ذلك التشريع مجاوزا لنطاق الحق أو الحرية بشكل أعم، وألا يجور عليها أو ينتقص منها أو يحد من ممارستها، كما أنه من حيث الترتيب التشريعي فيجب ألا يخالف النص القانوني ما ورد من النصوص الدستورية، وحيث أن حرية التنظيم من الحريات الدستورية العامة والخاصة فقد أولى الدستور حمايته عليها بشكل عام، فقد ورد بديباجة الدستور المصري الأخير لسنة 2014 قوله أنه: نحن نؤمن بالديمقراطية طريقاً ومستقبلاً وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد على حق الشعب في صنع مستقبله، هو وحده مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا القادمة السيادة في وطن سيد، وقد أورد الدستور العديد من النصوص المتعلقة بممارسة الحق في التنظيم في جوانبه المتعددة، منها مثلاً ما جاء بنص المادتين 13، 14، 15 من الحفاظ على حقوق العمال وحق المفاوضات الجماعية، والحق في الإضراب، كما أورد الدستور العديد من النصوص التي تنظم ممارسة حرية التجمع والاجتماع وتكوين الجمعيات الأهلية وتكوين النقابات المهنية والعمالية وممارسة العمل النقابي، وكذلك تكوين الأحزاب وممارسة الأنشطة الحزبية، على نحو يقارب ما جاء النص عليه في الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتركت موضوع تنظيم الممارسة أو الأمور التفصيلية للقوانين الداخلية وهي أقر قيمة ودرجة من الدستور، ولكن ذلك وكما سبق القول لا يعني أن تصدر تلك التشريعات بما يتضمن مصادرة لتلك الحقوق أو لأي منها بشكل كلي أو جزئي، وهو الأمر الذي يعوق ممارسة الحق، ويجعل من وجود النص الدستور أو النصوص الاتفاقية الحقوقية مجرد حبر على ورق، وذلك بمنع ممارستها على أرض الواقع، أو يكون التحجج في التضييق على ممارسة الحق الاستناد بشكل نظري إلى نص حقوقي، حتى وإن لم يكن الهدف منه ما تسعى إليه السلطة من تضييق، وهذا بالفعل ما سعت إليه السلطة حال إصدارها لقانون الجمعيات الأهلية سنة 2016، حيث أوردت في المذكرة التوضيحية، أنه من الأسباب الداعية لهذا القانون الجديد هو أن القوانين السابقة شابها أوجه قصور، ولم تجد التوازن المطلوب بين متطلبات حماية الأمن القومي والحفاظ على النظام العام في البلاد واستشهدت بنص المادة ٢٢ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بالحق في التنظيم، والتي تضع في البند الثاني منها بعض القيود على ممارسة هذا الحق (أن ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم)، وعلى الرغم من أن الاستشهاد بوثيقة دولية لحقوق الإنسان يعتبر تقدما نوعيا في خطاب مجلس النواب، إلا أن الغرض للأسف كان تبرير بعض القيود الفضفاضة التي وضعتها مسودة القانون، مثل حماية الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة، والمنقولة حرفا من العهد الدولي دون التدبر في معناها وشروطها، بأنها تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأنه بالتالي لا غبار على القانون. ولكن الحقيقة أن هذا هو أبعد ما يكون عن الصواب، لأن هناك قائمة بالالتزامات القانونية للدولة التي يجب أن تفي بها لحماية الحقوق الواردة في العهد. وعندما تريد الدولة استخدام بعضا من القيود الواردة في العهد على الحقوق، فهناك قائمة من الشروط المحددة التي يجب أن تلتزم بها لتطبيق تلك القيود، وإلا يعتبر ذلك انتهاكا لمواد العهد الدولي. ومن هنا فإنه من الواجب على السلطات المحلية حين تنظيمها لأمر متعلق بحق من الحقوق المرتبطة بحرية التنظيم بشكل أخص، وإن لم يكن بالحقوق والحريات جميعها أن تراعي ما توصلت إليه المجتمعات الديمقراطية من قيم يجب مراعاتها والسير على نهجها.