رغم دعوة الحوار الوطني -التي بدت جادة عندما أطلقتها الدولة المصرية- في سبيل المصالحة مع المعارضين، وفتح صفحة جديدة معهم. وما تبعها من فوز المرشح اليساري طارق النبراوي، المعروف بدفاعه المستمر عن استقلال النقابات المهنية. على هاني ضاحي وزير النقل الأسبق. في انتخابات نقابة المهندسين. ثم خسارة وكيل مجلس الشيوخ بهاء الدين أبو شقة لرئاسة حزب الوفد، أمام المرشح محدود الشهرة عبد السند يمامة. إلا أن ما جرى في انتخابات النقابات العمالية يتناقض تماماً مع دعوة الحوار. وهو ما بدا في امتناع وزارة القوى العاملة عن قبول أوراق الراغبين في الترشح للمرحلة الثانية لانتخابات النقابات العمالية. والتي انطلقت مرحلتها الأولى في 7 مايو/أيار الجاري.
أوضحت شهادات من قيادات العمل النقابي في مجتمع العمال، وتقارير منظمات المجتمع المدني المعنية، انتهاكات واسعة النطاق شابت المرحلة الأولى من انتخابات النقابات العمالية. وتستمر الممارسات عينها خلال الإعداد لانتخابات المرحلة الثانية، في وقت كان ينتظر أن تتوجه الدولة وأجهزتها المعنية نحو تخفيف السيطرة الأمنية على العمل الأهلي. خاصةً وأن ذلك يتنافى مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني في نهاية أبريل/نيسان الماضي.
جاءت تعليقات العديد من القيادات العمالية المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أو عبر وسائل الإعلام التي عنت بتقديم تغطية حقيقية لمجريات الانتخابات، أو في شهادات أدلوا بها لـ”مصر 360″. أن ما تشهده النقابات العمالية -حاليا- ليس انتخابات، وإنما تعيينات في مناصب يفترض أن تكون بالانتخاب.
ورغم أن وزارة القوى العاملة والهجرة هي المسئولة إداريا عن إجراء الانتخابات. وفقا لقانون التنظيمات النقابية رقم 213 لسنة 2017. يؤكد كثيرون أن الأجهزة الأمنية والوزارة، تقومان بتعيين من تريانه مناسبا لهما على رأس النقابات العمالية. في ثوب انتخابات تم تنظيمها على نحو كامل من الإجراءات التي تكون لصالحه. كما يقول البعض. وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول وضع تلك النقابات في الفترة المقبلة، وتأثير ذلك على حقوق العمال.
سيطرة نقابية وأمنية على الانتخابات
يقول محمد زكي الزيني موظف في شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء بدرجة فني أول ممتاز. وأحد المستبعدين من انتخابات النقابة العامة للمرافق. إنه في عام 2018 تم تزوير الانتخابات في بعض اللجان لشخص بعينه “مع العلم أن ليس له حق الترشح. فهو كان موجودا داخل النقابة منذ عام 2006 حتى عام 2018. ثم بعد ذلك قام بترشيح نفسه لرئاسة النقابة الفرعية لشركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، رغم أنه يشتغل محاميا بالنقض، ومقيد بجدول المشتغلين داخل نقابة المحامين. وهو أيضا مدير عام الشئون القانونية على درجة رئيس قطاع. لذلك، ليس له حق الترشح. لكنه نجح في رئاسة النقابة بالتزوير”.
واستطرد زكي قائلا: “استغل هذا الشخص منصبه ضد العمال، وضد أي شخص يترشح ضده. خاصةً بعدما أصبح رئيسا للنقابة العامة للمرافق بالإنابة، حيث تعمد تأخير نماذج القوى العاملة لآخر يوم قبل أجازه العيد. وأيضا أخر شهادة الترشح لآخر يوم، حتى لا يستطيع أي شخص غيره الترشح على مقعد رئاسة النقابة. ولا نعلم لصالح من هذا الذي حدث معنا”.
وأضاف: “تم تهديدي بالحبس من قبل نقيبي الحالي، في حالة قيامي أنا أو أي شخص آخر بالترشح ضده. لكننا لم نلتفت له نهائيا. وفى الانتخابات الحالية، ترشح 50 على العضوية، و6 على رئاسة النقابة، من بينهم النقيب الحالي. لكننا فوجئنا جميعا في الجولة الأولى من الانتخابات باستبعادنا نحن الخمسة من مقعد رئاسة النقابة. وحين قدمنا تظلما لنعلم الأسباب ومقابلة القاضي، تم الرفض نهائيا. فهناك حالة من التكتم نهائيا لا نعلم سببها حتى هذه اللحظة، ولم يخرج علينا أحد لكي يشرح لنا ما يحدث معنا”.
تعيينات وليست انتخابات
قال زكى: “كلما نذهب لوزارة القوى العاملة يقال لنا نصا أنتم مستبعدون أمنيا وليس نحن من تسبب في استبعادكم. وهذا ما دفعنا للوصول لرقم الضابط المسئول عن ذلك الملف بالأمن الوطني، الذي أكد لنا أن الأمن غير مسئول بالمرة عن تلك الانتخابات. ولم يتم رفض أي شخص من هؤلاء الخمسة أمنيا أو سياسيا. وقال لنا: توجهوا بمذكرة تظلم”.
وتابع: “بالفعل، قمنا نحن الخمسة بتقديم تظلم للقاضي. وفى اليوم التالي، تم رفض التظلم وتم استبعادنا. وحتى هذه اللحظة لا نعلم من تسبب في ذلك لصالح النقيب الحالي حتى يأخذها بالتزكية”.
على نفس المنوال، يقول أحمد سالم، أحد المستبعدين من الانتخابات الراهنة. إن ما حدث ليست انتخابات، بل تعيينات من قبل أجهزة الأمن ووزارة القوى العاملة، وأن الانتهاكات بدأت منذ إقرار قانون التنظيمات النقابية رقم 213 لسنة 2017. الذي منح الجهة الإدارية -وزارة القوى العاملة- صلاحيات مطلقة في إجراء الانتخابات النقابية.
يضيف: “بالتالي من غير المنطقي أن تنحاز الوزارة للعمال والنقابات، ومن الطبيعي أن يكون انحيازها لتوجيهات أخرى. فنحن عمال غلابة ليس لنا ظهر مثل هؤلاء. لذلك أطالب بالتحقيق وإعادة الانتخابات العمالية مرةً أخرى في جميع أنحاء الجمهورية تحت إشراف قضائي، ويجب أن يعلم الرئيس السيسي ما حدث مع العمال”.
كمال أبو عيطة: الانتخابات العمالية “مجزرة” نقابية
تعقيبا على ما حدث في الانتخابات العمالية، وصف كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة السابق، وعضو لجنة العفو الرئاسي. ما حدث داخل تلك الانتخابات بأنه “مجزرة حقيقية”. وقال: “يجب أن يعلم الجميع جيدا أن النقابات العمالية جزء من الدولة الوطنية المصرية. ولا أحد منهم ضد النظام”.
وأضاف أبو عيطة، أن منع نقابة بالكامل، وشطب آخرين ومنعهم من الانتخاب “يعتبر اعتداء واضحا وصريحا على أهم مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية”. واستطرد قائلا: “النقابات مفارخ لقيادة المجتمع، ومدارس للعمل الديمقراطي. وما حدث في الانتخابات الراهنة من خشونة وقسوة، أعتقد أنها أعلى من خشونتهم مع قوى الإرهاب المستمرة، في الوقت الذي يمنعون فيه العمل النقابي”.
وأضاف: “هدف العمل النقابي لمن يجهله، هو حل نزاعات العمل قبل أن تنشأ”. ووجه حديثه إلى أجهزة الدولة قائلًا: “حينما تريدون ضرب حل نزاعات العمل فأنتم تدعون إلى فوضى، وإضرابات، وصدمات. وهذا يعتبر خطأ فادحا في حق مرتكبه”. وطالب أبو عيطة بإعادة النظر في نتائج تلك الانتخابات من جديد “لامتصاص حالة الغضب التي عمت داخل الوسط العمالي”.
كمال عباس: تنظيم الانتخابات سيئ للغاية
يقول كمال عباس رئيس دار الخدمات العمالية والنقابية، إن تنظيم الانتخابات منذ البداية كان سيئًا للغاية. لأنه تسبب في أن تكون جميع الإجراءات في وقت ضيق جدا، وبالتالي لم يعط فرصة للمرشحين للقيام بأي دعاية لأنفسهم “فهل يعقل أن يختار شخص شخصا يمثله بدون التعرف عليه من خلال برنامجه الانتخابي؟ بالطبع لا. كما أن الشطب كان واسعا جدا لأسباب غير معلومة، حيث يتم شطب المرشح دون أن يقال له سبب الشطب. والكارثة الحقيقية تتمثل في الضغوط التي تمت ممارستها من قبل أجهزة الأمن على العديد من المرشحين في مناطق مختلفة. لكي يتراجعوا عن الترشح.
وأكد عباس أن الشطب والضغوط التي تمت “لا نعلم سببها حتى الآن. خاصةً وأن من يتم شطبهم والضغط عليهم مرشحين ليست لهم أي انتماءات سياسية، أو ينتمون لجماعة الإخوان المحظورة. وبالتالي لماذا يتم شطبهم وهم ليس لديهم أي ملفات نهائيا. فما حدث ليس مفهوما بالمرة”.
وأشار إلى أن ما يحدث في الانتخابات العمالية أمر متناقض وبشدة مع دعوة الرئيس لحوار وطني. مع العلم أن ذلك لم يحدث داخل أي نقابة أخرى إذا كان نقابة الصحفيين أو المهندسين أو المحامين. ولا نعلم لماذا تم ذلك داخل النقابات العمالية ولمصلحة من”.
العديد من التجاوزات
أوضح عباس أن دار الخدمات العمالية والنقابية -التي يرأسها- قامت برصد التجاوزات التي حدث في الانتخابات النقابية العمالية. والتي كان أبرزها “التعرض لممارسات أمنية وتهديدات، ومن الوقائع المسجلة، قيام الهيئة العامة للعاملين بهيئة تعليم الكبار. بفصل أحمد عبد المرضي رئيس اللجنة النقابية، بسبب نشاطه النقابي. وإحالة إدارة كلية الحقوق بجامعة عين شمس رئيس اللجنة النقابية للعاملين فيها للتحقيق بسبب ممارسته النشاط النقابي. وتعرض أعضاء اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية ببني سويف للكثير من الضغوط، بعد تسجيل منظمتهم النقابية. إذ تم التحقيق الإداري مع عدد منهم، وتهديدهم بإحالتهم إلى الأمن الوطني، واتهامهم بإثارة البلبلة”.
فضلا عن ذلك، صدر الحكم على عاطف محمود رئيس اللجنة النقابية للعاملين في التعليم بقنا بتغريمه خمسة آلاف جنيه. بناءً على بلاغ مقدم ضده من مكتب العمل في نجع حمادي، واتهامه بإدارة منظمة نقابية دون تسجيلها. ودون الحصول على الخطابات اللازمة لتسيير أعمالها، وتعرضت رشا مصطفى عبد الظاهر، العضوة في اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالسويس. لضغوط شديدة بسبب تنظيمها مع زملاء وزميلات اجتماع الجمعية العمومية للجنتهم في دورة طارئة. والتي كانت يوم الأحد 28 مارس/أذار 2021، في مقر نادي الأسرة ببور توفيق”.
اختفاء “النسر” من نقابة الصحفيين
بدورها، شهدت اللجنة النقابية في نقابة الصحفيين واقعة مؤسفة. حيث منع رئيس اللجنة النقابية المرشحين المنافسين له من الحصول على ختم النسر على مشروعاتهم الانتخابية. لكون الختم في حوزته بحكم منصبه الإداري داخل النقابة. وتوارى عدة أيام بغرض تفويت فرصة الترشح في الموعد المحدد على منافسيه، فتدخلت النقابة، ووقعت على الأوراق النقابة العامة للعاملين في الصحافة والطباعة والإعلام.
وعندما وجهت إليه تساؤلات حول تصرفه غير القانوني والمجافي لأخلاقيات العمل، ادعى مرضه بفيروس كورونا من دون تقديم أدلة. ولم يتذكر أن ختم النقابة ليس من مسؤوليات رئيس النقابة، بل إن الأمين العام هو المسؤول.