نتيجة لضغوط مواقع التواصل الاجتماعي، نجت ماري مجدي من موت محتمل. بعد أن انتشر فيديو لزوجها يضربها بشومة، ويهددها بسكين كادت أن تودي بحياتها. وهو الأمر الذي ترتب عليه إحالة الزوج للمحاكمة، التي كانت أولى وقائع جلساتها الخميس الماضي. حيث حجز القاضي القضية لجلسة النطق بالحكم في أول يونيو/حزيران المقبل، متهما الزوج بالضرب المبرح لزوجته.

بين المدني والروحي.. كيف تتحكم الكنيسة في حياة الأقباط الزوجية؟

صرخات ماري، التي كادت أن تفقد حياتها مع زوج يتعاطى المخدرات -وفق تصريحاتها- استدعت إلى الشارع القبطي أحد أهم أزمات الأقباط في العقدين الأخيرين. ألا وهي قضايا الأحوال الشخصية، بعد أن تبدلت الأوضاع بحلول عام 2008. حين أقر البابا شنودة تعديلًا تشريعيًا يمنع الطلاق إلا لعلة الزنا، ليلغي بذلك لائحة 1938 التي كان معمول بها قبل ذلك. وتتيح ثمانية أسباب لطلاق الأقباط.

قرار البابا الراحل تسبب في أزمة مجتمعية متصاعدة، جعلت آلاف الأقباط يعلقون في زيجات فاشلة. ولا يستطيعون الحصول على حق التطليق، أو الزواج الثاني، إلا بإذن الكنيسة التي تهيمن على قضية الأحوال الشخصية برمتها. فهي، من ناحية، تتمم السر الكنسي المقدس بطقس الإكليل. وهو أمر روحي من اختصاص الكنيسة. ولكنها -في الوقت نفسه- تتعدى هذا الدور إلى ما هو أبعد.

صار الكهنة يلعبون في الوقت نفسه دور موظفي الأحوال المدنية، أو موثقي عقود زواج الأقباط. وهو ما يتعدى سلطة الكنيسة الروحية إلى دور قانوني تركته لها الدولة منذ سنوات. ونتيجة لهذه المعادلة الصعبة، فلا تمنح المحاكم المصرية أيا من طرفي الزواج المسيحيين أحكامًا نهائيًا بالطلاق. إلا بعدما توافق الكنيسة، التي وضعت نفسها كطرف أصيل في عقود الزواج للمسيحيين المصريين.

كذلك، فإن الكنيسة نفسها تمتلك ما يسمى “مجالس إكليريكية”. وهي المجالس الكنسية المختصة بالنظر في الأحوال الشخصية لدى الأقباط. إلا أن كافة رؤساء المجالس هم من أساقفة الإيبراشيات، أي الرهبان الذين لم يسبق لهم الزواج، ولكنهم مكلفون بالفصل في النزاعات الزوجية.

لائحة 2016 للأحوال الشخصية للأقباط.. محاولة لحلحلة الأزمة

في عام 2016، ونتيجة لضغوط متزايدة من الأقباط العالقين في زيجات فاشلة. أقر المجمع المقدس للكنيسة بعض التعديلات على لائحة الأحوال الشخصية، التي فرضها البابا شنودة عام 2008. حيث وسعت الكنيسة من أسباب ما أطلقت عليه “بطلان الزيجة”. لتشمل أسبابا أخرى بخلاف الزنا، وهي: “العنف الزوجي، الإدمان والهجر لعدة سنوات، الزنا الحكمي”. وهو ما اعتبره كثيرون محاولة لحل الأزمة، بينما احتفظت الكنيسة لنفسها بحق منح تصريح الزواج الثاني.

عملت اللائحة الجديدة -التي يتم العمل بها حاليا- على التوسع في تفسير مفهوم “علّة الزنا”. واستندت إلى مبدأ “الزنا الحكمي”، الذي يشمل “المكالمات الهاتفية، والمراسلات الإلكترونية، والتحريض على الدعارة، وتبادل الزوجات، والشذوذ”. وإن قوبل هذا التفسير بالحذر من استخدامه كذريعة لتلصص الزوجين على بعضهما البعض. إلا إنه -في الوقت نفسه- اعتبره كثير من المتضررين محاولة لحل أزمة تراكمت عبر السنوات.

إباحة ضرب الزوجات.. كيف تأثرت الكنيسة بالأصولية الإسلامية؟

وعلى الرغم من أن واقعة ماري مجدي قد توفر فيها أكثر من شرط يمنحها حق بطلان الزواج من الكنيسة، وفقا للائحة الجديدة تلك. إلا إن الذهنية القبطية قد استقرت على عدم استحسان الطلاق بعد سنوات من منعه. كذلك، فإن كتابات بعض من اللاهوتيين وأساقفة الكنيسة -مثل الأنبا غرغوريوس أسقف البحث العلمي- قد تأثرت وبشكل واضح بآراء أصوليين مسلمين يبيحون ضرب الزوجات. حتى إن أسقف البحث العلمي الراحل قد استخدم مصطلحات ذات صبغة إسلامية. فيقول في كتاب بعنوان الشباب والأسرة في المجتمع:

“نحن لا نقر بضرب الزوجة من حيث المبدأ، ولا نقر أن تساء معاملتها، أو أن تهان كرامتها الإنسانية. على إنه إذا كانت الزوجة ناشزا، ولم تكن مطيعة لزوجها كما يتطلب الكتاب المقدس، الذي يجعل الرجل رأسا للمرأة. ولم ترع المرأة قدسية الحياة الزوجية، أو إذا أساءت التصرف بما يسيء إلى سمعة زوجها وسمعتها.

ففي هذه الحالة يجوز للرجل تأديبها كما يؤدب الأب ابنه أو ابنته. خاصة وأن الرجل عادة ما يكبر المرأة سنًا، فضلًا عن إنه سيد البيت، ورب الأسرة، ورأس المرأة. والتأديب له طرق ووسائل كثيرة، بيد أن التأديب ليس معناه أن يقسو الرجل على زوجته، أو يغدر بها، أو يضربها ضربا شديدا يحدث بها عاهة. بل ينبغي أن يكون بغرض الإصلاح والتقويم، لا بهدف الانتقام والإيذاء والإضرار”.

في النص السابق يقر الأنبا غرغوريوس مبدأ ضرب الزوجات، مستندا إلى أبعاد لاهوتية في نصوص الكتاب المقدس. تعلي سلطة الرجل على المرأة. بينما يرى كمال زاخر -الكاتب المتخصص في الشئون المسيحية- إن التأديب في المفهوم الكتابي لا يعنى الضرب. وهو يختلف بين المجتمعات بحسب درجة تحضرها. والضرب هو نوع من الإيذاء الجسدي الذي لا يقع على الأبناء، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن النعمة التي منحها الله للإنسان في المسيح لم يختص بها الرجل دون المرأة. وهو ما سجله القديس بولس حين قال “في المسيح ليس هناك رجلا أو امرأة”.  وفى موضع آخر يؤكد أنه ليست المرأة من دون -أقل من- الرجل ولا الرجل من دون المرأة.

واعتبر زاخر أن تفسير الأنبا غرغوريوس للكتاب المقدس على هذا النحو، إنما يأتي “بسبب التأثر بالثقافة البدوية التي سادت في الستينات والسبعينات أي أثناء نشر كتابه الذي ضم تلك الأقوال”.