هل تصلح المرأة أن تكون مسئولة؟ سؤال يبدو أنه قادم من العصر الحجري. فهو ينطلق من أن تجربة المسئولية لم تمر بها المرأة حتى الآن، أو أن المرأة وفق قدرتها وإمكاناتها غير قادرة، أو لا تصلح لتولي المسئولية. ولكن في نهاية الأمر، فإن جوهر السؤال نفسه نابع من رؤية المجتمع للنساء، باعتبارهن كائنات في المرتبة الثانية، ما بعد الرجال، ليس لديهن دور في الحياة، سوى أن يكن تحت إمرة الرجال، هم وحدهم من لهم حق اتخاذ القرار والتصرف وإصدار الأحكام والأمر والحرية، هم فقط من يمتلكون حق المسئولية، ليس عن أنفسهم فقط بل على النساء.

يقول الباحث مجدي عبد الفتاح، في ورقة سياسات جديدة صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، أن الواقع الاجتماعي الذي تعيشه النساء في مصر، سواء في المجال العام أو الخاص داخل مجتمع، يرفض الاعتراف بحق النساء في تولي المسئولية. وهذا الرفض يأتي مخالفًا لحقيقة ما تعنى به النساء من مسئوليات داخل المجتمع، سواء على مستوى الأسرة أو في المجال العام. إلا أن المجتمع يبذل مجهود كبير في ترسيخ المفاهيم الذكورية، التي تقصي النساء، وتحاول فرض الهيمنة عليهن بالقوة والعنف. ويستخدم المجتمع العديد من الأدوات، من أجل فرض التلك الهيمنة والاستحقاق على حياة النساء.

يؤكد الباحث كذلك أن من أبرز القوانين، التي تقنن فرض الهيمنة على حياة النساء، يأتي قانون الأحوال الشخصية، والقوانين المكملة له. فمنذ أكثر من مائة عام مرت على إطلاق النسخة الأولى من القانون، وهو يمثل أحد أهم الإشكاليات التي تقف حائلًا أمام المساواة ما بين الجنسين. وقد لعبت الحركة النسوية في مصر دورًا كبيرًا عبر عقود من الزمان. ذلك من أجل تحسين أوضاع النساء في قوانين الأحوال الشخصية. وبرغم من نجاحها في معالجة بعض الأمور. إلا أن الوضع ما يزال بعيدًا عن فكرة المساواة ما بين الجنسين ووصول النساء إلى حقوقهن المشروعة.

للاطلاع على الملف كاملًا.. اضغط هنا

البنية التشريعية وأغراضها

إن جوهر البنية التشريعية هو تنظيم العلاقات ما بين المواطنين والمواطنات. ذلك بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة ما بين الجميع في كل مناحي الحياة. تلك هي القاعدة الأساسية للبنية التشريعية.

ومن أجل الوصول إلى تنظيم العلاقات ما بين المواطنين بما يضمن تحقيق العدالة. كما يجب أن تكون البنية التشريعية تعبير عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. والمقصود هنا بالتعبير عن الواقع ليس فقط نقله كما هو. ولكن تأهيل الظروف من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطنين والمواطنات.

وهو ما يعني أنه يجب أن تتسم بالمرونة والقدرة على استيعاب والتعامل مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وأيضًا أن تكون مرجعيتها الأولى هي العدالة والمساواة وعدم التمييز أو إقصاء أحد أطراف التكوين الاجتماعي.

ويشير الباحث إلى أن البنية التشريعية المصرية تتأثر بسياقات مختلفة تجعل من مسألة العدالة والمساواة ما بين الجنسين أمرًا بعيد المنال. فرغم أن الدستور المصري أقر المساواة ما بين جميع المواطنين والمواطنات، فإن الأعراف والثقافة الاجتماعية التي تتبنى المنهج الشمولي الأبوي الممزوج بحماية دينية، تجعل فرض السيطرة والاستحقاق على حياة النساء أمرًا مقبولًا لدى المشرع المصري. وهو يرى في الأعراف والثقافة المجتمعية مرجعية أساسية أثناء إعداد مقترح القوانين والموافقة عليها من جانب الحكومات وممثلي الشعب من نواب البرلمان في أغلب الأحيان.

حق النساء في الولاية على الأبناء

يقول الباحث إن الولاية وفق التشريعات المصرية على الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد أو السن القانونية التي يستطيع فيها الصغير إدارة شؤونه الشخصية بنفسه. مؤكدًا أن الولاية في القوانين المصرية ذات بعد ديني أكثر منه اجتماعي.

والبعد الديني هنا تُقصد به الشريعة الإسلامية دون غيرها من الشرائع الأخرى. وكذلك المعاهدات والاتفاقية الدولية التي وقعت عليها مصر وأقرتها وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من البنية التشريعية المحلية. بالإضافة إلى الدستور الذي يعد مرجع التشريع الأساسي.

ورغم تعدد مصادر التشريع التي يجب أن يلتزم بها المشرع المصري إلا أن المحصلة الأخيرة في العديد من القوانين، خاصة القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية (الموضوع الرئيسي لهذه الورقة)، تثبت أن المشرع المصري يتجاوز الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعّت عليها مصر، ليصبح مصدره الرئيسي الأعراف الاجتماعية ذات الأبعاد الدينية المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

يلفت الباحث إلى أنه وفق ما جاء في القانون رقم 119 لسنة 1952 المعني بأحكام الولاية على النفس، يجد الباحث أن المشرع أعطى الأب وبشكل واضح وقاطع ومن بعده الجد من ناحية الأب فقط حق إدارة شؤون الصغير في كافة مجالات الحياة. ذلك دون أن يعطي الحق نفسه للأم، التي هي طرف أصيل. وقد حرمها القانون إدارة شؤون أولادها الصغار، وهي بهذا المنطق لا صفة قانونية لها في إدارة شؤون هؤلاء الصغار.

للاطلاع على الملف كاملًا.. اضغط هنا

يستعرض الباحث الفرق بين الولاية والوصاية في التشريعات المصرية. فيقول إن الوصاية هي مرتبة أدنى من الولاية، ويتم منحها من قبل الولي أو المحكمة إلى أحد الأشخاص. وليس بالضرورة أن تكون الأم، لكنها صاحبة الأفضلية في ذلك. والوصي له حدود أقرها القانون في التعامل مع الموصى عليه. والوصاية يمكن منحها للمرأة باعتبارها أم ملزمة بتربية الأبناء ورعايتهم. ويجب أن يكون هذا المنح من الأب أو الجد أو من قبل المحكمة. فوفق القانون الوصاية مرتبة أدنى من الولاية، ولا يستطيع القائم بالوصاية ممارسة الحقوق الممنوحة للولي.

النساء والقوانين والممارسات

يقول الباحث إنه بسبب تلك الأوضاع القانونية التي تكرس للتمييز ما بين الرجال والنساء وتتماشى بشكل منسجم مع الأعراف والثقافة المجتمعية الذكورية، تتعرض النساء لإشكاليات متعددة، وعنف مبني على النوع الاجتماعي، تتم ممارسته بشكل ممنهج داخل المجتمع.

فلا تستطيع النساء تسجيل أولادهن في سجلات المواليد بمكاتب الصحة المختلفة إلا بحضور الأب أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى.

كما لا تستطيع النساء إجراء معاملات مالية تخص أولادهن داخل البنوك أو في مكاتب البريد. ولا تستطيع المرأة فتح حساب بنكي أو دفتر توفير لأولادها، ولا تستطيع إدارة تلك الأموال إذا كان هناك حساب بالفعل والمخول له الوحيد التصرف في تلك الأموال أو فتح الحسابات هو الأب.

وفيما يتعلق بالعملية التعليمية، فلا تستطيع المرأة المتزوجة التقديم لأطفالها في المدارس أو الانتقال من مدرسة إلى آخر أو اختيار نوع التعليم. فالأمر متروك لموافقة الرجل (الزوج) والتوقيع على الأوراق الإدارية المطلوبة من أجل الالتحاق بالمدارس المختلفة. أما المرأة المطلقة. فبالرغم من أن الولاية التعليمية تنتقل إليها بشكل مباشر باعتبارها حاضنة وفق قانون الطفل. إلا أن الممارسات الإدارية في العديد من المدارس تخالف القوانين وتشترط موافقة الأب في كافة الإجراءات المتعلقة بالتعليم.

ويزداد الأمر تعقيدًا بوفاة الأب، فوفق القوانين تنتقل الولاية إلى الجد هو وحده المسئول على إدارة شؤون أحفاده. وبسبب تلك الأوضاع تتعرض آلاف النساء وكذلك الأطفال إلى العديد من الانتهاكات، أهمها عدم قدرتهن على إثبات حقوق أطفالهن في الميراث، إذا أخفت عائلة الأب نوع وطبيعة الميراث، وتصبح الأم والأبناء تحت رحمة عائلة الأب في الحصول على حقوقهن من عدمه.

للاطلاع على الملف كاملًا.. اضغط هنا

توصيات لإنهاء الحالة التمييزية ضد النساء

تقدم الورقة أربع توصيات من أجل إنهاء الحالة التمييزية بين الرجال والنساء والوصول إلى المساواة وتحقيق المصلحة الفضلى للأبناء منها:

1- تحديد دور واختصاص وحدة مناهضة العنف ضد النساء المتواجدة في بعض المحاكم المصرية وتعميمها داخل جميع المحاكم المسؤولة عن نظر قضايا الأحوال الشخصية. على أن تكون ذات نسق إداري تكنولوجي يسهل معه رصد قضايا الأحوال الشخصية وتصنيفها وفق نوع العنف الممارس ضد النساء والتكلفة الاقتصادية لتلك القضايا وآثارها على النساء والأطفال.

2- أن تعلن الدولة عن تشكيل لجنة إعداد قانون جديد للأحوال الشخصية تكون ذات طابع مدني مرجعيته الأولى المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر. ويضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدني المصري، والمجلس القومي للمرأة، وممثلين عن السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية. على أن تحدد اللجنة معايير إعداد القوانين والاستعانة بالتجارب الدولية المختلفة.

3- أن توفر الدولة كافة الإمكانات سواء على المستوى المادي والفني والمعلومات لتلك اللجنة.

4- أن تقوم اللجنة بفتح نقاش مجتمعي موسع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل المختلفة. على أن يكون لها مندوبين داخل المحافظات المصرية المختلفة لتلقى الاقتراحات والتوصيات والتعليقات المختلفة.

للاطلاع على الملف كاملًا.. اضغط هنا