ظل الخطاب المعتاد والمصطلح الثابت لوصف العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق السلام بين البلدين عام 1978 هو وصف الوضع بأنه “سلام بارد”، إلا انه يبدو أن البلدين تحت تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية الجارية سيعبران المنطقة الباردة “إن لم يكن عبراها بالفعل” الى منطقة الدفء والسخونة والتفاعل الحار، يقودهما معا الاقتصاد والمصالح المتبادلة. على الأقل هذا ما تفصح عنه المصادر والإحصائيات الإسرائيلية.

فقد توقع تقرير حديث نشره موقع “المونيتور” الأمريكي تحولًا كبيرًا في العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، مع اقتراب الحكومة الإسرائيلية من التصديق على خطة لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع القاهرة. وذلك بمضاعفة نطاق التجارة (لا يشمل بيع الغاز الطبيعي) من 330 مليون دولار في عام 2021 -بنمو 60% مقارنة بعام 2020- إلى 700 مليون دولار.

وقد أوضحت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، في بيان، أن الخطة تهدف إلى المساعدة في تيسير سبل وصول الشركات الإسرائيلية إلى مشروعات التنمية والبنية التحتية في مصر. كما تهدف الخطة إلى زيادة مشاركة المنتجات المصرية في الاقتصاد الإسرائيلي، بهدف تنويع مصادر الواردات لإسرائيل وتوسيع نطاقها.

وقد كانت مصر أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل. إلا أن العلاقات ظلت باردة على جبهات عديدة ولسنوات طوال. بينما ازدادت قوة بعد العام 2011، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد. وهو الأمر الذي يفسره الصحفي داني زاكين -الذي يعمل في محطة الإذاعة الإسرائيلية العامة- بأن أحد أهم أسبابه هو رغبة مصر في دفع واشنطن للإفراج عن التمويلات والمساعدات الاقتصادية الخارجية. ذلك لحاجة الاقتصاد المصري إلى النهوض خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.

مصر وإسرائيل.. الغاز والسياحة والزراعة

وفق ما نقله الصحفي عن القرار الإسرائيلي؛ فإنه يشمل عدة مجالات، من بينها توسيع التعاون الإقليمي في مجال الغاز الطبيعي. بما في ذلك الترخيص الكامل لخط أنابيب الغاز في نيتزانا. والمفترض أن يزيد كمية الغاز المتاح، ويخدم زيادة كمية الغاز المصدرة إلى مصر عبر الأنابيب للبيع إلى أوروبا، والتي هي في أمس الحاجة إلى مصادر طاقة بديلة لروسيا.

إذ تبحث أوروبا –حاليًا– عن استيراد الغاز الإسرائيلي، بعد تحويله إلى غاز مسال في مصر. وهو ما قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر، كريستيان برجر بشأنه -في تصريحات نقلها موقع “الطاقة” الأمريكي المتخصص في أسواق الطاقة: إن الاتحاد يتفاوض -حاليًا- مع مصر وإسرائيل للتعاون في تصدير الغاز إلى دول القارة. ومن المتوقع التوصل إلى اتفاق نهائي قريبًا جدًا”.

كما يشمل القرار الإسرائيلي إنشاء فريق عمل داخل مكتب رئيس الوزراء لهذه القضية. بالإضافة إلى مجموعات عمل مشتركة حول موضوعات مثل التكنولوجيا والمناخ. وكذا التوسع في السياحة عن طريق فتح المزيد من خطوط الطيران إلى وجهات عدة في مصر. وكذلك زيادة حقيقية في مشاركة الشركات الإسرائيلية في تطوير الزراعة المصرية. مع التركيز على تكنولوجيا المياه والزراعة الصحراوية.

كما أشار القرار إلى زيادة الصادرات من مصر. بما في ذلك المنتجات الطازجة والمواد الخام للبناء والصناعة. وهو ما يعني من الناحية العملية، تطوير وتركيب المحطة التجارية في نيتزانا الحدودية بين الجانبين. وأيضًا توسيع الطرق المؤدية إليها لزيادة حركة الشاحنات.

الكويز.. تنشيط المعلق بين مصر وإسرائيل

من المؤشرات أيضًا على تنامي العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية بين مصر وإسرائيل، أنه بعد عامين ونصف العام من آخر اجتماع، انعقد مؤتمر المنطقة الصناعية المؤهلة (الكويز) مرة أخرى.

وتمنح اتفاقية الكويز، التي وقعتها إسرائيل ومصر عام 2004، إعفاء ضريبيًا في السوق الأمريكية للمنتجات المصرية التي تم إنتاجها بالتعاون مع شركات إسرائيلية. وقد مثّل إسرائيل يانيف تيسيل، الرئيس المشترك لمؤتمر المناطق الصناعية المؤهلة نيابة عن إدارة التجارة الخارجية في وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى محادثات اللجنة التي شارك فيها، فقد زار أيضًا مصانع النسيج المصرية التي تعمل في إطار الكويز.

وقد شارك في هذا المؤتمر عدد من ممثلي الشركات الإسرائيلية وعشرات رجال الأعمال المصريين المهتمين بالتجارة مع إسرائيل. وقال تيسيل: “هذه اللقاءات هي علامة على دفء العلاقات بين إسرائيل ومصر في سياق التطورات الإقليمية الأخيرة”. مضيفًا أنه من المؤكد أن التغيير في المشهد الاقتصادي الإقليمي بعد اتفاقات إبرهام سيؤثر بشكل إيجابي ليس فقط على الاقتصاد الإسرائيلي. ولكن على العلاقات الاقتصادية الأساسية بين مصر وإسرائيل، وكلاهما لديه الكثير من الإمكانات”.

أرشيفية
أرشيفية

لماذا تسعي إسرائيل لمضاعفة التجارة مع مصر؟

يفسر الصحفي الإسرائيلي في تقريره بـ “المونيتور” السعي الإسرائيلي لمضاعفة التجارة مع مصر بأن تل أبيب تريد بث عدة رسائل بشأن أهميتها الاقتصادية المتزايدة في المنطقة العربية وفي عدة اتجاهات. وهو يشير إلى عودة تركيا إلى المحور الإقليمي المعتدل / البراجماتي. ويلفت إلى أن سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تدفئة العلاقات مع إسرائيل سببه الرئيسي هو الاقتصاد، في ظل الأوضاع السائدة في بلاده، قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.

وبحسب ما ورد في تقارير أخرى، فإن الأمور الاقتصادية آخذة في التعاظم بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وهذه التطورات تبعث برسالة واضحة إلى بقية المنطقة. فإسرائيل بدفء العلاقات الاقتصادية مع دول مختلفة في الشرق الأوسط، ترسل إشارة إلى جارتها القريبة الأردن. وقد اشترت بالفعل الغاز منها لمحطاتها لتوليد الكهرباء. كما وقعت اتفاقية المياه بالطاقة الشمسية. كذلك تريد إسرائيل أن تبعث بإشارة أن الفلسطينيين يواصلون البقاء خارج اللعبة الدبلوماسية الاقتصادية في المنطقة، المقبولة حاليًا من إسرائيل.

234% زيادة في حجم التجارة بين إسرائيل والعرب

في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كشف تقرير أصدرته دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل زيادة في حجم التجارة بين إسرائيل والدول العربية، بشكل ملحوظ في الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، مقارنة بنفس الفترة من عام 2020. وقد ارتفع بنسبة 234%، إثر تطبيع العلاقات وفق اتفاقيات إبراهيم، في سبتمبر/أيلول 2020.

نشر هذا التقرير -حينها- مدير وحدة التواصل الاجتماعي باللغة العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، يوناتان جونين. إذ بيّن أن التجارة مع الإمارات، ارتفعت من 50.8 مليون دولار بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز عام 2020، إلى 613.9 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2021. ومع الأردن، زادت من 136.2 مليون دولار إلى 224.2 مليون دولار، ومع مصر من 92 مليون دولار إلى 122.4 مليون دولار. بينما نمت التجارة مع المغرب من 14.9 مليون دولار إلى 20.8 مليون دولار. وأما البحرين، فقد كانت التجارة المباشرة معها منعدمة كليًا في الأشهر السبعة الأولى من عام 2020. وخلال نفس الفترة من عام 2021، تم تسجيل 300 ألف دولار في التجارة معها.