“الإعلان عن تصفية شركة قريبا”. بتلك العبارة اكتفى وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق بإثارة القلق داخل الشركات التابعة للوزارة التي يصل عددها إلى 120 شركة. معيدًا إلى الأذهان ما حدث مع شركة الحديد والصلب المصرية في يناير من العام الماضي.
“توفيق” قال في تصريحات تلفزيونية إن الشركة المقصودة -رفض تسميتها أو تحديد القطاع الذي تنتمي له- لا يوجد أمل من إحيائها. لتصبح رابع شركة يتم تصفيتها بقطاع الأعمال العام. مؤكدًا في الوقت ذاته أنه حال ظهور شركة لا تستطيع التحول إلى الربح سيتم اللجوء إلى التصفية مع حفظ حقوق جميع العمال والموظفين وصرف التعويضات اللازمة.
وفجّر الوزير موجة قلق بالشركات التي يقصدها وهي توابع الشركات القابضة الثماني. وجعل الحكم على بقاء أي شركة بالمكسب يجعل عشرات الشركات الحكومية الخاسرة في مفترق طرق.
أسباب الخسارة وقرار التصفية
ضرورة تحول الشركات الحكومية نحو المكسب أمر منطقي فهي ليست مؤسسات خيرية. لكن في الوقت ذاته يجب معرفة أسباب خسارتها حتى لا تصبح الحكومة تسير بمبدأ “بتر الأصبع المجروح أفضل من علاجه”.
رؤساء اللجان النقابية في شركات قطاع الأعمال يصرخون منذ سنوات من تدخلات الجهة الحكومية في تعيين مجالس الإدارات. والتي غالبا ما تكون السبب في كثير من المشكلات وتغل صناعة القرار في الدوار الأصغر فيتعطل دولاب العمل.
للإدارات عامل حاسم في تغيير توجه الشركات وربما تكون تجربة أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال السابق خير دليل على ذلك. ففي عهده تراجعت الشركات الخاسرة من 68 شركة إلى 36 بنسبة أكثر من 50%. حتى الشركات الخاسرة حينها انخفضت خسائر بعضها بنحو 40% خلال 2016/2017.
يصل حجم الشركات الخاسرة حاليًا إلى نحو 59 شركة. بينها 28 شركة تابعة للقابضة للقطن والغزل والنسج و12 شركة للقابضة للصناعات المعدنية. والأخيرة بالذات عانت ظروفا شديدة الصعوبة.
تغيير الإدارات والشركات الخاسرة
يؤتي تغيير الإدارات بثماره كثيرًا في نجاح الشركات. فشركة مثل الزجاج والبلور تحولت إلى الربح بنحو 25 مليونًا. و”النحاس المصرية” خفضت خسائرها بأكثر من 100 مليون. أما “الدلتا للصلب” فكانت المفاجأة بعد تحولها السريع إلى الربحية مع تطوير خطوط الإنتاج.
المهندس عبدالسلام خضراوي -عضو مجلس النواب- طالب بالتمهل في تصفية الشركات الخاسرة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام. وذلك بعد نجاح شركة “الدلتا للصلب” في التحول من دائرة نزيف الخسائر إلى تحقيق ربحية.
“الدلتا للصلب حققت في أول 9 أشهر من العام المالي 2021/2022 أرباحًا بقيمة 25 مليون جنيه. ومن المقدر أن تتجاوز 30 مليون جنيه بنهاية العام المالي الحالي. ولديها مشروع تطوير يهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية للشركة إلى 500 ألف طن سنويا من حديد البيليت. إضافة إلى إنشاء مسبك بطاقة 10 آلاف طن سنويا.
“خضرواي” اقترح تشكيل لجان من أساتذة الجامعات في تخصصات الاقتصاد والمالية والإدارة والتكاليف والتسويق لدراسة الأسباب الحقيقية وراء استمرار عدد من شركات قطاع الأعمال العام في نزيف الخسائر والديون والسحب على المكشوف.
وتساءل النائب عن سماح الحكومة لرؤساء مجالس وأعضاء مجالس إدارات الشركات الخاسرة بالحصول على أموال طائلة كمرتبات لهم وحوافز وغيرها من المزايا التي لا تحصى وشركاتهم مستمرة في الخسائر التي تهدد بتصفيتها. ويكون أول المضارين العمال البسطاء بها الذين قضوا سنوات طويلة حبا في العمل وشركاتهم. وقال النائب: “سوء الإدارة كان في مقدمة أسباب استمرار نزيف الخسائر بعدد من شركات قطاع الأعمال العام”.
تجاهل الوزير لاستدعاء “النواب”
عدم إفصاح الوزير عن الشركة لم يحُل دون فتح باب الهجوم. فالنائب مصطفى بكري قال إن “توفيق” يواصل تصفية الشركات الوطنية. موضحًا أن مجلس النواب طالب باستدعائه منذ 6 أشهر لكن الوزير لم يحضر.
وأضاف “بكري” خلال تقديمه برنامج حقائق وأسرار: “يعني لما يطلع وزير قطاع الأعمال مثلا ويقولك أنا هصفي شركة الأيام الجاية. وبعد كده هتقف هي شركة إيه اللي سيادتك شايف إنها تتصفى. لو كانت شركة الكوك أنا بطلب من الدولة تسمع رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور سيد الطيب. وعلى فكرة هو اللي كان مصفي الشركة القومية للأسمنت. ما أنت بعت القومية للأسمنت والحديد والصلب وغيرها عملت إيه؟. الشركات اتحولت لخرابة وقاعدين نقول اللي ما يشتري يتفرج وده لمصلحة مين؟”.
الشركة القومية للأسمنت كانت إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة الكيماوية وتأسست عام 1956. وصدر قرار في 2018 من الجمعية العامة غير العادية بحلها وتصفيتها على ضوء العرض المرئي لاستشاري مركز الدراسات والبحوث التعدينية بكلية الهندسة جامعة القاهرة. والذي أكد عدم الجدوى الاقتصادية للمشروع الإصلاحي المقترح لإعادة تشغيل مصانع الشركة القومية للأسمنت. وأوصى بعدم ضخ أي أموال استثمارية جديدة لإعادة التشغيل.
مركز الدراسات أرجع توصيته لأسباب منها ارتفاع الطاقات الإنتاجية المتاحة لقطاع الأسمنت إلى 83 مليون طن. مقابل الطاقة الاستهلاكية التي لا تتعدى 53 مليون طن. علاوة على تدني أسعار بيع الأسمنت ووجود عمالة زائدة على الحد بصورة مبالغ فيها. بجانب ارتفاع عناصر تكاليف التشغيل وتمويل التكلفة الاستثمارية لأي مشروع إصلاحي عن طريق القروض فقط.
يقول أيمن فودة -الخبير الاقتصادي- إن الاتجاه نحو تصفية الشركات أمر سلبي. خاصة أن غالبية الشركات الحكومية لديها أصول كبيرة كمحفظة الأراضي والأصول. وطالب بالتصرف في بعض أصول تلك الشركات من أجل الإنفاق على تحديث أصولها وإعادة هيكلتها. كما اقترح أن تستفيد الوزارة من دروس تجربة “الحديد والصلب” المصرية.
ويقصد الخبير الاقتصادي إعادة وزارة قطاع الأعمال العام استخدام أراضي شركة الحديد والصلب بعد تصفيتها بتحويلها من صناعي إلى عقاري لرفع قيمتها بشكل كبير. وهو أمر كان يمكن تطبيقه دون تصفية الشركة واستخدام العائد بدلا من دفع تعويضات العاملين إلى تحديث خطوط الإنتاج.
قرار التصفية يتبع أي سلطة؟
يمنح القانون قرار التصفية للشركات الخاسرة حال تآكل حقوق الملكية بالكامل. لكن القرار بيد الجمعية العامة التي قد تقرر رفع رأس المال لتغطية الخسائر المرحلة. وحال عدم زيادته لزم العرض على الجمعية العامة لتصفيتها أو دمجها بشركة أخرى إذا كانت هناك جدوى اقتصادية من ذلك. مع مراعاة الحفاظ على حقوق العمال.
وأوضح “فودة” أنه بمجرد خروج شركة “الحديد والصلب” من السوق استحوذت شركة “حديد عز” على “حديد المصريين” وباتت صاحبة الوزن الأكبر به. وهو أمر حال تكراره في كثير من الصناعات قد نصل إلى شبح الاحتكار والانفراد بالسوق.
وطالب بإدخال القطاع الخاص في شراكة مع تلك الشركات وهيكلتها. خاصة المقيد منها في البورصة. فالتصفية تشهد معها انخفاض القيمة السوقية للأسهم التي فقدت عشرات المليارات منذ بداية العام.
يقول خالد الشافعي -مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية- إن شركات القطاع العام الخاسرة التي تمتلك أراضي ومعدات ولديها القدرة على الطرح من خلال وثيقة ملكية من الأفضل طرحها في البورصة. وطالب بإيجاد حلول أخرى غير التصفية بدراسة ما إذا كانت لدى تلك الشركات قدرة على البقاء حسب طبيعة نشاطها أو نوعية المنتجات.
هشام توفيق يؤكد -في المقابل- أن الوزارة درست المشكلات التي تتعرض لها الشركات التابعة بواقع 50 شركة. وذلك فيما يتعلق بالخطورة والفرص ونقاط الضعف والقوة. وذلك للوقوف على العيوب وفي بعض الأحوال لم يكن من الممكن إصلاحها مثل “المصرية للملاحة والحديد والصلب”. كما شدد على دراسة تلك الآليات قبل اتخاذ القرار ودراسة الأوضاع بصورة مستفيضة وإيجاد حلول لتحقيق الاستفادة القصوى منها والأفضل لصالح الدولة.
وتساءل “الشافعي”: هل الأفضل التأهيل أم الطرح أم التصفية؟. معتبرًا أن الإجابة لن يتم التحقق منها إلا بناء على عرض ملاءة الشركة وقدرتها وإمكانياتها وأنشطتها. فخسارة شركة لا تفتح الباب لتصفيتها.
ويُجمع الخبراء على أن الجانب الترويجي للشركات الحكومية يكاد يكون معدوما. والإلمام بتغيرات الترويج في عالم السوشيال ميديا لم يطرق باب إداراتها بعد. فلا تمتلك غالبيتها العظمى إدارات وسيطة تستطيع جذب العملاء أو حل مشكلاتهم قبل أن تتحول إلى كرة ثلج لا يمكن احتواؤها.