في 23 مايو/ أيار، سلم الرئيس الصومالي -المنتهية ولايته- محمد عبد الله محمد “فارماجو”. السلطة رسميًا إلى خليفته حسن شيخ محمود. ليُسدل الستار على أطول دورة انتخابية في الصومال، والتي وصلت إلى نهايتها في السباق الرئاسي الذي عقد في 15 مايو/أيار. بعد تأخير أكثر من ستة عشر شهراً عن الموعد المحدد.

هنا، محمود -الذي شغل سابقًا منصب الرئيس بين عامي 2012 و2017- صنع التاريخ. باعتباره الرئيس الصومالي الوحيد، في العصر الحديث، الذي يفوز بولاية ثانية. حتى وإن كانت غير متتالية.

لم يكن الأمر سهلًا على محمود، الذي واجه منافسًا لا يزال في السلطة ومتشبثًا بها. بينما يخوض انتخابات غير مباشرة. حيث تختار الولايات الإقليمية في الصومال أعضاءها في مجلس الشيوخ في البرلمان. ثم تبدأ انتخابات مجلس النواب عندما يختار شيوخ العشائر وغيرهم مندوبين، والذين بدورهم يختارون ممثليهم البرلمانيين. ثم يجتمع نواب مجلسي البرلمان للتصويت لاختيار الرئيس. وإذا لم يحصل أي مرشح على ثلثي الأصوات في الجولة الأولى، ينتقل المرشحون الأربعة الأوائل إلى الجولة الثانية. والتي قد تكون ثالثة في حال عدم وجود أغلبية الثلثين.

هكذا، من ميدان مزدحم يضم أكثر من 30 مرشحًا. ظهر محمود ليهزم فارماجو في الجولة الثالثة الحاسمة. ويتولى المهمة مرة أخرى في وقت حاسم وبعد معركة حاول “فارماجو” عرقلتها أكتر من مرة، وامتد الأمر حتى لإساءة الاستخدام السياسي لقوات الأمن، بالإضافة إلى تقارير عن عمليات شراء ضخمة للأصوات.

اقرأ أيضا: عودة الزعيم القديم.. هل يُعطي حسن شيخ فرصًا جديدة لأمريكا في الصومال؟

صعود جديد وجولة حاسمة في الصومال

في تحليله لعودة محمود إلى قمة السلطة الصومالية. يرى عمر محمود، خبير الشؤون الصومالية في Crisis Group. أن هناك عاملان ساعدا الصعود السياسي الثاني للرئيس الصومالي. أولهما مُعاناة “فارماجو” من مساوئ شغل هذا المنصب “لم يتمكن أي رئيس من الاحتفاظ بالمنصب خلال العقدين الماضيين من الانتخابات غير المباشرة. حيث تجعل مجموعة التحالفات السياسية والعشائرية المعقدة في الصومال من الصعب على القادة إرضاء عدد كافٍ من الأحزاب لتأمين فترة ولاية ثانية على التوالي”.

يقول عمر: “في كثير من الأحيان، تلعب ثقافة الوشمسي -التي تُترجم بشكل فضفاض على أنها “عصابات”- دورًا كبيرًا، حيث تتجمع المعارضة حول من يبدو أنه أقوى منافس لشاغل المنصب. ويحتاج المرشحون إلى بناء تحالفات، والانخراط في عقد صفقات النخبة، مع تقدم جولات التصويت، للحصول على دعم الذين خسروا”.

لكي يحصد الفوز، ضاعف محمود مجموع أصواته بأكثر من أربعة أضعاف بين الجولتين الأولى والثالثة. بينما فشل فارماجو في مضاعفة صوته. وأيّد المرشحان البارزان، الشيخ شريف أحمد، وعبد الرحمن عبد الشكور ورسامي، محمود بعد هزيمتهما في الجولة الأولى. ليتم تعيينهما -بعد ذلك- في مناصب المبعوث الخاص في حكومة محمود الجديدة. الشيء نفسه فعله زعيم بلاد بونت سعيد ديني -الذي كان أيضًا مرشحًا- بعد الجولة الثانية.

في الوقت نفسه، واجه تصميم فارماجو على مركزية السلطة داخل إدارته، معارضة شرسة من القوى السياسية الأخرى. لا سيما بين النخبة السياسية التي سبقت توليه المنصب. وفي بعض الوحدات -دون القومية المعروفة بالفيدرالية- رأى الكثيرون في الانتخابات الرئاسية “فرصة لعزل فارماجو من منصبه”.

السبب الآخر لنجاح محمود هو “نبرته التصالحية” -على حد قول الباحث- والتي “لاقت صدى لدى أعضاء البرلمان والنخب السياسية الأخرى. التي أرهقتها مواقف فرماجو تجاه المعارضين وبعض الشركاء الأجانب”. بينما رسّخ محمود في حملته الانتخابية وعود بـ “عدم الانتقام” من الذين لم يدعموه في الانتخابات. و “لا أعداء” داخل الصومال أو خارجه، على عكس القتال الذي مارسه فرماجو.

ما هي انعكاسات الانتخابات على الصومال؟

رحّب معظم الصوماليين، وكذلك الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالنتيجة. وذلك -في المقام الأول- لأنها أنهت العملية الانتخابية المطولة والمثيرة للانقسام. يلفت الخبير في Crisis Group، إلى أن الدبلوماسيين كانوا قلقين من أن يخرج المرشحون الخاسرون إلى الشوارع لتحدي النتيجة.

مع ذلك، انتهى التصويت الرئاسي دون وقوع حوادث كبيرة. فقط ست قذائف مورتر -من المحتمل أن تكون من قبل حركة الشباب الإسلامية- سقطت بالقرب من مكان الانتخابات في يوم التصويت، لكنها لم تتسبب في وقوع إصابات.

يقول عمر: لقد كان تحولاً دراماتيكياً. قبل عام واحد فقط، بدت النخب السياسية الصومالية على شفا الحرب. في إبريل/نيسان 2021، قاتلت قوات الأمن تحت قيادة فرماجو مع قوات أخرى متحالفة مع المعارضة السياسية في مقديشو. بعد أن دفع فارماجو -من خلال مجلس النواب- لتمديد فترة وجود حكومته في السلطة لمدة عامين.

أضاف: كان من الممكن أن تؤدي الاشتباكات إلى إسقاط الحكومة الفيدرالية. لكن -في النهاية- تراجع فارماجو عن القتال.

اقرأ أيضا: حسن شيخ محمود رئيسا للصومال: ماذا يعني لمصر؟

ما هي التداعيات الإقليمية؟

قدمت إدارة فارماجو بعض المساهمات الإيجابية في جهود بناء الدولة في الصومال، لكنها قادت أيضًا سياسة منقسمة بشكل متزايد. على الجانب الإيجابي، واصلت الحكومة الإصلاحات الاقتصادية للحكومة السابقة. الهادفة إلى تخفيف عبء ديون البلاد، وأطلقت إصلاحات تشتد الحاجة إليها في قطاع الأمن، بما في ذلك التسجيل البيومتري -الحيوي- للجنود الفيدراليين. لكن، بشكل عام، أدى دفع فارماجو لمركزية السلطة إلى توسيع الانقسامات السياسية، ووضع الصوماليين ضد بعضهم البعض.

حتى مع الشركاء الدوليين، مالت إدارة فارماجو إلى خلق احتكاك غير ضروري. حيث يقترب الصومال من بعض الجيران على حساب الآخرين. مثلما دخل فارماجو في تحالف ثلاثي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي. نتيجة لذلك، تأثرت علاقات الصومال مع جيبوتي وكينيا -والتي لم تكن جزءًا من هذا التحالف- حيث قطعت نيروبي ومقديشو العلاقات بينهما مرتين لعدة أشهر.

بالمثل، بذل فارماجو جهودًا كبيرة لتقوية الروابط مع قطر. ولكن من خلال القيام بذلك توترت العلاقات مع الشركاء الخليجيين الآخرين -الذين كانوا في ذلك الوقت على خلاف عميق مع الدوحة- على الرغم من إعلان الصومال الحياد.

ستكون إعادة ضبط العلاقات مع المقاطعات الفيدرالية الأولوية المباشرة للإدارة القادمة. وستكون الطريقة التي يتعامل بها محمود مع القادة الذين عارضوا صعوده إلى السلطة مؤشرًا مبكرًا على التزامه بشعار حملته حول “عدم الانتقام”. ويرى عمر أن هناك سببًا للاعتقاد بأن محمود “لن يسعى إلى المركزية بنفس النشاط مثل سلفه”. فخلال فترة ولايته السابقة، كان أكثر دعمًا للمسار الفيدرالي في الصومال.

التداعيات والشراكات الخارجية

من المرجح أن يؤدي فوز محمود إلى توازن أكبر في السياسة الخارجية للصومال أيضًا. وأن تتحسن العلاقات مع كينيا على الرغم من أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً طال انتظاره بشأن الحدود البحرية المتنازع عليها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لصالح الصومال. إلا أن تطبيق ذلك يتطلب التعاون بين البلدين.

وسيتعين على محمود أيضًا أن يقرر كيفية التعامل مع الجارة الكبيرة الأخرى للصومال، إثيوبيا. وبينما كان محمود مقربًا من حكومة إثيوبيا السابقة -التي حل محلها رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد- وقد كلفته هذه العلاقة أصوات بعض النواب عندما حاول إعادة انتخابه في عام 2017. لكن، بسبب الحرب الأهلية والأزمات الداخلية الأخرى، تلاشى دور إثيوبيا المهيمن في السياسة الصومالية. “من المرجح أن يعطي محمود الأولوية لعلاقة عمل جيدة مع جاره. لكن الطبيعة المتدهورة لموقف إثيوبيا داخل الصومال، تعني أن الحاجة العملية لمقديشو للتقرب من أديس أبابا، ليست واضحة كما كانت من قبل”. وفق عمر.

التحدي المهم الآخر للرئيس الصومالي هو محاولة إعادة بناء العلاقات مع الشركاء الخليجيين. يقول خبير Crisis Group: يمكن لشعار الرئيس محمود “لا أعداء في الخارج” أن يبشر بإعادة تقويم العلاقات الخليجية. حيث تحافظ الصومال على العلاقات مع قطر، بينما تسعى لإعادة التواصل مع الإمارات. في المقابل، يجب على مقديشو أن تشجع قطر والإمارات على التوقف عن معاملة الصومال كمسرح لمنافسة محصلتها صفر”.

اقرأ أيضا: الخطوات الواجبة لإصلاح بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال

ماذا يجب أن تكون أولويات الرئيس محمود؟

تواجه إدارة الرئيس محمود عدة مهام عاجلة. أولها الاستجابة الإنسانية السريعة للجفاف الذي طال أمده في المنطقة، والذي دمر المحاصيل وقطعان الماشية. فإذا ظل معدل هطول الأمطار أقل من المتوسط ​​خلال شهر يونيو/حزيران، فقد يتعرض الملايين لخطر المجاعة. وكان أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الجفاف في عام 2017، هو أن الاستجابة المبكرة، وتعبئة الإغاثة السريعة. ساعدت بشكل كبير في الحد من معاناة السكان.

على نطاق أوسع، ورث محمود صومالا منقسما ومترنحا من الاستقطاب الذي حدث خلال فترة فارماجو. سيكون الوصول إلى كل من المؤيدين والمعارضين السياسيين عبر المجتمع أمرًا مهمًا في تحديد نغمة جديدة. يقول عمر: “يجب أن تسعى إدارته إلى الجمع بين النخبة السياسية في الصومال -بما في ذلك الخصوم السابقون- حول رؤية مشتركة لدفع الصومال إلى الأمام. كما يجب أن يعمل محمود على تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء من أجل إقامة علاقات جيدة”.

وبالطبع، لا يزال الأمن مصدر قلق ملح. فلا يزال الكثيرون قلقين بشأن تمرد حركة الشباب. لهذا السبب، أعلنت الحكومة الأمريكية -بعد أقل من 24 ساعة من التصويت- أنها ستعيد ما يقرب من 450 جنديًا إلى خارج الصومال في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب. ومع ذلك، ورث الرئيس محمود خطة تم التفاوض عليها مؤخرًا لانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بحلول نهاية عام 2024. فقد تطور تمرد حركة الشباب التمرد بشكل كبير منذ أن كان محمود رئيسًا. وهي الآن أكثر انخراطا في المجتمع الصومالي، وتوغلت في العديد من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة -بما في ذلك ميناء مقديشو- حيث تحصل على رسوم الحماية. وتنتشر الشكوك في أنها اخترقت أجهزة الدولة أيضًا، بما في ذلك أجهزة المخابرات.