مؤخرًا، أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال شن عملية عسكرية جديدة في سوريا. في محاولة للتوغل لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود. وهي خطة اضطر إلى تجميدها في أكتوبر/تشرين الأول 2021. بعد أن فشل في الحصول على الضوء الأخضر من روسيا والولايات المتحدة.

عادت الخطة -التي تستهدف المناطق التي يسيطر عليها الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة- إلى الطاولة. وسط ما تعتبره أنقرة “ظروفًا أكثر ملاءمة” منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. مع توغل الحرب، يعتقد أردوغان أنه يستطيع الآن المضي قدمًا في سوريا، مستخدمًا حق الاعتراض في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بشأن انضمام فنلندا والسويد كورقة مساومة.

وفقًا لحسابات أنقرة، يمكن لواشنطن أن تقبل بخطوة تركية في سوريا، لتمهيد الطريق أمام توسع تاريخي لحلف شمال الأطلسي. واعتمادًا على الأهداف التي تحددها تركيا، يمكن أن تتماشى العملية مع الخطط الأمريكية لفتح جبهة ثانية لروسيا في سوريا. ردًا على ذلك. وبالمثل، تعتقد أنقرة أن روسيا ستكافح للتركيز على سوريا وسط انشغالها بأوكرانيا. وستكون غير مستعدة لإثارة غضب تركيا، التي وفرت لها شريان الحياة ضد وابل العقوبات الغربية.

في الداخل التركي، هناك ضغوط متزايدة على استضافة ملايين اللاجئين السوريين. ليربط أردوغان بين خطة التوغل وهدف إعادة اللاجئين، مع إضعاف تركيز الجمهور على المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في البلاد. ولحشد الدعم الشعبي، يجادل الرئيس التركي -الذي يتطلع للسيطرة على تل رفعت، ومنبج، وكوباني، وعين عيسى، وتل تمر- بأن العملية العسكرية ستوفر مساحة آمنة للاجئين للعودة.

اقرأ أيضا: تركيا تتحرك من روسيا إلى الغرب.. لماذا؟

لماذا تحاول تركيا التوسع في هذه المناطق؟

تفصل مدينة كوباني/عين العرب الحدودية، المناطق التي سيطرت عليها تركيا، نتيجة عمليتي درع الفرات ونبع السلام. كما تحمل أهمية رمزية، كمكان يسيطر فيه الأكراد السوريون المنتمون إلى حزب العمال الكردستاني -الجماعة المسلحة المصنفة على أنها جماعة إرهابية في تركيا- وجبهة القتال. حيث جاءت الولايات المتحدة لأول مرة لمساعدة الأكراد ضد حصار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2014.

أمّا عين عيسى وتل تمر، اللتان سيطرت عليهما تركيا في عملية “نبع السلام” في أكتوبر/تشرين الأول 2019. فهما مهمتان من حيث تأمين الطريق السريع الاستراتيجي، وفصل المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. مع ذلك، انتشرت قوات الحكومة السورية في تلك المناطق بعد العملية التركية، إلى جانب مهام التنسيق والدوريات والشرطة العسكرية الروسية.

في ذلك الوقت، انسحبت القوات الأمريكية من منبج، وتبكا، وكوباني، وعين عيسى، وتل تمر. مما سهل بشكل فعال التوجه التركي ضمن نطاق خطة العملية الجديدة. مع ذلك، يتوقع الأكراد من الولايات المتحدة وروسيا ردع تركيا. كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في 17 أكتوبر/تشرين الأول. واتفاق سوتشي في 22 أكتوبر/تشرين الأول، الذي أعقب عملية “نبع السلام”.

بالفعل، أعربت إدارة بايدن عن مخاوفها بشأن حملة عسكرية تركية جديدة، على أساس أنها ستعرقل القتال ضد داعش. من جهتها، أصدرت روسيا إشارات متضاربة، في محاولة واضحة للاستفادة من الخلاف التركي- الأمريكي في سوريا. ولقيت تصريحات وزير الخارجية سيرجي لافروف الأسبوع الماضي -والتي بررت مخاوف تركيا الأمنية في سوريا- صدى باعتبارها دعمًا لخطط أنقرة.

لكن التحركات الروسية على الأرض ترسم صورة مختلفة. فقد أرسلت روسيا طائرتين حربيتين وست طائرات هليكوبتر إلى مطار القامشلي. وحلقت المروحيات بعد ذلك فوق عامودا، والدرباسية، وكوباني. ثم قامت القوات الروسية بتسيير دوريات مشتركة مع وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) في الدرباسية. ووفق ما ذكرت صحيفة الوطن السورية، أرسلت روسيا قوة عسكرية مؤلفة من عشرات الآليات إلى منطقة جنوب عين عيسى. فيما وصفته الصحيفة بأنه “تحذير لتركيا”.

هل يمكن تنفيذ الخطة التركية؟

جاء إعلان أردوغان عن خطة العملية الجديدة في 23 مايو / أيار. في أعقاب مزاعم بأن القوات الروسية بدأت في الانسحاب من سوريا. لكن متحدثًا عسكريًا سوريًا نفى مزاعم إخلاء الروس لمواقعهم. في القامشلي، وتل تمر، وعين عيسى، وحلب، وإدلب. وقالت جبهة التحرير الوطني السوري المعارضة، إن القوات الروسية تواصل القتال في جميع ساحات القتال في إدلب، وحماة، وريف اللاذقية.

في الواقع، يتعين على تركيا أن تأخذ كلاً من الولايات المتحدة وروسيا في الاعتبار، في المناطق الواقعة شرق نهر الفرات. لكن في تل رفعت ومنبج الواقعة غربي النهر، قد تغض الولايات المتحدة الطرف عن المناورات التركية. بينما تقع تل رفعت في موقع استراتيجي في شمال حلب. وقاعدة التعدين الجوية المجاورة لها تحت سيطرة وحدات حماية الشعب منذ عام 2016، مع تطويق الجيش السوري للمنطقة.

في عام 2018، تراجعت القوات الكردية -التي خسرت عفرين في عملية “غصن الزيتون” التركية- إلى تل رفعت. وهناك حوالي 140 قرية يقطنها الأكراد في شمال حلب، تعزز نفوذ وحدات حماية الشعب في المنطقة. ورغم أن روسيا أعطت الضوء الأخضر لاستيلاء تركيا على عفرين، لكنها وضعت خطا أحمر في تل رفعت. بالمثل، سمحت روسيا للجيش السوري بدخول ريف منبج. لمنع تركيا من الاستيلاء على المدينة.

بموجب شروط صفقة سوتشي التركية لعام 2019 مع روسيا. كان من المقرر نقل عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم إلى عمق 30 كيلومترًا من الحدود التركية. بالإضافة إلى إخراج وحدات حماية الشعب من منبج، وتل رفعت. وتصر أنقرة على أن هذه التعهدات “لم يتم الوفاء بها”. وقد قوبلت حجج تركيا بشأن تل رفعت بالتفاهم إلى حد كبير. لكن، من المرجح أن تؤدي الخطوة العسكرية على كوباني إلى احتجاجات دولية بسبب كثافة السكان في المدينة، وتماهي كوباني مع المقاومة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

اقرأ أيضا: “النقود ترسم الحدود”.. الاقتصاد بوابة تركيا لإخضاع الشمال السوري

الضغط على سوريا والأكراد

في تحليل لـ Al-Monitor، يبرز سيناريوهان متباينان فيما يتعلق بالاستيلاء على تل رفعت. الأول هو أن روسيا يمكن أن تذعن لمكاسب تركية محدودة بشرط ألا تهدد حلب. على أمل وضع مفتاح ربط في العلاقات التركية- الأمريكية، وإجبار الأكراد على الاقتراب من دمشق. ووفقًا للسيناريو الثاني، فإن الصراع في تل رفعت يمكن أن يفسد التقارب التركي- الروسي. ويجهد روسيا، ويزيد الضغط على دمشق. وبالتالي، يلعب لصالح واشنطن.

بالنسبة للرئيس التركي، فإن تل رفعت هدف واعد بعدد من المكاسب العملية. فهي موقع مناسب لإبقاء شمال حلب تحت الضغط. في الوقت الحالي، تقطع سيطرة الوحدات الكردية على المنطقة الاتصال بين قوات المتمردين في شمال حلب وإدلب. لكن من خلال الاستيلاء على تل رفعت، ستكون تركيا قادرة على منع وصول وحدات حماية الشعب الكردية بالكامل إلى عفرين. وإبقاء القوات الحكومية السورية في شمال حلب تحت الضغط، وتمهيد الطريق للتعاون بين الجماعات المعارضة في ريف حلب وإدلب.

أيضًا، في حالة السيطرة على تل رفعت. سيتم تطويق المستوطنتين الشيعيتين على الطريق المؤدي إلى عفرين والزهراء ونبل من جديد. وهو احتمال يثير قلق إيران. حيث تحظى القريتين -زهرة ونبل- بحماية حزب الله والميليشيات الشيعية منذ عام 2016. عندما تم رفع حصار استمر أربع سنوات من قبل الجماعات المدعومة من تركيا. كما يتواجد الجيش السوري أيضا في المنطقة. وهو ما دفع عناصر من الحرس الثوري الإيراني لاختبار صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في جنوب الرقة، بحسب ما ذكرت صحيفة القدس العربي.

أيضا، تواجه عملية تركية جديدة في سوريا مخاطر متزايدة. بسبب وجود القوات السورية عند نقاط تقاطع مع الأكراد منذ عام 2019. وفي رسالة إلى الأمم المتحدة عقب تهديد أردوغان، انتقدت الخارجية السورية الوجود العسكري التركي وأعمالها في سوريا.