في الوقت الذي كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يُلقي خطابًا عاطفيًا أمام البرلمان الأوروبي طالبًا فيه الدعم. توجه نائب رئيس الوزراء الأوكراني ووزير التحول الرقمي، ميخايلو فيدوروف، إلى موقع التواصل الاجتماعي Twitter، للإعلان عن نداء أكثر استهدافًا -ولكن ليس أقل إلحاحًا- لشركات الأقمار الصناعية التجارية. كان فيدوروف يُناشد هذه الشركات لتوفير صور عالية الدقة “في الوقت الفعلي” للجيش الأوكراني. لمساعدته في صد العدوان الروسي.
لقد ولّت الأيام التي كانت الحكومات فيها فقط هي التي تستطيع جمع معلومات استخباراتية متقدمة عن منافسيها. أو عندما كان بإمكان الجيوش إخفاء المعلومات حول التطورات في ساحة المعركة عن الأنظار. الآن، يمكن للجمهور العادي استخدام صور الأقمار الصناعية التجارية للكشف عن الأنشطة التي تفضل بعض الحكومات إخفاءها.
بالقعل، وثّقت صور الأقمار الصناعية ترسانة كوريا الشمالية النووية الآخذة في التوسع. وكشفت انتهاكات حقوق الإنسان، مثل احتجاز الصين لسكان الأيجور في معسكرات الاعتقال. أمّا في أوكرانيا، فقد استخدم عدد كبير من الجهات -بما في ذلك شركات الأقمار الصناعية الخاصة ومراكز الفكر والصحفيين والمحققين الهواة- صور الأقمار الصناعية التجارية. جنبًا إلى جنب، مع أشكال أخرى من المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر. لكشف والتحقق من المعلومات المتعلقة بالمناورات العسكرية، وخسائر ساحة المعركة، واستهداف المدنيين.
ساعدت صور الأقمار الصناعية التجارية، من خلال تقديم المعلومات -التي كانت ستظل سرية إلى حد كبير في السابق- في حشد الدعم العام لأوكرانيا. وأبلغت القائمين على التخطيط والعمليات العسكرية الأوكرانية، وصدت المعلومات الروسية الخاطئة. لكن، في الوقت نفسه، سيسعى كثيرون إلى استغلال الكمية المتزايدة من المعلومات المتاحة للمستخدمين غير الحكوميين.
اقرأ أيضا: التهديدات الإلكترونية والنووية.. مزيج يهدد العالم في حرب أوكرانيا
استغلال الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر
يلفت تقرير حديث لـ Foreign Affairs إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها قد يجدون أنشطتهم الحساسة خاضعة للمراقبة. لأن روسيا بدورها يمكنها استغلال معلومات الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر لتقويض الدفاع الأوكراني. أمّا شركات الأقمار الصناعية التجارية فقد تجد نفسها في نهاية المطاف في مرمى نيران موسكو.
في الوقت نفسه، ظهر تأثير صور الأقمار الصناعية على نهج الحكومة الأمريكية في أوكرانيا. في الفترة التي سبقت الغزو الروسي الأولي، كشفت إدارة بايدن عن معلومات استخباراتية حول الانتشار الروسي على حدود أوكرانيا لحلفائها والجمهور العام. كانت هذه خطوة غير عادية، فالحكومات عادة ما تكره مشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة عن الخصوم. من أجل حماية أفضل للمصادر، والأساليب المستخدمة للحصول على المعلومات. ولكن -في هذه الحالة- كان يتم بالفعل تداول الكثير من المعلومات مفتوحة المصدر، حول الموقف العسكري لروسيا، والتحركات التالية المحتملة.
وعلى الرغم من أن الكثير مما شاركه البيت الأبيض كان على الأرجح مستندًا إلى مصادر سرية. إلا أن تدفق المعلومات المتاحة تجاريًا، حول عمليات الانتشار العسكرية الروسية. ربما أثر على قرار الإدارة بالكشف عن هذه المعلومات، من خلال تقليل المخاوف من أن مثل هذا الكشف سيعرض مصادرها وأساليبها للخطر.
يلفت التقرير، الذي أعّده إريك لين جرينبيرج وتيو ميلونوبولوس. إلى أن صور الأقمار الصناعية المتاحة ساعدت جهود الاستخبارات الغربية بدلاً من إلحاق الضرر بها. فقد اقترح متحدث باسم مجلس الأمن القومي (NSC) أن “صور الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر قد ساعدت في تسليط الضوء على تحركات القوات الروسية”.
إلى جانب إجبار الدول على الإبحار في بيئة معلومات متغيرة. أثبتت المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر أنها مفيدة لأوكرانيا في ساحة المعركة. المعلومات الواردة من مصادر غير حكومية -على سبيل المثال- ساعدت في حرمان موسكو من عنصر المفاجأة. من خلال تتبع تحركات القوات الروسية. ومن المؤكد أنها ساعدت في استهداف أوكرانيا للقوات الروسية. على حد تعبير أحد مسؤولي المخابرات الأمريكية، والذي لفت إلى أن صور الأقمار الصناعية التجارية “ساعدت في منح أوكرانيا ميزة معلوماتية في ساحة المعركة”.
الشراكات في مجتمع الاستخبارات
من المحتمل أن تكون الكثير من صور الأقمار الصناعية التجارية هذه. قد وصلت إلى أوكرانيا نتيجة للشراكات بين مجتمع الاستخبارات الأمريكية والشركات الخاصة. في أبريل/نيسان 2022، أكدت وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية (NGA) -وهي الوكالة الأمريكية المسؤولة عن جمع صور الأقمار الصناعية وتحليلها وتوزيعها- أنها “بدأت في تسهيل وتنسيق الجهود الخاصة المستقلة لتقديم منتجاتها وخدمات لأوكرانيا “.
تتضمن هذه الشراكة الموسعة، صورًا وبيانات مفتوحة المصدر، تساهم في تبادل المعلومات الاستخباراتية بطرق تسمح للشركات الخاصة بإرسال المعلومات مباشرة إلى المحللين الأوكرانيين. كما تتضمن أيضًا بيانات في الوقت الفعلي من أقمار صناعية تتيح للمستخدمين تتبع التحركات العسكرية التي تحدث تحت الغطاء السحابي وفي الليل.
يقول التقرير: حتى في الوقت الذي يؤدي فيه انتشار البيانات مفتوحة المصدر إلى تآكل سيطرة الحكومة على المعلومات الاستخباراتية. فقد أشاد قادة مجتمع الاستخبارات الأمريكية بفضائل هذه المعلومات، ويعتقدون أنها تعود بفوائد عسكرية على أوكرانيا. على حد تعبير نائب الأدميرال روبرت شارب، مدير NGA، الذي قال: “توفر الصور المتاحة للجمهور لأوكرانيا الآن رؤية عامة غير مسبوقة. كانت حتى وقت قريب متاحة فقط من خلال الوكالات الحكومية والمسؤولين. وهي تساعد دولة ديمقراطية في النضال من أجل بقائها والحفاظ على استقلالها “.
حتى الآن، من المرجح أن تستمر صور الأقمار الصناعية التجارية في الظهور بشكل بارز في تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية لأوكرانيا. في الواقع، تضمنت حزمة المساعدة الأمنية الأمريكية -التي تبلغ 800 مليون دولار والتي تم الإعلان عنها في أبريل/نيسان 2022- توفير “خدمات صور الأقمار الصناعية التجارية”. إلى جانب المزيد من المعدات العسكرية التقليدية مثل صواريخ Stinger و Javelin لمساعدة أوكرانيا في جهودها لصد القوات الروسية.
اقرأ أيضا: خادم الإرهابيين المطيع.. الدرونز سلاح القرن الرخيص: كيف تطيل حربا من الجو؟
مكافحة التضليل الروسي
لعبت الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية التي يتم تشغيلها تجاريًا، دورًا رئيسيًا في مكافحة التضليل الروسي خلال الحرب. هذه الأدلة المصورة تستطيع كشف الحقائق على الأرض، ما يجعل من الصعب على موسكو نسج الروايات المشوهة. أو كما قال ستايسي ديكسون، نائب مدير المخابرات الوطنية في إدارة بايدن: “صور الأقمار الصناعية التجارية سمحت للآخرين بتفسير الصور بشكل مستقل. وتجميعها مع معلومات أخرى، وإخبار العالم بما سيحدث”.
مثلًا، عندما أعلنت وزارة الدفاع الروسية في منتصف فبراير/شباط. أن موسكو بدأت في سحب القوات من الحدود الأوكرانية، تنصل المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون من هذه المزاعم باعتبارها كاذبة. حيث استدعى الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، الصور مفتوحة المصدر لتعزيز هذه التأكيدات.
أيضًا، اعتمدت وسائل الإعلام ومراكز التحليلات على صور الأقمار الصناعية التجارية لمواجهة الادعاءات الروسية الكاذبة. وغالبًا ما تستخدم التقارير، التي تجمع بين هذه الصور ومعلومات أخرى مفتوحة المصدر. فلم تأت المؤشرات الأولى على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا من قصف مدفعي أو قصف جوي، ولكن من ازدحام مروري.
فقد لاحظ المحللون في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، الذين شاهدوا تحديثات حركة المرور الحية على خرائط Google، ازدحامًا غير عادي على طول طريق من بيلجورود في روسيا إلى الحدود الأوكرانية. حدث الازدحام المروري بالقرب من نفس الموقع، حيث استخدم المحللون -في وقت سابق- بيانات الأقمار الصناعية التجارية. لتحديد منطقة انطلاق لناقلات الجند المدرعة، وقاذفات الصواريخ، وغيرها من المعدات العسكرية الروسية. تشير أنماط المرور الصفراء والحمراء المتزايدة على خرائط Google للباحثين، إلى أن الأعمدة الروسية كانت في حالة حركة.
استخدمت المنافذ الإخبارية أيضًا صور الأقمار الصناعية التجارية لتصنيف الفظائع الروسية المرتكبة ضد المدنيين الأوكرانيين. في أوائل أبريل/نيسان، رفضت وزارة الدفاع الروسية الصور ومقاطع الفيديو، التي توثق القتلى المدنيين في شوارع بلدة بوتشا. باعتبارها “خدعة” و”إنتاج مسرحي”، وأصرت على وضع الجثث في الشارع بعد انسحاب القوات الروسية. وقامت وسائل الإعلام بتحليل صور الأقمار الصناعية التي دحضت المزاعم الروسية، مؤكدة وجود جثث بشرية في الشوارع ومواقع مقابر جماعية قبل انسحاب القوات الروسية.
عينان مفتوحتان جيدا
من المرجح أن تلعب شركات الأقمار الصناعية دورًا أكبر خلال الأزمات المستقبلية. لطالما دعمت هذه الشركات قطاعي المخابرات والدفاع، لكن الصراع في أوكرانيا أكد أهميتها في تشكيل بيئة المعلومات وتمكين التخطيط العسكري. من المرجح أن يؤدي دورهم المترتب على حرب أوكرانيا إلى تعميق الشراكات بين الشركات الخاصة والحكومات. التي تسعى إلى تبسيط تبادل المعلومات الاستخباراتية وزيادة قدرة التحصيل.
خارج الاستخدام الحكومي، ستستمر المنافذ الإعلامية ومراكز الدراسات والمحللون. في دمج صور الأقمار الصناعية مع المعلومات من مصادر أخرى وتوزيعها على الجماهير في جميع أنحاء العالم. مما يعزز الشفافية بطرق يمكن أن تعزز مصالح الدولة.
مع ذلك، فإن زيادة الشفافية يمكن أن تكون سيفًا ذا حدين. قد تستهدف الدول التي تسعى إلى الحفاظ على سرية أنشطتها شركات الأقمار الصناعية باستخدام الهجمات الإلكترونية. أو -في الحالات القصوى- الهجمات العسكرية التقليدية. وبالفعل، حاولت روسيا -وفشلت- في اختراق خدمة Starlink والتشويش عليها ، وهي المزود الوحيد للإنترنت في أجزاء من أوكرانيا.
أيضا، يمكن أن يشكل الاعتماد المفرط على صور الأقمار الصناعية مخاطر كبيرة. لا سيما بالنظر إلى إمكانية نشر المعلومات المضللة بدلاً من محاربتها. عبر استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور مزيفة.