بواسطة – حمادة عبد الوهاب:

في عام 2001 طرح رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، سياسة عُرفت فيما بعد بـ”تصفير المشكلات” التي طرحها في كتابه “العمق الاستراتيجي”. وفي العام التالي تمكن حزب العدالة والتنمية من الفوز في الانتخابات العامة وتشكيل الحكومة برئاسة زعيم الحزب رجب طيب أردوغان. وأصبح داوود أوغلو مستشارًا لرئيس الوزراء. وبدأ في تطبيق رؤيته لنزع فتيل التوتر التاريخي بين تركيا وجيرانها سواء العرب أو اليونانيين أو الأرمن وحتى مواطنيها الأكراد.

وظلت هذه السياسة هي الحاكمة في السياسة الخارجية لأنقرة حتى تفجرت مظاهرات الربيع العربي، والتي كانت نهاية “التجربة”. حيث عمدت الحكومة التركية إلى سياسة مخالفة تمامًا تقضي بدعم جماعات الإسلام السياسي للوصول للحكم سواء في مصر أو تونس أو ليبيا. كما دعمت المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد. وفتحت حدودها لتدفق المقاتلين من كل بقاع الأرض إلى سوريا، وداخليًا انهارت التسوية التي كانت قد عقدها مع القوى الكردية.

وعلى مدار عشر سنوات كاملة (2011 -2021) حصدت تركيا ثمار ما جنته سياسيًا واقتصاديًا. حيث أصبحت دولة شبه معزولة من محيطها الجغرافي. وهي التي تعاني من أزمات مع قبرص واليونان ومصر وسوريا والعراق وإسرائيل والإمارات والسعودية. وشكل فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية ضربة للسياسة التركية التي كانت تعول على قوة العلاقة الشخصية بين أردوغان ودونالد ترامب. وفي حملته الانتخابية أعلن بايدن بشكل صريح دعمه للمعارضة التركية في صراعها مع حكومة أردوغان.

وعلى المستوى الاقتصادي سجلت الليرة التركية تراجعات قياسية في مدد زمنية متقاربة، حتى وصلت إلى أكثر من 18 ليرة مقابل الدولار الواحد. وهي الآن في حدود 16.5 مقابل الدولار. كما سجل التضخم أرقاما قياسية وصلت في شهر إبريل/نيسان الماضي إلى 70% على أساس سنوي، بحسب الأرقام الصادرة من معهد الإحصاء التركي. وشهد العامان الأخيران خروج رؤوس الأموال الأجنبية من السوق التركية.

عودة جديدة

وفي ظل هذا المشهد القاتم من الناحيتين السياسية والاقتصادية للدولة عانت أنقرة من عزلة سياسية وأزمات اقتصادية طاحنة لا تلوح في الأفق أي حلول لها. فكان على صناع القرار في أنقرة البحث في سبل الخروج من هذا النفق المظلم، فعادوا مرة أخرى إلى “سياسة تصفير المشكلات”. وذهبت أنقرة لعرض التقارب على مصر والإمارات والسعودية، وهدأت من نبرة الانتقاد لجارتها اليونان وسعت للمصالحة مع إسرائيل.

الأسباب

يبدأ الكاتب والمحلل السياسي التركي ناصر سنكي، في عرض أسباب هذه العودة. فيقول لـ”مصر 360″، إن العلاقة عادت إلى طبيعتها مع الإمارات. وهناك محاولات جرت وتجري حاليًا مع مصر والسعودية. وأن العلاقات بين أنقرة والرياض قد تحسنت أخيرًا. وزيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية في إبريل/نيسان الماضي، حملت أهمية كبيرة للجانب التركي. ولا سيما أن هناك استثمارات سعودية كبيرة في البلاد تم سحبها في السنوات الأخيرة. وكذلك تضرر عدد السياح السعوديين في تركيا.

وأشار إلى أن عودة السياح السعوديين إلى تركيا خلال الصيف بعد تحسن العلاقات سيؤدي إلى انتعاشة في سوق السياحة. ولا سيما أن السياحة السعودية كانت تمثل رقمًا جيدًا في السوق التركي.

فيما يرى رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية في جامعة ماردين أرتوكلو التركية، الدكتور نجم الدين أجار، أن التقارب بين الرياض وأنقرة سيوفر عدة مكاسب للدولة التركية أبرزها المساهمة في رفع مستوى علاقاتها مع مصر. وكذلك تحقيق أهدافها بخصوص الصادرات، وتغلبها على الصعوبات التي يواجهها اقتصادها.

اقرأ أيضًا: مصر وتركيا.. استكشاف بطيء لملفات معقدة

الانتخابات على الأبواب

المحلل السياسي التركي، حسن سيفري، يقول إن هناك عدة أسباب لهذه السياسة التي تتبعها الحكومة التركية خلال الفترة السابقة، منها تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. خاصة قبيل الذهاب للانتخابات العامة في 2023، وإنهاء العلاقات المتوترة مع دول الجوار ودول الخليج العربي. ولذلك تجد الحكومة نفسها في حاجة ماسة لتحسين علاقاتها الخارجية.

ويضيف سيفري، لـ”مصر 360″، أن هناك حاجة أيضًا إلى تعزيز الاستثمارات الخارجية الواردة للبلاد. وهو ما سينعكس على مجمل الوضع الاقتصادي. حيث تمتلك دول الخليج استثمارات كبيرة في الداخل التركي على مدار التاريخ.

ويشير إلى أن هناك محورًا جديدًا يتشكل في المنطقة، بفعل اتفاقات إبراهام (التي تضم إسرائيل ودول عربية خليجية). وتريد تركيا أن تكون جزءًا من هذا المحور. حيث سبق للرئيس أردوغان زيارة الإمارات، ثم لقاؤه مع الرئيس الإسرائيلي في أنقرة.

وتابع أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد العودة إلى تصفير المشكلات مع دول الجوار قبل الذهاب نحو الانتخابات العامة القادمة، ولا يريد الحزب خسارة هذه الانتخابات في ظل تحالف أحزاب المعارضة.

اهتزاز الثقة

المحلل السياسي التركي، هشام جوناي، يقول إن “الموقف الذي وجدت الحكومة التركية فيه جراء سياستها بعد أحداث الربيع العربي، من حالة العزلة السياسية، جعلتها تعود مرة أخرى إلى سياسة “تصفير المشكلات” التي وضع أسسها رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، والتي أتت بفوائد كبيرة على تركيا خلال الفترة من (2002 – 2011)، حيث كانت تقوم على المصالح المتبادلة وتم بناء علاقات جيدة مع دول الجوار”.

وأضاف جوناي، لموقع “مصر 360″، أنه خلال الفترة التي تلت الربيع العربي كانت تركيا لديها مشكلات مع مصر وسوريا وروسيا واليونان والاتحاد الأوروبي بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية، التي سببت ضغطا دوليا ضيق الخناق عليها اقتصاديًا وسياسيًا، والآن تركيا تعيش نوعًا من العزلة الدولية، تحاول فكها من خلال تبني سياسة جديدة تتصالح فيها مع دول الجوار”.

العودة الصعبة

وأشار المحلل السياسي، إلى أن الوضع اختلف تمامًا فهذه الدول التي تحاول تركيا إعادة العلاقات معها مرة أخرى، لن تكون العلاقة معها كما كانت قبل عشر سنوات. ذلك لأن جدار هذه الثقة اهتز بقوة خلال الفترة السابقة، بسبب تبني تركيا للهجة عدوانية ضدها، مما سيصعب إعادة الثقة بشكل كامل، فهذه الدول ستحسب ألف حساب قبل التصالح مع تركيا، وبالتالي فمهمة حزب العدالة ليست سهلة.

وتابع أن هذه الدول ستتمهل في تطوير علاقتها مع أنقرة حتى تتبين الرؤية من خلال الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، فإذا نجح حزب العدالة والتنمية في الفوز فيها، ستقدم هذه الدول على المصالحة مع أنقرة، لأنها ستكون مضطرة للتعامل معها خلال 5 سنوات أخرى.