تدرس روسيا، حاليًا، توقيع اتفاقية تجارة حرة مع مصر، بما يعمل على تعزيز التبادل التجاري بينهما، في خضم التضرر الاقتصادي الذي تعانيه موسكو، من فرض عقوبات غربية عليها هي الأضخم في التاريخ، وصلت إلى درجة منع السفن الروسية من دخول غالبية الموانئ الأوروبية والأمريكية.
وقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمة خلال اجتماع للمجلس الأعلى الاقتصادي الأوراسي، إن بلاده تدرس توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع مصر وإيران وإندونيسيا. إلى جانب تحقيق التكامل الاقتصادي مع الإمارات. مؤكدًا في الوقت ذاته أن الغرب يعادي روسيا بشكل واضح.
التجارة الحرة
يقصد بالتجارة الحرة تعزيز التبادل التجاري من خلال تخفيف القيود المفروضة على الواردات والصادرات أو إلغائها. وهي تتيح التبادل التجاري بلا ضرائب أو تعريفة جمركية أو حواجز تجارة بمختلف أشكالها. وهذه سياسة من شأنها تخفيض أسعار السلع وتقليل الإنفاق الحكومي.
فكرة التجارة الحرة بين مصر وروسيا تعود لعدة أشهر وقبل الغزو الروسي. إذ خاضت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع عدة جولات من المفاوضات حول اتفاقية التجارة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي “الأوراسي” الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان.
وتستهدف مصر من التعاون مع الاتحاد الأورواسي دفع التعاون مع دوله في مجالات التجارة والصناعة والاستثمارات المشتركة. خاصة وأن التجارة الثنائية بين مصر والدول الأعضاء بالاتحاد بلغت 4.69 مليار دولار في عام 2020. كما تمتلك روسيا مصالح تجارية واستثمارات استراتيجية في مصر، وتطور منطقة التجارة الحرة في بورسعيد بالقرب من قناة السويس. بالإضافة إلى المشاركة في السكك الحديدية بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
ويقول خبراء إن اتفاقية التجارة الحرة مع مصر ستكون بمثابة نافذة للشركات الروسية والاتحاد الاقتصادي الأوروبي للوصول إلى القارة الأفريقية، والتي توصلت إلى اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
وبحسب السفير الروسي لدى مصر جيورجي بوريسينكو، فإن حجم التبادل التجاري بين موسكو والقاهرة ارتفع بنسبة 10% في 2021 ليبلغ 5 مليارات دولار رغم الصعوبات المرتبطة بجائحة كورونا ، كما تعتبر القاهرة شريكًا تجاريًا رئيسيًا لروسيا في أفريقيا إذ تمثل القاهرة نحو ثلث التجارة مع القارة الأفريقية بينما تبلغ عدد الشركات الروسية التي تعمل في الأسواق المصرية بلغت نحو 470 شركة واستثمرت أكثر من 8 مليارات دولار.
التجارة عصب رئيسي للشراكة
تعتبر التجارة عصبًا رئيسًيا للشراكة بين مصر وروسيا، بالنظر إلى التكامل الهيكلي بين اقتصاد البلدين. حيث تعتبر روسيا سوقًا مهمة بالنسبة للسلع الاستهلاكية المصرية. خاصة الملابس الجاهزة، والقطن، والأحذية والمنتجات الجلدية، والأدوية، والرخام والسـيراميك، والأرز، والأثاث. وهي تتصدر قائمة البلدان المستوردة للبطاطس المصرية بنحو 300 ألف طن سنويًا، بجانب الفاكهة والخضراوات، مثل الموالح والبصل وغيرهما.
في المقابل، تسـتورد مصر العديد من السلع الاستراتيجية من روسيا. ومنها الآلات والمعدات والأجهزة والشاحنات والسيارات والأخشاب والورق والحديد والصلب ومنتجاته، إلى جانب القمح.
وقد قفز التبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة في 2019، حينما بلغ حوالي 8 مليارات دولار.
تمثل روسيا قرابة 40% من إجمالي حجم التبادل التجاري بيـن روسيا والقارة الأفريقية. ورغم ذلك، فإن الأرقام التي سجلها الطرفان تظل أقل من الفرص المتاحة. حيث تستطيع السوق الروسية استيعاب مدى واسع من المنتجات المصرية الزراعية والاستهلاكية، بحسب دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
لدى البلدان مشروع ضخم يتعلق بإنشاء المركز اللوجستي لتخزين وتداول الغلال والحبوب في ميناء دمياط على البحر المتوسط بسعة 5.7 مليون طن، ويحتوي على 40 صومعة على الأقل. بينما أعلنت 6 شركات روسية كبرى عزمها الاسـتثمار في إنشاء الصوامع بسـعة تتراوح بين 60 إلى 100 ألف طن. وكذلك إنشاء مطاحن حديثة بقدرة 600 طن يوميًا، ومراكز لوجستية لتخزين الحبوب والمنتجات. وكذلك إنشاء في مصانع إنتاج الأعلاف تعمل بقدرة 40 طن/ساعة، ومصانع إنتاج الألبان والأجبان، وفقًا للمواصفات الحديثة.
تستهدف مصر أن تكون روسيا بوابتها إلى الاتحاد الأوراسي الذي تقوده، ويعد من التجمعات الاقتصادية المهمة والواعدة في منطقة أوراسيا، ويتضمن الاتحاد الجمركي والمجال الاقتصادي الموحد بين أعضائه الخمسة، وهي سوق واسعة، حيـث يبلـغ عـدد سـكانه حوالـي 183 مليـون نسـمة، ما يمكن أن يجعلها نافذة متميزة للصادرات المصرية بمنطقة وسط آسيا.
مبادلة الروبل بالجنيه
تقول الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس إن مصر وروسيا تتخذان خطوات غير مسبوقة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما مثل فكرة مبادلة الروبل بالجنيه في القطاع السياحي التي تحل مشكلة منتجعات جنوب سيناء التي لا يمكنها تعويض السائح الروسي بسهولة وفي الوقت ذاته تساعد الروس على القدوم لمصر والإنفاق في ظل مشكلات الدولار المحلية في بلادهم حاليًا.
وتضيف أن التبادل التجاري بين مصر وروسيا في صالح الطرفين فمصر تحتاج للقمح الروسي الذي يغطي 40% من احتياجاتها ، وموسكو تعتمد على مصر في توفير قطاع كبير من الخضرو الفاكهة، والوصول لآليات بينهما للتعامل من شأنه الضغط على الاحتياطي النقدي المصري والاحتياج إلى الدولار.
وتؤكد رمسيس أن مساعي روسيا للتجارة الحرة مع مصر وأندونيسيا وإيران وغيرها من دول آسيا وإفريقيا هدفها إدخال الروبل في سلة العملات الرئيسية في العالم مستقبلاً مثلما فعلت الصين حينما اعترف صندوق النقد الدولى بدخول اليوان الصينى ضمن سلة العملات حتى أصبح حاليا أحد المكونات الأساسية للاحتياطيات النقدية بكثير من الدول.
وتشدد على أن الخطوة الروسية لفرض التعامل بالروبل عالميًا من شأنها أن تؤثر على قوة الدلار على المدى البعيد، لكن مصر في المقابل تستهدف أمنها الاقتصادي في المقام الأول وتحقيق علاقات اقتصادية مع جميع الدول فلا يمثل التجارة الحرة مع الروس أي غضاضة في التعامل مع أوروبا وأمريكا الذين يمثلون شركاء اقتصاديين أساسيين مع مصر.
اقرأ أيضًا: مصر وروسيا: صداقة تديرها التوازنات
تكتلات اقتصادية أمام العقوبات الغربية
يقول أيمن فودة، الخبير الاقتصادي، إن روسيا تسعى حاليًا لتشكيل تكتلات اقتصادية أمام العقوبات الغربية. وذلك بتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين وشرق آسيا والاتحاد الأوراسي. ثم الانتقال نحو أفريقيا والشرق الأوسط. وهو أمر حال تحقيقه كاملًا سيدخل تذبذبًا للدولار. وربما كان ذلك الوازع أمام البنك المركزي المصري لزيادة مخزونه من الذهب في احتياطياته خوفًا من تقلبات الدولار المتوقعة مستقبلًا.
لدى مصر وروسيا، تعاون بمجالات الطاقة غير التقليدية. وقد اتفقتا في إبريل/نيسان 2014 على توريد احتياجات هيئة الطاقة الذرية من الوقود لتشغيل المفاعل النووي البحثي المصري. كما تعمل الشركات الروسية الكبرى، بما في ذلك “روس نفط” و”لوك أويل” و”لادا”، بالسوق المصرية، باستثمارات تتخطى 7.4 مليار دولار.
يضيف فودة أنه لا يمكن عزل الخطوات الروسية عن سعيها لتحقيق التكامل الاقتصادي مع الإمارات في التوقيت ذاته. مضيفًا أن مصر والإمارات تبنيا سياسة الحياد في الأزمة الروسية من بدايتها. فلم يقفا في أي طرف وتربطهما علاقات جيدة مع جميع الدول الغربية حتى أوكرانيا ذاتها.
بينما تدرس روسيا لاتفاقية تجارة حرة مع مصر، كشف بوتين عن رغبته في توقيع اتفاقية تكامل اقتصادي مع دولة الإمارات، بهدف تعزيز الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين، ضمن الخطط الروسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو. خاصة أن الإمارات انتهجت موقف الحياد حيال الأزمة الأوكرانية.
التكامل الاقتصادي هو عملية تهدف تدريجيًا لتعزيز التعاون مع الدول في غالبية المجالات. ومن بينها التجارة والاستثمار واتخاذ مجموعة من التشريعات والتدابير التنظيمية، إلى تحقيق التقارب بين بلدين أو أكثر. ما يعني التجارة الحرة هي جزء من التكامل الاقتصادي.
مصر بوابة لصادرات روسيا من الحبوب لأفريقيا
تسعى روسيا لجعل مصر بوابة لصادراتها من الحبوب إلى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. خاصة أن الأخيرة تستورد 50% من حجم تجارة الغلال في العالم، وستأخذ الشراكة بين البلدين في هذا المجال مع مرور الوقـت شكل الممر الإقليمي “روسيا – الشرق الأوسط – أفريقيا”.
مثل مصر في أفريقيا، تعتبر الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وتستأثر بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية الخليجية. وتصنف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية بعد مصر حيث تأتي في المرتبة الثانية، كما تحتضن أسواق الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية.
وقد بلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وروسيا الاتحادية خلال النصف الأول من عام 2021 نحو مليارَي دولار محققة نمواً بنسبة تتجاوز 80% مقارنة مع النصف الأول من عام 2020، في حين بلغت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية خلال عام 2020 نحو 2.6 مليار دولار.
وتعتبر الإمارات الوجهة الأولى عربيًا للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية. وفي المقابل تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها.
بالنسبة للروس، فإن التكامل مع الإمارات يستهدف أكثر مجال الاستثمارات، كالاقتصاد الدائري (التدوير) والاقتصاد الأخضر، وتشجيع مجتمع الأعمال الإماراتي على الاستثمار في روسيا في قطاعات حيوية ومستقبلية مختلفة،كالصناعة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والفضاء والسيارات والطب وتكنولوجيا الطب والنقل والزراعة والغذاء والعقارات والبنية التحتية والمعادن والتعدين والطاقة المستدامة.
بحسب فودة، فإن دراسة روسيا التجارة الحرة مع مصر والتكامل مع الإمارات، لا يمكن عزله عن إطلاق القاهرة وأبو ظبي ومعهما الأردن الشراكة الصناعية التكاملية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في 5 مجالات صناعية واعدة تشمل الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات. فالدول الثلاث 26% من عدد السكان بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يزيد عدد سكانها على 122 مليون نسمة.