ناقش الكاتب والمحامي طارق عبد العال، في ورقة سياسات جديدة صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام“، الدور الرقابي للمحكمة الدستورية العليا في مصر وما تعرض له من تآكل بفعل التدخلات التشريعية التي أصابت قانون المحكمة، وأثر ذلك على النظام القضائي الدستوري في البلاد. ما باتت معه المحكمة برمتها في قبضة السلطة التنفيذية، ونتج عنه العبث بمساراتها الوظيفية، واستخدامها على نحو سياسي يتفق وما تراه السلطة التنفيذية.

ويرى عبد العال -في سبيل إنقاذ الوضع- ضرورة عقد العديد المشاورات والمؤتمرات العلمية لصياغة قانون يتفق مع الدور المرجو للقضاء الدستوري. ذلك لكي يتماشى مع أنظمة القضاء الدستوري العالمية، بما تقتضيه فكرة الرقابة الدستورية اللاحقة على القوانين، وبما يضمن استقلالها سواء في اختيار أعضائها أو رئيسها، أو كان ذلك الاستقلال متعلق بممارسة مهامها القضائية. الأمر الذي يعيد للمحكمة الدستورية المصرية بريقها وعصرها الذهبي الذي كانت عليه.

للاطلاع على الورقة كاملة..

الرقابة على دستورية القوانين

يفرق عبد العال بين نظامين للرقابة على دستورية القوانين. فيقول إن هناك نظم قد اتجهت إلى إقرار الرقابة السابقة على دستورية القوانين. بينما هناك نظم تتبنى الرقابة اللاحقة، والرقابة السابقة تكون قبل إصدار التشريع بشكل نهائي، وتهدف إلى تجنب إصدار قوانين من حيث الأصل مخالفة للدستور.

وتنظم دساتير الدول التي تتبنى هذا النظام كيفية تشكيل هيئة يكون لها الحق في مراجعة التشريعات لتجنب مخالفتها للدستور قبل الإصدار. أما الرقابة اللاحقة فهي تلك التي تنعقد لهيئة قضائية سواء كانت محكمة دستورية أو مجلس دستوري. وذلك بغية مراقبة التشريعات التي تصدر لبحث مدى توافقها أو تعارضها مع الدستور، وتصدر حكمًا قضائيًا بذلك المعنى.

تأسيس المحكمة الدستورية العليا

ويقول إنه إذ يتبنى النظام القضائي المصري نمط الرقابة اللاحقة على دستورية التشريعات، فمنذ زمن بعيد بدت فكرة إنشاء المحكمة الدستورية العليا وتحديدًا في عام 1953، حين قامت ثورة يوليو بتكليف لجنة سُميت “لجنة الخمسين” بوضع مشروع دستور جديد للبلاد نص في إحدى مواده على إنشاء محكمة عليا تكون لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين.

وقد حدد مشروع الدستور عدد قضاة المحكمة العليا، بحيث لا يتجاوز تسعة قضاة بأي حال من الأحوال. إلا أن الأمر انتهى بعدم تحقيق هذا المشروع. ولكن كان قد سبق ذلك محاولات قضائية عديدة للمحاكم لإدخال نوع من الرقابة الدستورية قبل وجود المحكمة الدستورية. ففي عام 1941 أصدرت “محكمة مصر الأهلية” حكمًا تاريخيًا يقضي بحق المحاكم في الرقابة على دستورية القوانين انطلاقًا من وجود قانونين يجرى العمل بهما في البلاد، وهما القانون العادي والدستور. حيث يتوجب على القاضي إعمال القانونين في أحكامه، وإن حدث تعارض يتوجب عليه الركون إلى القانون الأعلى وهو الدستور، وقد تبع ذلك محاولات من محكمة القضاء الإداري.

اقرأ أيضًا: سلطة المحاكم العادية في الرقابة الدستورية

ومن حيث أصل الرقابة الدستورية العام، فإنها ترتبط ارتباطًا لا ينفك بكيفية إنفاذ النصوص الدستورية وإلزامية تطبيقها بحزم وصرامة. ما يؤكد أن يكون الدستور هو القاعدة التي تنطلق منها الرقابة القضائية على دستورية القوانين وترتكز عليها. كما أن رقابة الدستورية تفرض نفسها كضرورة مجتمعية وقانونية وقيمة لا يجوز التقليل من علوها وسمو قدرها. وذلك لارتباطها بمفاهيم إرساء العدل ودولة القانون.

وكانت أول تجربة لإنشاء المحكمة الدستورية العليا في عام 1969 حين قرر رئيس الجمهورية العربية المتحدة إصدار قانون “المحكمة العليا”. وكانت تلك أول تجربة لإنشاء محكمة دستورية متخصصة يناط بها دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين.

وقد باشرت المحكمة مهمتها مدة تقترب من العشر سنوات. وكان الدستور المصري لسنة 1971 أول دستور جاء النص فيه على أحكام تخص المحكمة الدستورية العليا. ثم تم إصدار قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979.

مهام المحكمة الدستورية في مصر

جعل دستور 1971 “المحكمة الدستورية العليا” هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتولى –دون غيرها– مهمة الفصل في دستورية القوانين واللوائح. وكذلك تفسير النصوص التشريعية وقد أحال الدستور إلى قانون المحكمة ليتولى مهمة تنظيم باقي الاختصاصات الأخرى أو التشكيل، والأحكام التي تصدر من المحكمة الدستورية العليا وآثارها وقد صدر القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليات لينظم عمل المحكمة واختصاصاتها وسائر شئونها.

وقد تضمن قانون الإصدار نص المادة الثامنة التي تقرر أنه مع عدم الإخلال بحكم المادة الثانية من قانون الإصدار يلغى قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم (81) لسنة 1969، قانون الإجراءات والرسوم أمامها الصادر بالقانون رقم (66) لسنة 1970 والقانون رقم (79) لسنة 1976 ببعض الأحكام الخاصة بالمحكمة العليا، كما يلغى كل نص يخالف أحكام القانون المرافق وذلك فور تشكيل المحكمة الدستورية العليا.

وقد حدد القانون اختصاصات المحكمة الدستورية العليا في

1 – الرقابة على دستورية القوانين واللوائح.

2 – تفسير النصوص القانونية التي تثير خلافا حال تطبيقها.

3 – الفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة.

4 – الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين قضائيين نهائيين متناقضين (منازعات التنفيذ).

يتطرق عبد العال -في ورقة السياسات- إلى ما ورد على قانون المحكمة الدستورية العليا من تعديلات، كان لها الأثر البالغ على دور المحكمة ووظيفتها الرقابية. وهو يقسم هذه التعديلات إلى ثلاث فترات زمنية؛ تعديلات فترة الرئيس حسني مبارك، والرئيس محمد مرسي، والفترة الراهنة.

التعديلات على القانون في عهد مبارك

ويقول عبد العال إنه في الوقت الذي صار للمحكمة الدستورية العليا شأن وقيمة ما بين المحاكم الدستورية على مستوى العالم، سعت السلطة السياسية في عهد الرئيس الأسبق مبارك في تحجيم دورها الهام في النظام القضائي المصري.

وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا لهذا التعديل التشريعي، في الدعوى رقم 76 لسنة 22 قضائية. وقد تعرضت المحكمة الدستورية في هذا الحكم لمبدأين رئيسيين هما:

الدفع بتجاوز نطاق الضرورة الملجأ لاتخاذ السلطة التنفيذية رخصة التشريع. وقد قالت المحكمة الدستورية أن “سلطة تقرير الأثر الرجعى لبعض أحكامها تقريرًا لظروف خاصة تحيط بطائفة مما تنظره من دعاوى دستورية. وإذا كان تقدير قيام الضرورة لا يخضع لمعيار ثابت، وإنما يتغير بتغير الظروف. وكانت الظروف قد اقتضت الإسراع بإصدار القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 لضرورات ملحة قوامها تحقيق توازن بين مصالح اقتصادية جوهرية للمجتمع واعتبارات العدالة. ومن ثم يكون رئيس الجمهورية إذ أصدر التشريع المذكور لم يجاوز سلطته في هذا الصدد”.

وهو ما يعني أن المحكمة قد أكدت على أن صدور هذا التشريع بهذا الشكل “القرار بقانون” إنما جاء متوافقا مع الاعتبارات الدستورية المقررة لهذا النموذج، وإن كنت أرى أن ذلك المسلك من المحكمة الدستورية العليا محل نظر. ذلك لكون الفقه والقضاء قد استقر منذ زمن بعيد على تعريف وقواعد الظروف الملجئة لاستخدام السلطة التنفيذية لمكنة التشريع، إذ إنه قد اتفق على ضرورة توافر اشتراطات بعينها حتى يمكن للسلطة التنفيذية استخدام هذه الرخصة التشريعية الاستثنائية، وأهم تلك الشروط: وجود حالة من الخطر الجسيم الحال أو تهديد به ضد الدولة.

ومن الجائز أن يكون ذلك الخطر مصدره طبيعيا كالكوارث الطبيعية مثل السيول أو الأوبئة، استحالة مواجهة الخطر أو التهديد بالطرق العادية أو عن طريق المؤسسات الدستورية العادية، ونستطيع أن نوجز القول بأن السلطة التشريعية الاستثنائية، وإن كانت ضرورية للإدارة، إلا أنها ليست حقًا خالصا لها وإنما هو اختصاص مقيد بضرورة توافر شروط معينة للجوء إليها وبشروط أخرى لإصدارها وتطبيقها، كما أن آثار استخدام تلك الاختصاصات محدد بنطاق معين لا يجوز تجاوزه، ومن ثم فمن الخطأ القول بأنه ليس للضرورة قانون أو أحكام. بل على العكس فإن الضرورة هي تنظيم قانوني، وهو ما يعني على الأقل خضوع الضرورة للرقابة حتى لا تتجاوز حدودها وضوابطها القانونية.

المواجهة مع مرسي

تتطرق ورقة السياسيات إلى فترة الرئيس السابق مرسي، وقد دخلت المحكمة الدستورية العليا في مواجهة مبكرة معه، بعد أن قضت ببطلان الانتخابات التشريعية، وما يتبع ذلك من ضرورة حل مجلس الشعب. وذلك في حكمها رقم 20 لسنة 34 قضائية دستورية، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون مجلس الشعب، وعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من ذات القانون، والمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011، وعدم دستورية نص المادة التاسعة مكرر من ذات المرسوم، وعدم دستورية المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011.

ولما أنه قد ترتب على ذلك الحكم الدستوري ضرورة حل مجلس الشعب وإعادة انتخاب مجلس جديد، فقد صاحبت ذلك تفاعلات سياسية ما بين مؤيد ومعارض، وفقًا للظرف السياسي التي كانت تمر بها البلاد. لكن ما زاد الأمر تعقيدًا -وفق عبد العال- هو إصدار الرئيس القرار الجمهوري رقم 11 لسنة 2012، والذي نص في مادته الثانية على عودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.

وقد تبع ذلك أن تم تقديم منازعة تنفيذ في ذلك القرار بخصوص ما قرره من عودة مجلس الشعب للانعقاد أمام المحكمة الدستورية العليا. وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها رقم 6 لسنة 34 منازعات تنفيذ، والذي قضى بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية دعوة مجلس الشعب للانعقاد بعد الحكم بعدم دستوريته. وأكدت فيه المحكمة على أن أحكامها وقرارتها ملزمة وغير قابلة للطعن.

وفي 21 نوفمبر 2012 أصدر رئيس الجمهورية بشكل مفاجئ “الإعلان الدستوري المكمل”. ومن خلاله حصن قراراته الرئاسية والإعلانات الدستورية الصادرة منذ أن تولي الحكم. كما حصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور من الحل ومنح مجلس الشورى سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس الشعب.

وقد شهدت هذه الفترة خلافات شديدة بين توجه المحكمة الدستورية وجماعة الإخوان، الذين حاصروا المحكمة الدستورية. وقد أدى ذلك إلى إعلان المحكمة الدستورية العليا “تعليق أعمالها” إلى أن تتوقف “الضغوط النفسية والمادية” على قضاتها.

وأكدت أن القضاء المصري شهد “يومًا حالك السواد في سجله” بعد أن حاصر متظاهرون إسلاميون مقر المحكمة قبل أن تبدأ نظر دعاوى بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى. وقالت المحكمة في بيانها إن “تعليق الجلسات سيكون إلى أجل يقدر فيه قضاتها على مواصلة رسالتهم والفصل في الدعاوى المطروحة على المحكمة بغير أية ضغوط نفسية ومادية يتعرضون لها.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد سبق وأن تم استخدام الدستور ذاته في التحكم في عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا. حيث جاء دستور 2012 في مادته رقم 176 على أن “تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التي ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية”.

وهو الأمر الذي أطاح بعدد من أعضاء المحكمة كان الأبرز منهم المستشارة/ تهاني الجبالي بخلاف سبعة أعضاء آخرين، وقد أطلق على هذا التعديل “مادة عزل تهاني الجبالي، والتي كان معروفا خلافها الدائم مع جماعة الإخوان المسلمين.

ويعقب عبد العال على هذه الفترة، فيقول إنه رغم قصرها، ولم تزد عن العام، فقد شهدت محاولات للتدخلات السياسية في مجال قانون المحكمة الدستورية العليا، أو مجال عملها أو التأثير عليها، وهو الأمر الذي يتناقض مع ما يجب أن تكون عليه المحكمة من حيادية للعمل نحو إعلاء سيادة القانون، وإرساء مفهوم الدولة لقانونية.

المحكمة الدستورية والفترة الحالية

يقول عبد العال في ورقة السياسات إن الفترة الحالية -ورغم حداثتها- شهدت تعديلين على قانون المحكمة الدستورية العليا، لهما الأثر البالغ على مدى استقلاليتها، أو منهجية عملها.

الأول- وهو ما جاء بالقانون رقم 78 لسنة 2019:

يُستبدل بنصي الفقرتين الأولى والثانية من المادة (5) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، النصان الآتيان:

يختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية العليا من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.

ويعين رئيس الجمهورية نائب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة.

ويقول عبد العال إن المحصلة الختامية من وراء هذا التعديل تكمن في جعل الأمر كاملًا بيد رئيس الجمهورية. وهو ما ينقص من استقلالية القضاء، ويجعلها مرهونة بإرادة السلطة التنفيذية. كما أنه ينأى عن معايير الحماية الدولية والحقوقية لاستقلالية السلطة القضائية وديمقراطية تشكيلها. تجاهلت تلك التشريعات حقيقة أن الشرعية القضائية تعتمد في المقام الأول على كون القضاة مستقلين ومحايدين.

الثاني- ما جاء بالقانون رقم 137 لسنة 2021:

التعديل الثاني -الذي يتطرق إليه عبد العال في ورقته- هو القانون رقم 137 لسنة 2021 والذي أضاف مادتين جديدتين إلى نصوص قانون المحكمة الدستورية العليا، وهما المادتان 27 مكرر، 33 مكرر، وقد جاء مصهما على ما يلي:

المادة 27 مكرر: تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة.

المادة 33 مكرر: لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27 مكرر أو الالتزامات المترتبة على تنفيذها، ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له، ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعى بمخالفته ووجه المخالفة وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة.

ويقول عبد العال إنه بهذا التعديل التشريعي أضافت السلطة اختصاصات جديدة توسّع من سلطات المحكمة لتشمل الرقابة على دستوريّة قرارات المنظّمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية الصادرة المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة. فوفقا لنصّ المادّة 33 مكرّر المُضافة حديثا إلى قانون المحكمة، يحقّ لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام الصادرة عن المنظّمات والهيئات الدولية، أو بالالتزامات الواردة على تنفيذها، على أن يبيّن في طلبه النصّ أو الحكم الدستوري المدّعى بمخالفته.

اقرأ أيضًا: تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا.. قراءات ودلالات

وهذا ما يعني أن بسط الرقابة القضائية على دستوريّة قرارات الهيئات والمنظّمات الدولية الصادرة في حقّ مصر، لا يمكن أن يُفهم إلّا أنه يمنح المحكمة الدستورية العليا سلطة الرقابة على تلك القرارات من الناحية الداخلية.

وهو الأمر الذي يخل بقيمة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مصر وصدر بموجبها أو بناء عليها قرار من أي هيئة من هيئات المجتمع الدولي، كما يتعارض هذا التعديل مع وظيفتها كمؤسّسة دستورية تعمل على فحص مدى توافق القواعد القانونية المختلفة، لا الأحكام والقرارات الدولية، مع الدستور الوطني.

وعليه، إذا رأت الحكومة أنّ نصّا في إحدى الاتّفاقيات الدولية لا يتوافق مع أحكام الدستور عليها أن تسْعى إلى تحريك دعوى قضائية تهدف إلى الحكم بعدم دستوريّة ذلك النصّ من الأساس، وليس محاولة تجميد هذا النصّ بالالتفاف حول آثاره والتنصّل من الالتزامات الناشئة عنه.

ويوضح الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا المستشار عوض المُرّ أهمّيّة الوحدة العضوية لنصوص المعاهدات الدولية، مؤكّدا أنّه “ينبغي النظر إلى المعاهدة الدولية على أنّ أحكامها تتكامل في ما بينها، وتنظّمها وحدة عضوية تجمعها، وأنّ التوافق على تنفيذ نصوصها في مجموعها، كان من العوامل الجوهرية التي أدخلتها الدول في اعتبارها عن إبرامها أو التصديق عليها أو الانضمام إليها، فلا تجوز تجزئتها بالتالي، بل تُعاَمل المعاهدة في تمام أحكامها.

كما أن المحكمة الدستورية العليا المصرية شأنها كما هو عليه الحال في القضاء الدستوري على مستوى العالم، في النظر في دستورية القوانين والتنظيمات الداخلية بما ينسجم مع أحكام الدستور. ومن هذا المنطلق، وعلى الرغم من أن مراجعة القوانين المتعلقة بالعلاقات الدولية هي من صلاحية المحكمة التي قامت بذلك في السابق، فإنه لا دور للمحكمة في مراجعة أحكام محددة صادرة عن مرجعيات أجنبية ودولية، وليس منطقيًا أن تقوم المحكمة بمثل هذه المراجعات نظرًا إلى أن هذه الأحكام تصدر خارج مصر عن هيئات ومؤسسات لا تخضع للقانون المصري.

ومن خلال هذه التعديلات، تُطلق مصر ممارسة أحادية في مجال المراجعة القضائية، وتمنح المحكمة الدستورية العليا سلطة وقف تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن مرجعيات قضائية خارجية. صحيحٌ أن هذه التعديلات لن تُغيّر شيئًا فيما يتعلق بإلزامية الحكم أو القرار أو عدم إلزاميته لمصر. ولكنها تؤمّن غطاءً للسلطات المصرية يُمكّنها من استخدام القانون الداخلي لتجنّب التقيّد بالالتزامات الدولية.