لا يخلو عالم الرياضة من أزمات العصر الحديث، وعلى الرغم من أن فلسفة الألعاب الرياضية التنافس بهدف أخلاقي وترفيهي. مثلما نصت القوانين واللوائح الأوليمبية، إلا أن الساحات الرياضية شهدت العنف والعنصرية حتى وصلنا إلى الابتزاز الجنسي.

بدأت تتوارى القيم اليراضية جانبًا في العقود الأخيرة مع سيطرة فكرة الصناعة ورأس المال. على هيئاتها وجميع اتحادات الألعاب الكبرى وكذلك دخول حسابات الرعاة والشركات. وباتت هي الموجه الأول لتلك الاتحادات. وغلبت كثيرًا على مبادئ الرياضة المثلى وأهدافها الأولى لجمع كل البشر على حزمة واحدة للارتقاء بسكان الكوكب.

ولفتت قضايا الابتزاز الجنسي البارزة والمتفشية في عالم الرياضة الانتباه العالمي.

انتشار واسع للابتزاز الجنسي بالرياضة

تم تسليط الضوء على الانتشار الكبير المقلق للابتزاز الجنسي في أحدث تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية. والتي أظهرت خلاله الدراسة الاستقصائية التي أجريت على الرياضيين في ألمانيا. وهي إحدى أربع دول إلى جانب رومانيا والمكسيك وزيمبابوي ركزت عليها هيئة الرقابة على الفساد. وجود حالات من العنف الجنسي في الرياضة المنظمة في الكثير من التقارير.

البداية كانت مع القضايا البارزة الأخيرة في رياضات مثل الجمباز وكرة القدم، أكدت على مدى تفشي الاعتداء الجنسي. ولكن هذه القضية لا تزال غير مبلغ عنها كثيرًا، الابتزاز الجنسي الذي يُعرف بأنه إساءة استخدام السلطة للحصول على منفعة جنسية. هو شكل من أشكال الانتهاك الجنسي والفساد، لم يتم الاعتراف به على نطاق واسع.

ولعل أبرز تلك الأمثلة عن هذه القضية بكرة القدم اللعبة الأكثر انتشارًا وشهرة بالرياضة حول العالم أجمع. هو قضية اللاعب الفرنسي الشهير كريم بنزيما نجم نادي ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا. عندما ابتز زميله بالمنتخب الفرنسي ماتيو فالبوينا جنسيًا حيث كان في علاقة غير شرعية مع عارضة أزياء جزائرية.

وقد لاقت تلك القضية انتشارًا وضجة واسعة وذهبت للمحاكم لسنوات طويلة قبل أن تتم تبرئة بنزيما منها ودفع غرامة فقط. ولكن الأثر الرياضي عليه كان عظيمًا حيث استبعد من منتخب بلاده لسنوات عديدة حرم خلالها من التتويج ببطولة كأس العالم 2018 في روسيا. قبل أن يعود بالعام الأخير فقط بعد براءته لتمثيل فرنسا من جديد.

سلطة القوة تفرض الابتزاز الجنسي

تقول ماري تشين رئيسة الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية للإذاعة الألمانية دويتشه فيله: “ما وجدته صادمًا هو أن قطاع الرياضة يوفر جميع الشروط اللازمة لاستمرار قضية الابتزاز الجنسي هذه. حيث تكون فوارق القوة هائلة، فهناك الكثير من الأطفال في مواقف هشة. وعلاقات المدرب والرياضي قريبة جدًا وعاطفية وجسدية بسبب طبيعة الرياضة، وللعلاقة قدرة على دعم أو كسر حياتك المهنية”.

ونظرا للتعريف الجديد نسبيًا للابتزاز الجنسي، اعتمد التقرير على الإحصائيات التي تم تجميعها حول الاعتداءات الجنسية في الوسط الرياضي. ووجد أنه منتشر في جميع التخصصات الرياضية بجميع أنحاء العالم.

ومع ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية وراء قرار منظمة الشفافية الدولية للتحقيق في الابتزاز الجنسي داخل قطاع الرياضة. هو الاعتقاد بأن القطاع لديه القدرة على توفير أساس للتغيير الحقيقي.

وأوضحت تشين قائلة: “نحن نعتبر أن لقطاع الرياضة دورًا رئيسيًا في تشكيل القيم. فالرياضة من حيث المبدأ تتعلق بالعدالة الاجتماعية، إنها تتعلق باللعب النزيه والجدارة”.

وعلى الرغم من أن العديد من الحالات التي تم استخلاص الإحصائيات منها، أظهرت أن الضحايا هم من الجنسين، إلا أن التقرير قد أكد أن الدراسات أثبتت باستمرار أن مرتكبي الاعتداء الجنسي هم من الرجال بأغلبية ساحقة.

التفاوت بين الجنسين بالابتزاز في الرياضة

تراوحت نسبة المسيئين من الذكور من 96 في المائة إلى 100 في المائة عبر دراسات مختلفة، مع انتقاد منظمة الشفافية الدولية ما وصفته بـ “الثقافة الذكورية المفرطة”. هذا إلى جانب عدم المساواة بين الجنسين من حيث الأجور والظهور وقلة النساء في المناصب التنظيمية للسلطة.

وأضافت تشين في هذا السياق: “الرياضة النسائية لا تحظى بالتقدير مثل الرياضة الرجالية، هناك فجوة كبيرة في الأجور بين الجنسين، وتمثيل ضئيل للغاية للرياضيات والنساء في أدوار القيادة والحكم، إلى جانب بقاء كبار السن في مناصب السلطة لعقود من الزمان، ممن ليس لديهم حافز لتغيير الوضع الراهن، وبالتالي فإن النظام يديم نفسه”.

كما تابعت سيلفيا شينك رئيسة الفريق العامل المعني بالرياضة في منظمة الشفافية الدولية بألمانيا، ذلك الحديث قائلة: “من بينج شواي في الصين التي تم التستر على تعرضها المزعوم للاعتداء الجنسي من قبل مسؤول حكومي كبير، إلى كايلي ماكنزي الأمريكية التي لم يعد لديها فرصة للمنافسة بعد تعرضها لمضايقات طويلة الأمد، وإساءة المعاملة من مدربها المعين من الاتحاد، وواجهت الكثيرات منهن عواقب نظام استغلالي ومتحيز ضد المرأة”.

كيف يتم الخروج من هذه القضية؟

قالت شينك في بيان للخروج من تلك الأزمة: “لوقف الانتهاكات، يجب على المنظمات الرياضية والحكومات التحرك، يتمثل خط الدفاع الأول في منع الانتهاكات قبل حدوثها بثقافة شفافة وأطر وقائية قوية، بما في ذلك التثقيف بشأن الابتزاز الجنسي وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي، فضلاً عن التداعيات الأوسع للتمييز على أساس الجنس”.

وتضمن التقرير سلسلة من التوصيات ولأول مرة فيما يتعلق بالابتزاز الجنسي، ركزت منظمة الشفافية الدولية بشكل خاص على الوقاية، على الرغم من أن العديد منها عبارة عن اقتراحات طويلة الأجل، فقد كررت تشين الحاجة الملحة لبدء التغيير بسرعة.

وقالت: “خلال بحثنا سمعنا الكثير من القصص المرعبة عن تحطم أحلام كثيرة، الأمر لا يتعلق فقط بالاعتداء الجنسي، بل يتعلق أيضًا بكيفية تلقي تقارير الاعتداء الجنسي وإسكات الناجين”.

وختمت حديثها قائلة: “حان الوقت لتغيير ثقافة الصمت والإفلات من العقاب على كافة أشكال الإساءة في الرياضة، يجب على المنظمات الرياضية والحكومات والمجتمع المدني التعامل مع الانتهاكات على محمل الجد والعمل الآن لوقف الابتزاز الجنسي”.