تُعدّ القدرة على تشكيل النقابات والانضمام إليها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وأحد أهم مفردات الحق في التنظيم، ويمكن للنقابات العمالية أن تلعب دورًا حيويًا في تمثيل العمال المهاجرين ودعمهم. مع ذلك، تواجه النقابات قيودًا متفاوتة، قانونيًا وعمليًا، تمنعها من لعب هذا الدور، وقد يصعب على العمال المهاجرين الوصول إلى مستويات الحماية النقابية نفسها مثل المواطنين. يلي تحليل لمدى توفير الحكومات مساحة للنقابات العمالية لتلعب دورًا نشطًا في حماية العمال المهاجرين، وكيف يؤثر ذلك على نتائج العمال. تؤكد المبادئ العامة والإرشادات التوجيهية التشغيلية من أجل الاستخدام العادل الخاصّة بمنظمة العمل الدولية على ضرورة مشاركة المنظمات العمالية و”الشركاء الاجتماعيين” (بما في ذلك النقابات) في جميع العمليات التنظيمية الرئيسية، واحترام الاتفاقات الثنائية للاتفاقات الجماعية القائمة.

ويعتبر حرية تأسيس النقابات والانتماء النقابي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها القوانين الدولية، وأكدتها التشريعات والقوانين، كنتاج طبيعي لمراحل النضال، والكفاح، والصراع المرير الذي خاضته الحركات العمالية تاريخياً، الى أن بدأ الاعتراف رسمياً في بريطانيا وفرنسا بالنقابات العمالية في أواخر القرن الثامن عشر، ومن ثم توالى الاعتراف بعد ذلك في وغيرها من بلدان العالم أوربا.

وتعد الحرية النقابية وحق التنظيم من المبادئ الأساسية الهادفة إلى ممارسة العمال وأصحاب العمل بحرية ودون تمييز، حقهم في الانضمام معا وذلك من أجل الدفاع عن مصالحهم والتقدم بها. وعليه يحق للعمال ولأصحاب العمل إقامة المنظمات أو الانضمام إلى منظمات من اختيارهم. وتتمتع هذه المنظمات بمجموعة من الحقوق أهمها: أ- وضع دساتيرها وأنظمتها الداخلية؛ ب- انتخاب ممثلين عنها في مناخ من الحرية التامة؛ ج- تنظيم إدارتها وأنشطتها وصياغة برامجها؛ د- الحماية من الحل أو التعليق من قبل السلطات الإدارية؛ ه- الانضمام إلى الاتحادات أو تشكيلها. وينبغي حماية العمال من التمييز الناتج عن محاربة التنظيم النقابي، وحمايتهم خصوصا من إمكان عدم استخدامهم بسبب انتمائهم النقابي أو قيامهم بأنشطة في إطار النقابات. كما ينبغي أن تتمتع منظمات كل من العمال وأصحاب العمل بالحماية من تدخل هذا الطرف أو ذاك بشؤون الآخر، تدخلاً يتخذ شكل الترويج للسيطرة أو التمويل أو التسلط.

ولا يقف أمر الحرية النقابية عند حد النقابات العمالية، بل يمتد ليشمل النقابات المهنية، والتي تنظم وتعبر عن مصالح ذوي المهنة الواحدة كنقابة لمحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين، وقد شهدت العقود الأخيرة تطور هائل في الدور المجتمعي الذي تلعبه تلك النقابات المهنية، على نحو باتت معه السلطة العامة في البلاد تضع حسابات خاصة لتلك النقابات في موازينها، وهو ما دفعها في بعض الأحيان إلى التضييق على ذويها في الممارسات السياسية أو الممارسات العامة، والتدخل في لعبة الانتخابات عن طريق تابعي السلطة والموالين لها، حتى تضمن ان يكون لها دوراً بارزاً ومؤثراً على الممارسات النقابية داخل كل تنظيم نقابي، بما يضمن لها أن تكوت السياسات النقابية متماشية مع ما تسعى السلطة إليه، وهو الأمر الذي يشكل تدخلاً بطريقة أو بأخرى على طريقة ممارسة النقابات لعملها، أو تدخلاً في شئونها الداخلية، وهو ما يبعدها عن كل السبل الديمقراطية، التي تبتغيها الاتفاقيات والمواثيق الحقوقية، أو أنها تكون الغاية المثلى لكافة التنظيمات التشريعية والدستورية.

فإنه من الأجدر ألا تتدخل الدولة في الشؤون النقابية بأي سبيل من السبل التي تعرقل من مسيرة العمل النقابي أو تحد من الحريات النقابية، وأن يقف دور السلطة عند حد حراسة وحماية ممارسة الحريات النقابية، ولا تتخذ من سيطرتها على مقدرات التشريع سبيلاً للتضييق على الحريات النقابية، وقد أكدت على ذلك المعنى وأكثر المحكمة الدستورية العليا في الكثير من الأحكام المتعلقة بذلك المتن، منها الحكم رقم 77 لسنة 19، والذي جاء فيه أنه “حيث إن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها، بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية وأحوال اندماجها في غيرها، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم مخالفا لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوبا وحيدا ينبسط على نشاطها ويكفل بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها، بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم أو توجهاتهم فلا يجوز بوجه خاص إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لوظائفها ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقا على قبولها الحد من ممارستها ولا أن يكون تأسيسها موقوفا على إذن من الجهة الإدارية ولا أن تُحِلَّ هذه نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها”.

أخيراً فإن التجارب النقابية على المستوى الدولي والعربي تؤكد على أهمية الحفاظ على حرية التنظيم النقابي واستقلاليته، وضرورة منحه الحريات والحقوق التي تكفل له الأرضية السليمة لممارسة العمل النقابي بشكل ديمقراطي وحر، وبدون التدخل في شؤونه وتقييد حريته، بهدف النهوض بالواقع العمالي أو المهني، بما يساهم بالمشاركة الفعالة في رسم السياسات الوطنية الاجتماعية والاقتصادية وبناء أسس الدولة المدنية الحديثة، في ظل تنامي الجهود الوطنية للبناء والتحرر وقيام الدولة القانونية، انسجاماً مع المعايير والقوانين والتشريعات الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان؛ ولتحقيق ذلك لا بد من إيمان كامل والتزام تام من السلطة  وكافة مكونات المجتمع المدني بكافة المبادئ الحقوقية ومنها حق حرية التنظيم النقابي وصولاً لمجتمع ديمقراطي مدني متحضر.