حصل الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة على درجة الماجستير من جامعة هولي صوفيا القبطية الأرثوذكسية بالولايات المتحدة الأمريكية. منذ أيام بعد أن قدم رسالة بعنوان “تدبير الخلاص.. دراسة كتابية، آبائية، ليتورجية، وقانونية”. وأعلنت الجامعة أن الأسقف حصل على درجة الماجستير بتقدير امتياز وسط موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد تلك الدرجة العملية.
لماذا أثارت جامعة هولي صوفيا الجدل؟
يتطلب الحصول على درجة الماجستير في البداية أن ينتسب الطالب لجامعة معترف بها في جهات الاعتماد الرسمية والقانونية في الدولة. التي تقام تلك المنشأة العلمية على أرضها وإلا أصبحت الدرجات العلمية الصادرة عنها مجرد حبر على ورق. بينما يؤكد الموقع الرسمي لجامعة هولي صوفيا القبطية أنها تأسست في يوليو ٢٠١٩. وهي جامعة معترف بها من المجمع المقدس ويرأسها البابا تواضروس الثاني ونائبه الأنبا ديفيد.
ما ذكره الموقع الرسمي للجامعة يؤكد أن هولي صوفيا القبطية الأرثوذكسية جامعة غير معترف بها. ولا تمنح شهادات أكاديمية رسمية. فالمجمع المقدس للكنيسة القبطية ليست جهة اعتماد أكاديمي ولا يمنح درجات علمية. بل ويؤكد موقع الجامعة “جاري اعتمادها، فأي جامعة كي يتم اعتمادها يلزمها عدد من الباحثين الذين قاموا بمناقشة رسائل ماجستير ودكتوراة بها”. وهو أمر يخلو من الصحة بل ومن المنطق فكيف لجامعة غير معترف بها رسميًا أن تمنح درجات علمية مسبقًا. لكي يتم الاعتراف بها مستقبلًا وكأنها تضع الحصان قبل العربة.
منظومة التعليم الكنسي.. شهادات لا تعترف بها إلا الكنيسة القبطية
تتسق جامعة هولي صوفيا القبطية الأرثوذكسية مع منظومة التعليم الكنسي في مصر. فالكنيسة القبطية تضم عددا غير قليل من الكليات اللاهوتية والإكليريكية التي تمنح درجات علمية لا يعترف بها أحد. فشهاداتها غير معتمدة لا من المجلس الأعلى للجامعات ولا من أي من الجهات البحثية والأكاديمية المتخصصة في الدراسات اللاهوتية. الأمر الذي دفع البابا تواضروس الثاني للتأكيد أكثر من مرة على رغبته في تنظيم المعاهد الكنسية واعتمادها أكاديميًا. كذلك فإن الأمر ينسحب على طاقم التدريس وأعضاء هيئة التدريس بهذه المعاهد الكنسية. فهناك عدد غير قليل من أساتذة هذه الكليات الإكليريكية من الأساقفة والرهبان والقساوسة الذين مارسوا اللاهوت دون الحصول على درجة علمية. الأمر الذي تسبب في تفاقم الأزمات في منظومة التعليم الكنسي برمتها.
لجنة مناقشة الأنبا رافائيل.. أساتذة بلا دكتوراه
لم تخل لجنة مناقشة الأنبا رافائيل من هذه المشكلات فقد أعلنت الجامعة أن لجنة المناقشة تتألف من أربعة أساتذة منحتهم جميعا لقب أستاذ دكتور. حيث ترأس اللجنة القمص أبراهام عزمي وبعضوية الراهب بنيامين المحرقي، دكتور فايز سدراك، أ.د. جرجس بشرى.
أما موقع جامعة هولي صوفيا نفسه فيؤكد أن القمص إبراهام عزمي مازال طالب دكتوراة وكذلك الراهب بنيامين المحرقي. أما فايز سدراك فهو خادم بأسقفية الشباب ومهندس ولم يحصل على درجة دكتوراة. ويظل جرجس بشرى الوحيد الحاصل على الدكتوراه من بين لجنة المناقشة تلك التي لا يحق لها منح درجة الماجستير بأي حال. إذ يستلزم منح درجة تعليم فوق العالي أن يكون جميع أعضاء اللجنة من الحاصلين على درجة الدكتوراه وكذلك درجة الأستاذية هي أعلى درجة علمية جامعية يحصل عليها حامل الدكتوراة بعد التقدم بأبحاث جديدة تعرض على لجنة لاجتيازها.
بينما لا يتمتع عنوان رسالة الماجستير تلك بأي صفة علمية أو أكاديمية إذ يطرح قضية عامة وهي تدبير الخلاص ليدرسها في أربعة مباحث. وهي القانون والليتوروجيا والآبائيات والدراسات الكتابية وهو أمر يعرف كل طلاب الماجستير أنه يتنافى مع الدقة العلمية. التي تتطلب سؤالًا بحثيًا دقيقًا ومحددًا يجيب عليه الطالب أو الباحث في رسالته فلا يمكن أن تكتب رسالة ماجستير عن حرب أكتوبر مثلًا. فسيعترض مشرف الرسالة مباشرة ليسأل أي جانب في جوانب الحرب تريد أن تكتب عنه؟ فإذا قلت في أثر الحرب على دولة إسرائيل، ستعود مرة أخرى لتحدد ما يعنيه ذلك وينتهي الأمر بعنوان أكثر تحديدًا ليصبح “أثر حرب أكتوبر على دولة إسرائيل كما رصدتها الصحافة الإسرائيلية في الفترة من كذا إلى كذا”. وهو الأمر الذي لا يعرفه الأنبا رافائيل الذي مارس أستاذيته على أعضاء اللجنة من غير الأساتذة وفي غياب الأكاديميا كما يقول مارك فلبس الباحث الأرثوذكسي.
رسالة لمقاومة البروتستانت
في مناقشته لرسالته تلك قال الأنبا رافائيل إن اهتمامه ومجهوده في الدراسة كان لمقاومة البروتستانت المشككين في العقيدة الأرثوذكسية. ثم اتجه بعد عام ٢٠١٢ لمقاومة المشككين من داخلها، وهو أمر أخر يطيح بعلمية الرسالة التي جرى توجيه أهدافها ونتائجها مسبقًا.
لماذا يرغب الأنبا رافائيل في الحصول على درجة علمية؟
يبدو الأنبا رافائيل راغبًا في تزيين لقبه الكهنوتي بدرجة علمية وهو أمر يتضح من تصريحه “وجهت جهودي لمقاومة المشككين في العقيدة من داخل الكنيسة بعد ٢٠١٢”. إذ يشير التاريخ الذي اختاره إلى العام الذي صعد فيه البابا تواضروس سدة كرسي مارمرقس كبابا للكنيسة. بعد أن أزاح الأنبا رافائيل منافسه في الانتخابات بالقرعة الهيكلية.
في سنوات البابا تواضروس تغيرت الكنيسة وصعد التيار الإصلاحي الذي كان مبعدًا أيام البابا شنودة ليتولى المناصب الكنسية العليا. وليعبر عن أفكاره على المنابر بالتوازي مع ظهور جيل جديد من شباب الدارسين في الداخل والخارج حصلوا على درجات علمية من جامعات أوروبية ورسمية معترف بها. بدأوا في مساءلة التيار التقليدي وأفكاره اللاهوتية لاسيما الأنبا رافائيل الذي وجد نفسه بلا حجة علمية يجاري بها هذا التيار الجديد. فذهب إلى جامعة هولي صوفيا ليحصل منها على درجة الماجستير ليتمترس خلفها ويتمتع بأستاذيته مدعومًا بدرجة أكاديمية.
لا تعرف الأكاديميا الغربية النتائج المسبقة والقناعات الثابتة التي يتمتع بها الأنبا رافائيل. فلا يمكن أن تحصل على درجة علمية لأنك تريد أن تحارب البروتستانت أو تنتصر للأرثوذكسية القبطية. مقابل عقائد الأخرين بل تخضع كل الرسائل العلمية للفحص والتدقيق وتتمتع بدرجة عالية من النزاهة والحياد المدعوم بالمصادر الأكاديمية. ومن ثم لن يجد الأنبا رافائيل ضالته في ذلك فلجأ إلى جامعة قبطية لا وجود رسميا لها ليحصل منها على درجة ماجستير تتسق مع قناعاته المسبقة.