كتبت – سارة الأمين وأحمد صوان:

في مجموعة من أوراق رصد السياسات ذات التوثيق المستندة على تقارير ودراسات مراكز فكرية وبحثية، نشر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) عرضًا يضم سجالًا محتشدًا ومزدحمًا من محطات ووقائع السياسة الإماراتية إزاء السودان والسودانيين. وقد تجلت هذه المحطات والوقائع على صعيد الداخل السوداني، وفي الموقف من المتغيرات التي اجتاحت هذا البلد. وأدت إلى زوال حكم الرئيس السابق عمر البشير، وما أعقب حكمه من نجاح قوى التغيير والثورة في الوصول للحكم، بالتشارك مع قادة الجيش السوداني، ومرورًا بنجاح العسكريين في اطاحة المكون المدني من السلطة. وصولًا إلى رصد دور الإمارات المحوري والأساسي في الدفع بالسودان والسودانيين في أتون الحرب في اليمن.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

يبرز العرض التوثيقي الدور السلبي للإمارات في دفع السودان على طريق النكوص عن الطريق الديمقراطي، الذي تلا إطاحة البشير، وانتهاج أبوظبي مسارًا قائمًا -في جزء أساسي منه- على خداع كثير من السودانيين. ذلك بدفعهم للتورط في الحرب اليمنية والمشاركة فيها، بتواطؤ وموافقة شخصيات سودانية نافذة.

في رحلتها استعراضًا لما وثقته الدراسات والأبحاث حول دول الإمارات المحوري في السودان، تنتقل ورقة “دام” ما بين محطات علاقة أبو ظبي بالخرطوم بدءًا من انقلابها على البشير مرورا بالتطبيع والتواصل مع مع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الرجل الثاني في السودان حاليا، واستخدام المال الموجه لخدمة المصالح الإماراتية في هذا البلد العربي الإفريقي المتوتر، انتهاءً بدعم الحرب في اليمن مقابل تمويل ودعم القمع المستمر في السودان واستخدام وتحويل الشباب السوداني إلى مرتزقة.

فالإمارات لم تقطع يومًا العلاقات مع السودان. لكنها بدلت دعمها من البشير إلى غيره، حسب المصالح المتغيرة. رغم أن الرئيس السابق كان واحدًا ممن تبنوا فكرة التحالف العربي خلال الحرب التي قادتها وتقودها الإمارات والسعودية في اليمن.

الإمارات والتخلي عن البشير

في عام 1993، تولى عمر البشير رئاسة السودان رسميًا. بعدما قاد انقلابًا مدعومًا من التيار الإسلامي على رئيس الوزراء الصادق المهدي في 30 يونيو/حزيران 1989. وقتها، جمع البشير بين رئاسة الجمهورية والوزراء، ليقضي أكثر من ثلاثين عامًا كواحد من أكبر الديكتاتوريين في الشرق األوسط. ذلك إلى أن انتهى حكمه في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018.

خلال فترة حكم البشير، وصفته الولايات المتحدة بأنه أحد أبرز رعاة الإرهاب في العالم. وفرضت على بلاده حصارًا اقتصاديًا استمر لعام بعد رحيله عن السلطة. ليخلفه رئيس المجلس الانتقالي (مجلس السيادة السوداني) اللواء عبد الفتاح البرهان، وإلى جواره اللواء محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي” قائد قوات الدعم السريع.

تعود علاقة الإمارات القوية بجنرالات البشير، إلى تصميم الرئيس على الخروج من السياج المرسوم من قبل الخليج. هنا، صار البشير مصدر إزعاج، بعد أن أعلنت الإمارات، والسعودية، ومصر، والبحرين، في عام 2017 مقاطعتها الاقتصادية والدبلوماسية لقطر بسبب دعمها للإسلاميين. وقد أدى رفض البشير الانضمام لهذه المقاطعة بالإمارات فيما بعد إلى وقف إمدادات الوقود والمساعدات المالية للسودان في عام 2018. وهو ما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي كانت تغذي الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة لنظامه.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

الاقتصاد وإضعاف البشير

كان قطع الكهرباء الخطوة الأولى للدولة الخليجية نحو دعم تغيير النظام. حتى لو لم يعد أمامها سوى استبدال الرئيس بنظام يسيطر عليه الجيش بدلًا من الجماعات السياسية والساسة.

ولم تجد التطلعات التي ملأت أذهان شيوخ الإمارات من يمثلها أكثر من اللواء عبد الفتاح البرهان، واللواء محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع سيئة السمعة. التي تربطها علاقات طويلة الأمد بأبوظبي والرياض.

نجح الرجلان في إبراز نفسيهما على أنهما حصنًا مناهضًا للإسلاميين. بينما أظهر الإماراتيون في وقت مبكر دعمهم لإسقاط البشير في اتصالات، كشف النقاب عنها في عام 2019، مع عناصر من المعارضة والقوات المسلحة.

وفي وقت كان الجيش والقوات شبه العسكرية يفكران في الإطاحة بالرئيس والاستيلاء على السلطة. افترض المسئولون الإماراتيون أن الجيش وقوات الدعم السريع ستظهر كقوة مهيمنة في السودان الجديد.

وبالتوازي مع الاتفاق بين الجنرالات والشيوخ، أجرى رئيس المخابرات السودانية، صالح قوش، زيارة إلى المسجونين المعارضين للبشير في نفس الوقت تقريبًا، لطلب دعمهم لتغيير يديره الجيش.

وقتها، قال قوش للقادة المسجونين إنه “جاء لتوه من أبوظبي، حيث تم طمأنته بأن الإمارات ستدعم الإطاحة بالبشير. من خلال إعادة تزويد البلاد بشحنات الوقود، وتقديم المساعدة المالية للحكومة الجديدة.

في الدراسة التي نشرتها مؤسسة Gate Research في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. أشار الباحث جيمس دورسي، إلى رفض قادة الإمارات المتكرر لـ”الديمقراطية باعتبارها نموذجًا مناسبًا للحكم” في السودان. لكن، لم يمنع ذلك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن -التي علقت 700 مليون دولار من المساعدات للسودان في أعقاب الانقلاب العسكري الأخير- من الاعتماد على الإمارات للضغط على القادة العسكريين في البلاد لإعادة الهيكل الانتقالي.

وانسجاما مع ذلك، يُعتقد أن الإمارات “أقنعت الجيش بالإفراج عن رئيس الوزراء المخلوع عبد الله حمدوك، الذي كان الانقلابيون قد احتجزوه في البداية.

التطبيع أهم

تحولت الأمور بسرعة إلى تعزيز المصالح الإماراتية، بغض النظر عن مدى تأثير ذلك على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في السودان.

كان أحد الأهداف المباشرة للهيمنة الإماراتية، هو تسهيل اعتراف السودان بإسرائيل، لتكون على خطى الإمارات -رائد العلاقات الدبلوماسية الحديثة مع الدولة العبرية- رغم معارضة كثير من النخبة السياسية وشرائح كبيرة من الجمهور. وهو ما تضمن توسيع الفجوة بين الجناحين العسكري والمدني لهيكل الحكم الانتقالي في السودان. ذلك بعد أن رتبت الإمارات عقد اجتماع سري في أوغندا في فبراير/شباط 2020 بين رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- بنيامين نتنياهو. دون إشراك الشريك المدني، رئيس الوزراء السوداني حمدوك.

وقد تزامن مع هذا النجاح النسبي في تسهيل الإمارات لعلاقة سودانية- إسرائيلية، تراجع الإمارات عن سداد كامل حزمة مساعداتها بعد البشير. وكانت تبلغ 3 مليارات دولار. ما مثل خطوة نحو تقوية يد الجيش والجنرال حميدتي، على حساب النهج المدني لهيكل الحكم. فبدلًا من تسوية ساحة اللعب، ضمنت أبوظبي أن الجيش لن تكون لديه مصلحة راسخة في التحول الديمقراطي. والذي من شأنه أن يضع أصحاب الزي العسكري تحت السيطرة المدنية، ويحد من قدرتهم على تحويل إيرادات الدولة إلى حسابات في البنوك الإماراتية.

الدكتور جيمس دورسي صحفي حائز على جوائز، وكبير زملاء مدرسة إس راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة. وهو أيضًا زميل باحث أول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

حميدتي والإمارات والمرتزقة

في يونيو/حزيران من العام 2019 نقلت وكالة الأناضول عن الجنرال حميدتي -نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان- قوله إن ما يصل إلى 30 ألف جندي سوداني يقاتلون إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وتفاخر في خطاب ألقاه في مدينة عبري بضواحي الخرطوم، بأن “القوات السودانية هي الأكبر بين التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن”.

وفي تصريح لوكالة رويترز، قال عضو البرلمان السوداني حسن عثمان رزق -الذي قاد حملة لسحب القوات من اليمن- إن قرار إرسال القوات هناك “غير قانوني”. لأن المشرعين لم يوافقوا عليه. وأضاف: “القوات السودانية تتمركز على جبهات قتال ساخنة. وبالتالي، فهي تتكبد خسائر أكبر”. وتابع -في إشارة إلى السعودية والإمارات: “السودان لم يستفد اقتصاديًا من المشاركة على عكس الدول -الأخرى- التي لم ترسل قوات لكنها تحصل على دعم مالي”.

وفي مقال تحليلي في 2019، أوضح جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي ومؤسس Analytics State Gulf في واشنطن، أنه بالرغم من عدم تشكيل تمرد الحوثي في اليمن أي تهديد لأمن السودان أو مصالحه الوطنية. لكن السودان لعب دورًا مهمًا في الصراع منذ إطلاق الحملة الإماراتية-السعودية المستمرة في اليمن في مارس/آذار 2015 مشيرًا إلى جلبهما لقوات سودانية تتمتع بخبرة قتالية في دارفور وأجزاء أخرى من بلادهم.

وأشار كافيرو إلى أنه -حتى وقت المقال- هناك ما بين 8000 و14000 مرتزق سوداني على الأراضي اليمنية. بمن فيهم الجنود الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا. وهم يشاركون من أجل المال. حيث “تقاتل القوات شبه العسكرية السودانية في الحرب اليمنية بسبب مشاكلها الاقتصادية الأليمة في الداخل وحاجتها لكسب الدخل”.

وأكد المحلل الأمريكي أن دول الخليج عمدت إلى تعويض المرتزقة السودانيين والأطفال الجنود بما يصل إلى 10 آلاف دولار لكل منهم للدخول في القتال “كوقود للمدافع في صراع نتجت عنه أسوأ أزمة إنسانية مستمرة في العالم”. كما فتح السودان حدوده أمام المرتزقة من الدول الأفريقية الأخرى للانضمام إلى القتال في اليمن.

الحرب مقابل القمع

يتابع كافيرو بأن “دول الخليج العربي، التي تشن حربًا في اليمن، تدرك أن وجود حكومة مدنية في الخرطوم يعني الانسحاب على الأرجح من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن.

وهو يرجح أن يستخدم السعوديون والإماراتيون نفوذهم المالي على حكام السودان العسكريين. ذلك لضمان استمرار المزيد من المرتزقة السودانيين والأطفال الجنود في القتال ضد المتمردين الحوثيين. وفي الوقت نفسه، فإن الدعم الذي تقدمه دول الخليج للمجلس العسكري الانتقالي. سيشجع السلطات العسكرية السودانية في مواصلة حملتها على النشطاء والمعارضين، وجماعات المعارضة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نشرت Watch Rights Human تقريرًا عن عدة مقابلات مع عدد من الشباب السوداني. وكان هؤلاء ممن تم توظيفهم في شركة “بلاك شيلد” الإماراتية كحراس أمن ثم تحولوا مقاتلين فيما بعد. وتُعرف هذه الشركة بأنها “بوابة المرتزقة” إلى اليمن.

وبتتبع هذه الشركة فإنها مسجلة في “دائرة التنمية الاقتصادية” بأبوظبي كمؤسسة فردية وشركة ذات مسئولية محدودة. وهي مُدرجة على الموقع الإلكتروني لحكومة أبو ظبي كشركة خدمات أمنية تأسست عام 2019.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا