في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شرفة البيت الأبيض. مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيرا خارجية الإمارات والبحرين. للكشف عن أحد أبرز إنجازات إدارته في السياسة الخارجية، وهي “اتفاقيات إبراهيم“. حيث أصبحت الدولتان أول من يعترف بالدولة العبرية في الخليج العربي.
منذ ذلك الوقت، قام السودان والمغرب أيضًا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ووقعت الإمارات اتفاقية تجارية مع إسرائيل. كان هذا الشرخ الجديد في الجدار العربي لافتاً للنظر. في ضوء الالتزام العربي، الطويل الأمد، “تحديدا على المستوى الشعبي” بحجب الاعتراف السياسي. حتى توافق إسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضي العربية، والامتثال للقانون الدولي.
بعد ذلك، سعت إسرائيل لتعميق العلاقات التي أطلقتها الاتفاقيات، فاستضافت في مارس/أذار، قمة النقب، التي جمعت ممثلين عن البحرين ومصر والمغرب والإمارات والولايات المتحدة. في الاجتماع، ذكّر وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكين، الحاضرين بأن “التطبيع العربي ليس بديلاً عن حل سياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
ولكن، رغم أن آخرين أشاروا إلى السلام الفلسطيني- الإسرائيلي في ملاحظاتهم المعدة مسبقًا. فإن الموضوع نفسه لم يكن على جدول الأعمال. لم تتم دعوة الفلسطينيين حتى إلى ذلك التجمع. بينما الأردن والمملكة العربية السعودية -وهما لاعبان لهما دور أساسي في التوسط في حل الدولتين- غابتا عن الاجتماع بشكل كان ملحوظا.
اقرأ أيضا: “اتفاق إبراهيم”.. التطبيع العربي-الإسرائيلي قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط
إعادة توجيه انتباه العالم
عندما وقعت الإمارات على اتفاقيات إبراهيم، أعلن السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة. أن “النتيجة الفورية والأكثر أهمية للاتفاق، كانت تعهد إسرائيل بتعليق ضمها المزمع للأراضي الفلسطينية. والسعي لتحقيق سلام تفاوضي”. ومع ذلك، استمر ضم الأراضي بلا هوادة. بينما تخلّى الإسرائيليون تقريبًا عن المحادثات مع الفلسطينيين.
في ورقة سياسات كتبتها زها حسن، المستشار القانوني السابق لفريق التفاوض الفلسطيني بالأمم المتحدة. ومروان المعشر وزير خارجية الأردن، ونائب رئيس الوزراء الأسبق “نشرت اليوم 7 يونيو الجاري في مجلة فورن آفيرز” أشارا إلى حقيقة أن الاتفاقات لم تدفع السلام في الشرق الأوسط. لأن هدف إسرائيل من توقيعها كان إعادة توجيه انتباه العالم، بعيداً عن احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، وليس إنهائه.
يقولان: بدون مشاركة دولية، سيستمر تهجير الفلسطينيين، واستيلاء إسرائيل على الأراضي. مثلما قضت المحكمة العليا الإسرائيلية، في أوائل مايو/أيار. بإمكانية هدم ثماني قرى في الضفة الغربية ، وطرد مئات السكان، حتى يتمكن الجيش الإسرائيلي من استخدام المنطقة كمنطقة إطلاق نار.
وأضافا: إن العنف اليومي الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي، يحدث إلى حد كبير دون احتجاج دولي. بل، إن انتقاد الولايات المتحدة للشرطة الإسرائيلية، لمهاجمتها المعزين في جنازة الإعلامية الفلسطينية/ الأمريكية شيرين أبو عاقله. هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة. المسرح مهيأ لأن يصبح الوضع متقلبًا بشكل متزايد في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. وسيرفض الفلسطينيون إرجاء حقوقهم الأساسية إلى أجل غير مسمى.
الطفرة الاستيطانية
سمحت اتفاقيات إبراهيم لعدد متنام من الدول العربية. بالتعاون -علناً- مع إسرائيل في المسائل الأمنية والاقتصادية. دون اشتراط وقف إسرائيل لبناء المستوطنات. في ظل إدارة ترامب، تمت الموافقة على بناء ضعفين ونصف من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية. بالضبط كما كان خلال الولاية الثانية لإدارة أوباما. ومن المقرر أن يستوعب العمل في أنظمة الطرق والبنية التحتية مليون مستوطن إضافيا. وفقًا لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية.
هذه الطفرة الاستيطانية نتيجة طبيعية لخطة ترامب “السلام من أجل الازدهار”. وهي اقتراح لتسوية إسرائيلية- فلسطينية سبقت اتفاقات إبراهيم. وضعت الخطة بالتعاون الوثيق مع الحكومة اليمينية في إسرائيل، وقدمت خارطة طريق لكيفية احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الدائمة على الضفة الغربية.
تقول زها والمعشر: ما أطلق عليه ترامب اسم “صفقة القرن” كان سيحل جميع قضايا الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين لصالح إسرائيل. سيكون لإسرائيل السيادة على الضفة الغربية، ولن يُسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم. ستبقى المستوطنات التي ستقع في حدود الدولة الفلسطينية الجديدة تحت السيطرة الإسرائيلية. وستكون للدولة العبرية القدس بأكملها عاصمتها الحصرية.
باستثناء عدد قليل من المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان، كانت المشاريع المتصورة في إطار الخطة. ستسمح لإسرائيل بالتجريف بعد الخط الأخضر المعترف به دوليًا، الذي يفصلها عن الأراضي المحتلة. لإنشاء “إسرائيل الكبرى” معززة بكابلات الاتصالات الممولة من المانحين، وخطوط أنابيب الغاز، والرحلات السياحية وشبكات النقل.
اقرأ أيضا: تيران وصنافير على جدول أعمال بايدن.. خطوة للتقرب من ولي العهد السعودي
لا توجد مصلحة في صنع السلام
عندما رفض الفلسطينيون -كما هو متوقع- العيش بدون حقوق سياسية أو مدنية تحت القهر الإسرائيلي الدائم. فتحت اتفاقيات إبراهيم الباب الخلفي السياسي لتنفيذ الخطة دون إذعان فلسطيني. كما شجعت الاتفاقية القوميين المتطرفين في إسرائيل -لا سيما في القدس- واشتبك الفلسطينيون وقوات الأمن الإسرائيلية بشكل متكرر في ساحة الأقصى.
كانت سياسة الوضع الراهن، في جوهرها، هي أن “المسلمون يصلون، غير المسلمين يزورون”. ومع ذلك، تتزايد صلاة اليهود علانية هناك. بدورهم، لم يكن المسيحيون في القدس محصنين ضد عدوان المستوطنين الإسرائيليين. فقد قام المستوطنون بمضايقة المسيحيين، وعرقلوا وصولهم إلى الأماكن المقدسة دون عقاب. ووضعت إسرائيل قيودًا على حضور الفلسطينيين المسيحيين في قداس عيد الفصح الأخير في كنيسة القبر المقدس.
كل هذه الأحداث تشير إلى أنه لا توجد مصلحة في صنع السلام بين أروقة القيادة الإسرائيلية. فبينما أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت. عن انفتاحه على منح المزيد من التصاريح للفلسطينيين للعمل في إسرائيل. ولبعض المتزوجين للإقامة بشكل قانوني في الضفة الغربية. فقد رفض فكرة إجراء محادثات مع الفلسطينيين. لكن -كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي- بيني جانتس في فبراير/شباط “لا ينبغي للفلسطينيين أن يتوقعوا دولة كاملة نتيجة لذلك. حتى لو استؤنفت محادثات السلام”.
تشير الأحداث اللاحقة إلى بدء انتفاضة تذكر بالانتفاضة التي بدأت في عام 2000. عندما انهارت المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية. وزار أرييل شارون مجمع المسجد الأقصى في حملته لانتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أقر الجيش الإسرائيلي بسياسة “إطلاق النار للقتل”. تجاه رماة الحجارة الفلسطينيين وغيرهم ممن لا يشكلون أي تهديد مباشر. لا عجب أن قُتل ما يقرب من 50 فلسطينيًا بين يناير/ كانون الثاني ومارس/آذار، بزيادة قدرها خمسة أضعاف عن نفس الفترة من العام السابق. وقتل فلسطينيون مسلحون -من مواطني إسرائيل وسكان الضفة الغربية- 18 شخصًا داخل إسرائيل، حيث كان لدى الإسرائيليين إحساس بالأمن.
تسخير أمريكا من أجل اتفاقيات إبراهيم
أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه القوي لحل الدولتين واتفاقيات إبراهيم. مع ذلك، فقد ترك سياسات سلفه، التي تتعامل مع المستوطنات في الضفة الغربية على أنها جزء من أراضي إسرائيل السيادية. لكن البند السياسي الوحيد على جدول الأعمال الذي تحرص إدارة بايدن على التراجع عنه في عهد ترامب. هو إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس.
لم تتوانى إدارة بايدن عن إعطاء الأولوية لآلية تشريعية تعود إلى عهد ترامب. لتعزيز الاتفاقات التي قد تضفي الشرعية على المستوطنات غير القانونية. في ديسمبر/ كانون الأول 2020، أقر الكونجرس قانون “نيتا لوي” للشراكة في الشرق الأوسط من أجل السلام. لتوجيه التمويل الأمريكي لمشاريع الاستثمار المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأصحاب المصلحة الإقليميين.
على الرغم من هذه المخاوف، أقر الكونجرس -الذي يسيطر عليه الديمقراطيون- قانون تطبيع العلاقات مع إسرائيل. والذي يتطلب من الخارجية الأمريكية الاستفادة من قوة الولايات المتحدة ومواردها لتوسيع وتعميق اتفاقيات إبراهيم.
بالفعل، عرضت الولايات المتحدة الكثير لحث الدول العربية على التوقيع على اتفاقيات إبراهيم. فالإمارات التي لديها سجلا إشكاليا في حقوق الإنسان، تلقت وعدًا بأنظمة أسلحة متطورة. كما شُطب اسم السودان من قائمة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وتمكن المغرب من الحصول على اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية. وهي الأراضي التي يعترف المجتمع الدولي بأنها محتلة ويطالب شعبها الصحراوي بالحق في تقرير المصير.
تقليل النفوذ الأمريكي مع إسرائيل
ترى المفاوضة الفلسطينية السابقة، ووزير الخارجية الأردني الأسبق. أن إلقاء المزيد من الأسلحة -في منطقة تتلقى بالفعل ما يقرب من نصف عمليات التسليح الأمريكية- سيزيد من تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط. مما يجعل الصراع العنيف أكثر احتمالية وليس أقل. وسيعني ذلك أيضًا توفير أسلحة أكثر تقدمًا لإسرائيل -وهي مصدرة رئيسية للأسلحة في حد ذاتها- من أجل الوفاء بالتزامات الكونجرس للحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة.
يقولان: إن توفير مثل هذه السخاء -بدون قيود- يقلل فقط من النفوذ الأمريكي إزاء إسرائيل. ولهذا السبب، يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي رفض السماح بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس. ويمكنه القول إنه حتى لو أعادت الولايات المتحدة إحياء الاتفاق النووي الإيراني. فإن إسرائيل وحدها هي التي ستقرر ما إذا كانت ستتخذ إجراءً ضد إيران ومتى.
كذلك، فإن اتفاقيات إبراهيم، ومشاريع التنمية الإقليمية التي يأمل الأمريكيون في تعزيزها. لن تجلب الإغاثة الاقتصادية للفلسطينيين المعتمدين على المانحين. وذلك لأن الاتفاقيات لم تفعل شيئًا لتخفيف القيود الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين وحصولهم على الأراضي والموارد الطبيعية. وبحسب البنك الدولي، فإن السياسات الإسرائيلية تكلف اقتصاد الضفة الغربية مليارات الدولارات كل عام.
أضافا: إن دفع الحكومات العربية ذات الشعوب الداعمة للفلسطينيين والذين يعارضون التطبيع للتوقيع على الاتفاقيات هو أمر يعقد الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان. إن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية -على الرغم مما يقوله القانون الدولي عنها- يمنح خصوم الولايات المتحدة. مثل روسيا والصين. فرصة لتبرير تجاهلهم للسلوك المعياري “بشأن حقوق الشعوب والدول في إشارة ضمنية لأوكرانيا وتايوان”. وبالمثل، فإن شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كمقابل للاعتراف بإسرائيل -بدلاً من شطبها لأنها استوفت معايير محددة فيما يتعلق بالإرهاب- يسيّس جهود مكافحة الإرهاب، ويهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.