كتب: عبد العزيز الحسيني/ أمين مجلس أمناء حزب الكرامة

 مصر “الوطن” تعني بالدرجة الأولى الشعب.. ومصر “الدولة” أول مكوناتها وأساسها وصلبها هو الشعب، لذا فحين نوجه رسالة إلى مصر، فهذا يعني بالدرجة الأولى أننا نوجهها إلى شعب مصر والرسالة كما ذُكر بالعنوان عن سجناء الرأي.. وتبعا للأكثر اهتماما ووجعا في هذا الأمر، فالرسالة أيضا إلى أهالي السجناء وذويهم وأحبائهم وأصدقائهم.

ووفقا لصاحب الصلاحية في السلطة في اتخاذ القرار في هذا الشأن الرسالة موجهة لرئيس الجمهورية الذي له حق العفو عن من صدرت ضدهم أحكام نهائية وموجهة للسلطة القضائية– النائب العام، صاحب الصلاحية في إنهاء القضايا وإخلاء السبيل لمن لم تصدر ضدهم أحكام نهائية أو تحت الحبس الاحتياطي.

والرسالة موجهة بطبيعة الحال إلى الحركة المدنية أحزابا وشخصيات التي تعبر عن المعارضة والتي طال الكثير من أعضائها وقياداتها الحبس سابقا وحاليا والذين طالبت مرارا وتكرارا بإخلاء سبيلهم وسبيل الجميع، وموجهة بطبيعة الحال للجنة العفو الرئاسي وكل المحامين والحقوقيين والأحزاب والسياسيين والمواطنين المدافعين عن سجناء الرأي.

بداية أعتقد أن سجين الرأي ببساطة هو كل من لم يستعمل سلاحا أو يدعو لاستعمال السلاح.. وإن كان تعريفي واسع وبسيط إلا أنى أراه يتوافق مع الدستور المصري والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر وأصبحت جزءا من التشريع الوطني.. ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن سياسات القبض على المعارضين والحجب والكبت والصوت الواحد هي سياسات أضحت بائدة على مستوى العالم المتحضر ولا تتسق مع القرن الـ21 ولا مع السعى لإقامة دولة مدنية حديثة ومتقدمة ووفقا لكل ما سبق وقبله فإن الأهم والأسبق أن الله عز وجل خلق الناس أحرارا وأنعم على الإنسان بحق الاختيار في كل شئ في الحياة حتى الاختيار بين الإيمان والكفر وأنه سبحانه أقام الكون على العدل والتنوع والاختلاف.. حتى أن الله ذاته جل جلاله لم يتفق الناس جميعا عليه.

سبق وتشكلت لجنة للعفو الرئاسي وقامت شخصيات برلمانية بجهود من أجل الإفراج ثم مؤخرا تم ضم مناضل وطني كبير للجنة إضافة لمحامي حقوقي معروف وقد بذلت جهود مقدرة وتم هذه الأيام العفو عن أكثر من محكوم وإخلاء سبيل بضع عشرات من سجناء الرأي من بين آلاف السجناء وليس السجناء كلهم على ذمة تلك القضايا سجناء رأي فمنهم من قبض عليه وتم ضمه لها وهو لا علاقة له بالعمل العام ولا الرأي ولا السياسة ولا بأية جريمة.

طبعا من سبق الإفراج عنهم قبل هذه الأيام لم تحفظ الاتهامات التي حبسوا بسببها وبقيت القضايا مفتوحة مما يعني حظر سفرهم وتقييد حرية بعضهم والحظر على بعضهم الآخر في التصرف في أمواله!! منهم من بقي لسنوات يذهب بشكل منتظم لقسم الشرطة ليقبع فيه دقائق أو ساعات كإجراء احترازي!! ومنهم من بقيت أمواله وممتلكاته تحت التحفظ لا يستطيع أن يقربها إلى أن يشاء الله!! بل ربما أن منهم من ابتلي بكل هذه الإجراءات والقيود معا.

ورغم الدعوة للحوار والانفتاح إلا أنه واكب ذلك حبس الإعلامية هالة فهمي، كما حبس المصور الصحفي محمد فوزي بعد اختفاء حوالي أسبوعين كما صدر بعدها الحكم بالسجن المشدد 15 سنة على عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية وحكم على نائبه محمد القصاص بالمشدد 10 سنوات ولا يتسع المقام لسرد حالات وأحكام صدرت مؤخرا بعد الدعوة للحوار.

إن حل مشكلة سجناء الرأي بالطريقة السائدة والمتبعة حاليا وهي معالجة حالة بحالة واسما اسما والتي تنتج خروج العشرات ستحتاج غالبا لسنوات لإنهاء هذه المشكلة كما أنها لا تحلها حلا جذريا حتى لمن أفرج عنه كما سبق الإيضاح حيث تبقى القضايا مفتوحة. والوطن وأهاليهم يصعب أن يتحملوا استمرار هذا الوجع وبالتأكيد السجناء أنفسهم أيضا يشق عليهم هذا خاصة أن منهم من يعاني مشاكل صحية شديدة مثل أحمد دومة المريض الذي أمضى من المدة المحكوم عليه بها قرابة الـ6 سنوات محبوسا انفراديا بل الأخطر أن منهم من حياته معرضة للخطر مثل علاء عبد الفتاح.

لذا من أجل أن يرتاح الضمير الوطني.. ومن أجل تخفيف الكآبة العامة وبث قدر من الحيوية في المجتمع.. لأجل الحق الذي هو اسم الله العلي ومدخلا جادا للسعي لمرحلة جديدة يجب التعجيل بتصفية كل قضايا سجناء الرأي سواء المعلقة أو المفتوحة سواء التي صدرت فيها أحكام أو لم تصدر وسواء كانت الأحكام نهائية أو غير نهائية والسلطات الثلاث تنفيذية وقضائية وتشريعية قادرة على معالجة كل هذا الوجع في جسد مصر.

إن استمرار معالجة مشكلة سجناء الرأي عن طريق بحث حالة حالة في كل قضية وعدم اتباع وسيلة حفظ وتصفية كامل القضية وإخلاء سبيل كل المتهمين فيها (إلا من استعمل سلاحا أو دعا لاستعمال السلاح) سيؤدي لإبقاء مشكلة سجناء الرأي ربما لسنوات.. لقد أصبح اتباع هذا النهج ضرورة لا غنى عنها لإنهاء أحد هموم الوطن وهذا النهج يحقق مكسبين الأول تحرير كل سجناء الرأي الموجودين في السجون والثاني حل مشاكل حرية وحقوق كل من أفرج عنهم من قبل وبقيت قضاياهم معلقة وحريتهم منقوصة وحقوقهم مقيدة.

ختاما دون الحل العاجل والعادل والشامل لقضية سجناء الرأي لن يتحقق تغير في المناخ العام ولا المزاج العام وأن هذا الحل هو مفتاح بدء السعي للانفتاح والحوار الحقيقي بين السلطة والمعارضة المصرية.

ويجب أن يعي الجميع أن مصر تواجه لأسباب داخلية وخارجية أصعب المعضلات التي لم تواجهها في تاريخها الحديث من قبل ويصعب مواجهتها إلا باتفاق وطني عام.