وكأنه تتويج وطني ومعنى لمسيرة أحد أهم الأدباء المصريين طوال نصف قرن، فاز الكاتب والروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد بجائزة النيل ـ فرع الآداب. وهي جائزة تحسب لمصر قبله. فالمتابع للحقل الأدبي يعرف أنه تسّيد تمامًا عرش الجوائز الأدبية خلال العقود الماضية، وإما حصل أو وصل إلى تصفيات نهائيات كل جوائز الأدب العربي الموثوقة.
قبل جائزة النيل، حصل إبراهيم عبد المجيد على جائزة ساويرس، ووسام نجيب محفوظ للأدب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة كتارا. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2007، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004.
أُدرج أيضًا على القائمة الطويلة لجائزة الراوية العالمية “البوكر” عام 2014، عن روايته التي دخلت قائمة أفضل 100 رواية في التاريخ، لا أحد ينام في الإسكندرية.
سيرة الروائي المصري تقول إنه من 1946 حصل على ليسانس الفلسفة في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1973. وفي العام نفسه رحل إلى القاهرة، ليعمل في وزارة الثقافة. ويعتبر أكثر الروائيين المصريين شهرة في جيله. وقد ترجمت العديد من رواياته باللغة الإنجليزية وعدد من اللغات الأخرى.
لماذا إبراهيم عبد المجيد؟
لأنه كاتب من عالم آخر، يبعد نفسه تمامًا عن متلازمات الأوساط الأدبية وصراعاتها ودسائسها كما يحكي. ويفضل أن يصنع لنفسه عالمًا آخر، ووطن يحتمي به ويعبر عنه وأهم أعمدته القراءة والكتابة.
يؤمن عبد المجيد بالتجديد الدائم في شكل الرواية، ولا يعترف بأي عوائق مهما كانت. فالروائي يستطيع أن يكتب في كل الظروف، ويستشهد بكتّاب أمريكا الجنوبية الذين لاذوا بالأساطير والعجائبية، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بالنظم الديكتاتورية. لكنهم مارسوا حريتهم في تغيير شكل الكتابة كما يقول في حوار له مع جريدة “القدس العربي”.
لم يدخل عبد المجيد أيضًا شباك الأيدلوجيات والصراعات السياسية طويلًا. بل خرج منها سريعًا في سبعينات القرن الماضي. إذ اكتشف أن الماركسية والمعارضة لسياسة السادات الاجتماعية والاقتصادية شغلته عن الصبغة التي يريدها لحياته.
التفت لعمله الأدبي، وصنع حبكته المعروفة من خلال البحث عن شخصياته وأبطاله في الشوارع. لا سيما أنه كاتب ابن بيئته، تهيمن الإسكندرية بنشوتها الجغرافية وتناقضاتها الاجتماعية على جذوره المعرفية وحسه الأدبي.
لا أحد مصيب ولا أحد مخطئ، ولا يجب ترجمة الفن لــ “الصح والخطأ”. هكذا وضع عبد المجيد لنفسه قوانين صارمة. فالفن دليل روح ومتعة للإنسان، والحكم الأخلاقى والقيمي لا يسري على الشخصيات الفنية. فكل واحد منهم اختار طريقه تبعًا لاستعداده النفسي.
الواقع المصري والعربي في مشوار عبد المجيد
يرقب الأديب المصري الكبير الواقع العربي بدقة. يعرف كيف يحلل انبعاثاته السياسية والاجتماعية والثقافية، ويعتبره ملبد بالممنوعات. لكن في الوقت نفسه لا يفسد حقيقة أن العالم أصبح قرية صغيرة. وليست الأزمة في الكتابة بل النشر كما يقول في أحد لقاءاته الصحفية.
ردار عبد المجيد يرصد تغير الأوضاع في المنطقة بشكل دائم. يرى أنه أصبح من الممكن تسهيل حركة دخول وخروج الكتب دون صعوبات وقيود واشتراطات الرقيب. كما كانت حتى سنوات قليلة ماضية، ولديه شبه يقين أن الواقع بمرارته يساعد على الكتابة.
ينصح في الوقت نفسه أصحاب القرار بعدم منع الكتب. فمثل هذه القرارات تفسر بأنها ضد الأمل. كما أن منع الكتب والروايات يساعد على شهرتها وذيوعها أكثر وأكثر، فتنشر في بلاد أخرى، وعلى وسائل التواصل المختلفة، وقد توزع مجانًا.
مستقبل الرواية المصرية
يؤمن إبراهيم عبد المجيد بمستقبل أفضل للرواية المصرية. بالنسبة له هي أهم ألوان الفنون وأكثرها قدرة على الانتشار بين الناس. ربما ينقصها مناخ ثقافي أكبر، وسينما تعتمد في أهم أركانها على الرواية، بعد أن أصبح هذا البعد غائب بشكل شبه تام عن صناعة السينما خلال الحقبة الماضية.
يرى الروائي الحائز على أغلب جوائز الدولة في الأدب أن السوق السينمائية تشهد عددًا كبيرًا من الأفلام والمسلسلات سنويًا دون الاعتماد على أي أعمال روائية، بعكس الماضي الذي كان تُقدم فيه الرواية على أي كتابة آخرى. وهو يضيف ضاربًا المثل بالمخرج داوود عبد السيد: “قدم روايات إبراهيم أصلان وخيري شلبي بخلاف الأفلام التي ألفها بنفسه”.
يطالب عبد المجيد الدولة المصرية بعمل بند ضمن التزامات وزارة الثقافة يسمح بتخصيص 10 ملايين جنيه لترجمة الروايات المصرية للغات الأجنبية ونشرها في الخارج، كنوع من تسويق الثقافة المصرية، التي يمكنها أيضًا زيادة وجذب السياح بكثافة، كما كان يحدث في الماضي عندما كان نجيب محفوظ وروايته المترجمة في الخارج أحد أهم روافد الجذب السياحي لمصر.
عشق إبراهيم عبد المجيد للإسكندرية لا يجعله يتنكر لقاهريته. فهو أيضًا ابن العاصمة وتفاصيلها وزحامها، عاش فيها آلام المهمشين والفقراء. لهذا بنى أحد أهم مشروعاته الآدبية الآخيرة عليها.
هنا القاهرة ـ العنوان الذي اختاره لرواية تلقى إطلالة على العاصمة منذ السبعينات، كيف تتعامل مع الآغراب، وأين عاش وماذا رآى فيها. حفر من كلماته عالم وصخب العاصمة، واختتم بها واحدة من أهم سجالاته الروائية التي تشتبك مع الواقع والحياة والزمن، ليترك الرجل تجربة كاملة على مدار نصف قرن، يوّصف فيها كيف كانت مصر، وأين أصبحت، وماذا يحمل لها المستقبل في خيال كتابها وآدبائها.
عن النيل.. خصوصية الجائزة وماذا تعني؟
كان اسمها قديمًا جائزة مبارك، ثم تغير عام 2011 إلى جائزة النيل. وهي تمنح في مجالات الآداب والفنون والعـلوم الاجتماعية والعلوم التكنولوجية المتقدمة.
بموجب تعديلات من البرلمان عام 2017 على مخصصات جوائز الدولة، ارتفعت القيمة المادية لجائزة النيل من 400 إلى 500 ألفًا جنيه مصري، لا يجوز تقسيمها أو منحها لشخص واحد فى ذات الفرع أكثر من مرة واحدة. وما يجعل الجائزة على قدر كبير من الرصانة، تكليف هيئات وجهات علمية منصوص عليها في القانون بترشيح الأسماء مشفوعة بمبررات ترشيح وسيرة ذاتية.
هناك أيضًا عدة معايير للحصول على مثل هذه الجائزة، على رأسها أن يكون المرشح على قيد الحياة وقت ترشحه، وإلا اعتبر الترشيح باطلًا، ويجب أن يكون للكاتب مؤلفات أو أعمال أو بحوث سبق نشرها، وتمثل إضافة نوعية واضحة للمجال المعرفي للدولة.
تراعي الجائزة أن يكون صاحبها له ريادته وتأثيره على أجيال متتابعة، متمثلًا فى إنتاجه المعترف به على المستويين المصري والعربي.