رغم التعقيد في العلاقات الخليجية-الفلسطينية، في أعقاب توقيع اتفاقيات إبراهيم بين الإمارات والبحرين، تشير المؤشرات الأخيرة إلى أن السلطة الفلسطينية باتت حريصة على تهدئة التوترات. ما يشير إلى أن العلاقات السيئة -خاصة بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الإمارات محمد بن زايد- قد تشهد بداية جديدة قريبًا.

هذه التطورات الأخيرة، قطعًا، سيكون لها تأثير كبير على الساحة الفلسطينية والمصالح الإسرائيلية. كما يرى الكاتبان كوبي مايكل، ويوئيل جوزانسكي في تحليل نشره أمس الثلاثاء معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)

وقد أرسل الرئيس الفلسطيني نجله ياسر -والذي ليس له منصب رسمي في السلطة- بالفعل إلى البحرين في 9 مايو/ أيار الماضي، للقاء الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

وقبل هذا الاجتماع، أعاد الفلسطينيون سفيريهم إلى المنامة وأبو ظبي. بعد استدعائهم إلى رام الله عقب توقيع اتفاقيات إبراهيم. وبعد أسبوع، في 15 مايو/أيار، رأس عباس وفدًا فلسطينيًا رفيع المستوى لتعزية دولة الإمارات في وفاة الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد. وكانت هذه الزيارة، فرصة لعباس للقاء الرئيس الجديد. ذلك بعد خلاف طويل بين الرجلين.

اقرأ أيضا: “اتفاقيات إبراهيم”.. ورقة إسرائيل الرابحة للسيطرة على إدارة بايدن

التودد للإمارات.. لماذا؟

الكاتبان يوئيل جوزانسكي، وكوبي مايكل، وكلاهما متخصصين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسياسات الخليج وأمنه، يحللان جهود السلطة الفلسطينية في إصلاح علاقاتها مع الخليج بشكل عام والإمارات على وجه الخصوص.

ووفق هذا، فإنهما يريان أن السلطة الفلسطينية تُدرك حقيقة ضعفها الاستراتيجي أمام النفوذ المتنامي لخصمها السياسي حركة حماس. مع خفض توقعات السلطة بأن الإدارة الأمريكية ستمارس ضغوطًا على إسرائيل. الأمر الذي نتج عنه -وفق تحليلهما- تآكلًا مستمرًا في الدعم الشعبي للسلطة.

وهو ما يتزامن مع حقيقة فقدان السلطة للحكم الفعّال في المناطق النائية من الضفة الغربية، خاصة في جنين. إلى وصعوبات الميزانية الناجمة عن تقليص الدعم الدولي والعربي. إضافة إلى الجمود السياسي مع إسرائيل. ذلك في مقابل تراجع كبير في الاهتمام بالقضية الفلسطينية والتضامن معها في العالم العربي.

رغم الجهود التي بذلها الفلسطينيون في العامين الماضيين لتخفيف التوتر مع دول الخليج -ولا سيما الإمارات- لم تتخذ أبو ظبي إلى الآن أي خطوات لتدفئة هذه العلاقة
رغم الجهود التي بذلها الفلسطينيون في العامين الماضيين لتخفيف التوتر مع دول الخليج -ولا سيما الإمارات- لم تتخذ أبو ظبي إلى الآن أي خطوات لتدفئة هذه العلاقة

وفي الوقت نفسه، فإنه رغم الجهود التي بذلها الفلسطينيون في العامين الماضيين لتخفيف التوتر مع دول الخليج -ولا سيما الإمارات- لم تتخذ أبو ظبي إلى الآن أي خطوات لتدفئة هذه العلاقة، كما يشير الباحثان.

يقول الباحثان: لم تكن الإمارات في عجلة من أمرها للتسامح. ومن المرجح ألا يقتنع محمد بن زايد بقبول جهود المصالحة الفلسطينية. فمنذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، الذي اعتبره الفلسطينيون طعنة في الظهر، وخيانة قبل تسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، تدهورت العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة، والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

وقد أدت إقامة العلاقات مع إسرائيل إلى تفاقم الشكوك والعداء الذي ساد بين السلطة والإمارات. ذلك بسبب دعم أبو ظبي على مدى سنوات عديدة لمحمد دحلان -العدو اللدود لعباس- وتفضيلها دعمه ماليًا بدلًا من السلطة.

وأضافا: لم تقبل القيادة الفلسطينية -وخاصة عباس ورفاقه- الترحيب بدحلان في الإمارات. حيث يعيش منذ طرده من حركة فتح. وعمل مستشارًا مقربًا لمحمد بن زايد. بل إن القيادة الفلسطينية تلقي باللوم على دحلان في قرار بن زايد المضي قدمًا في اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

الإمارات وفساد العلاقات

كتبرير لإقامة علاقات مع إسرائيل، ولتهدئة الانتقادات الفلسطينية والعربية، أكدت الإمارات -علنًا- أن اتفاقيات إبراهيم قد منعت إسرائيل فعليًا من المضي قدمًا في خطتها لضم أراضي في الضفة الغربية بسبب تعليق الاتفاقية. وقد تم تصوير الخطة كشرط للتطبيع.

من جانبهم، رفض الفلسطينيون هذا التفسير. واعتبروا اتفاقيات إبراهيم “وسيلة لتعزيز المصالح الإماراتية على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية”. وتم تصوير التطبيع مع إسرائيل على أنه “تخلي عن التضامن مع الفلسطينيين”. وردًا على ذلك، اتخذ الفلسطينيون إجراءات لمنع أي مشاركة إماراتية في منتدى غاز شرق المتوسط ​​(EMGF).

أيضًا، ترفض السلطة الفلسطينية نفسها، المشاركة في المبادرات الإقليمية، الاقتصادية، والبنية، التحتية، والطاقة. المقامة بناءً على اتفاقيات إبراهيم. وقد رفضت عروض المساعدة من الإمارات. وردًا على الانتقادات الفلسطينية، قطعت الإمارات بشكل كبير مساعدتها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.

يوضح باحثا معهد الأمن القومي الإسرائيلي أن هذه القطيعة أضرت كلًا من السلطة والإمارات، التي كان لها تأثير سلبي على محاولات ترسيخ نفوذها كقوة موازنة لنفوذ قطر المتنامي.

أوضحا: بالنسبة لقطر -التي لا تزال تنافس دول الخليج على الرغم من اتفاق المصالحة- فإن التدخل في الساحة الفلسطينية وسيلة مهمة لترسيخ مكانتها. النفوذ الأساسي لقطر مع كل من إسرائيل وحماس هو قوتها الاقتصادية. ومع ذلك، هناك توتر بين اهتمام إسرائيل بالهدوء الأمني ​​في قطاع غزة، من خلال تحسين الوضع الإنساني عبر مساعدات قطر.

وتابعا: تلاشى جانب كبير من النفوذ القطري بسبب مساهمة قطر السلبية في الأحداث في ساحات الصراع. ونتيجة لدعم الدوحة لحركة حماس والإخوان، وتورطهم في التحريض ضد إسرائيل عبر شبكة الجزيرة. علاوة على ذلك، فإن لإسرائيل مصلحة في إقامة علاقات مناسبة مع مصر والسعودية والإمارات، التي عارضت طموحات قطر لتعزيز مكانتها الإقليمية -جزئيًا- من خلال تدخلها في قطاع غزة، وتأثيرها على حماس.

الإمارات.. الدور والمصالح الإسرائيلية

يقول الكاتبان إنه بسبب ضعفها النسبي على المسرح الفلسطيني، سواء بسبب رفضها الحديث مع حماس، أو ضغينة بينها وبين قيادة السلطة في الضفة الغربية، تواجه الإمارات ضغوطًا شديدة للعب دور الوسيط في هذا المسرح. وهي في الوقت الحالي، تركز على المساعدات الإنسانية، وإرسال المعدات الطبية، وغيرها، إلى السلطة الفلسطينية وقطاع غزة. وهو ما فعلته في ذروة انتشار جائحة COVID-19.

مع ذلك، فإن أزمة الثقة، والدافع المحدود للإمارات لبذل جهد كبير في المسرح الفلسطيني -بما في ذلك تجديد المساعدة المالية للسلطة- سيعيق الجهود المبذولة لبدء بداية جديدة. فالانخراط المتزايد في الساحة الفلسطينية له ثمن، من حيث الموارد السياسية والمالية.

من ناحية أخرى -في ظل ظروف معينة- من الممكن تغيير موقف الإمارات “إذا كان من الممكن أن تشارك في محاولة لإشراك السلطة الفلسطينية في البنية التحتية الإقليمية. والمشاريع الاقتصادية التي تؤدي إلى دعم الولايات المتحدة، والتعاون مع إسرائيل والأردن ومصر. مما يحد من نفوذ قطر، ويعزز مكانة الإمارات إقليمياً ودولياً”.

يرى الباحثان أن التقارب بين السلطة الفلسطينية والإمارات والبحرين، سيكون متوافقًا مع عدد من المصالح الإسرائيلية والإقليمية المهمة. وقد يكون له تداعيات كبيرة على الساحة الفلسطينية: أهمها؛ تجديد العملية السياسية. فقد تدمج الأطراف المؤثرة الجديدة العملية السياسية في النظام الإقليمي الناشئ. وكجزء منها، المزيد من المبادرات الإقليمية الاقتصادية والبنية التحتية والطاقة. على أساس اتفاقيات إبراهيم التي تخدم المصالح الإسرائيلية والفلسطينية.

أيضًا، احتمالية تقليص مكانة قطر في الساحة الفلسطينية. خاصة تدخلها في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، أو على الأقل خلق بديل لنفوذها. وكذلك، تشجيع السعودية للانضمام إلى عملية التطبيع مع إسرائيل. بما يعزز انخراطها في المسرح الفلسطيني.