عندما فرضت الولايات المتحدة جملة عقوبات بحظر التعامل التجاري مع إيران في عام 2018 اتجهت فرنسا وألمانيا وبريطانيا والدول الاسكندنافية إلى آلية المقايضةINSTEX . والتي تهدف إلى التحايل على العقوبات الأمريكية ضد التجارة مع إيران. بحيث تسمح لإيران بمواصلة بيع النفط واستيراد منتجات أو خدمات أخرى مع تجنب استخدام الدولار الأمريكي.
تجربة كازاخستان: مؤخرا عندما انطلقت الاحتجاجات في كازاخستان وقعت الدولة بأكملها في حالة طوارئ. وتوقفت حركة العمل وانقطعت البلاد عن العالم الخارجي. كما تعطل القطاع المصرفي وأوقفت البورصة عملياتها. كما توقفت جميع أنظمة الدفع عبر الإنترنت. وهنا بدأ نظام المقايضة عمله.
وفي ظرف الحرب الروسية تطرح المقايضة نفسها كوسيلة بديلة للتخفيف من آثار الحرب. وقد تنجرف الدول واحدة تلو الأخرى في استخدام هذه الآلية.
مخاطر المقايضة
يتمثل الاختلاف الأساسي بين أنظمة المقايضة والعملات في أن نظام العملة يستخدم شكلاً متفقًا عليه من الأوراق أو العملات المعدنية كنظام صرف. بدلاً من تداول السلع والخدمات مباشرة من خلال المقايضة.
وكلا النظامين له مزايا وعيوب. فرغم ما توفره المقايضة من مزايا التخلص من احتكار سيطرة العملات العالمية على القطاع المصرفي فإنها لا تتمتع بالمرونة الكافية. كما أنها ذات نطاق محدود وتفتقر إلى وحدة قياس مشتركة للسلع والخدمات. وغالبًا ما يخلق نظام المقايضة نظامًا غير متوازن للتجارة. فضلا عن أنه ينقصها كثير من الأسس القانونية التي تنظم تفاعلاتها خاصة في التعامل بين الدول وبعضها.
ارتدت موجة العقوبات القاسية على روسيا في جميع الدول. حيث بلغ التضخم مستويات غير مسبوقة واهتزت قيمة الدولار. وطرح البعض تساؤلات عما إذا انتهى الدولار الأمريكي كعملة احتياطية.
أدت سيطرة الدولار طويلا على سوق العملة إلى انكشاف الاحتياطي النقدي لدى مختلف دول العالم. كما تبين عندما قامت الحرب أن الغرب حاول عزل روسيا عن النظام المالي العالمي “سوفيت”. ما أدى إلى فقدان احتياطي النقد الروسي المقدر بـ600 مليار دولار. كما يترك تسليح الدولار على الاقتصاد العالمي مخاوف كبيرة. من حيث يجب على جميع الدول البحث عن طرق لتنويع أنظمتها المالية لأجل إدارة مخاطر السوق. فعلى سبيل المثال لجأت بعض الدول إلى العملات الرقمية.
تأثير المقايضة على النظام المصرفي العالمي
تسببت العقوبات الغربية على روسيا في لجوئها إلى بدائل استغلت فيها قدرتها في التأثير على أوروبا من خلال ملف الطاقة. حيث فرضت على الدول شراء الغاز من خلال الدفع بالعملة الروسية “الروبل”. كما جعلت إمكانية الحصول على الروبل من البنوك الروسية من خلال الذهب. أي إنها وظفت العقوبات عليها في تعزيز الروبل وفك ارتباطه بالدولار والتركيز على الذهب كغطاء مالي. وبالتالي أصبحت سادس أكبر احتياطي ذهب في العالم وتم ربط الغاز الطبيعي بالذهب عن طريق الروبل. ما يعني أنه إذا استمر سعر الروبل في الارتفاع بسبب الطلب الناتج عن مدفوعات الطاقة فهذا سوف يدفع سعر الذهب إلى الارتفاع أيضا. ما قد يدفع روسيا إلى قبول الذهب في مختلف صادراتها وزيادة الضغط على الدولار واليورو. أي خلق نظام نقدي متعدد الأطراف مدعوم بالذهب والسلع.
يتوقف تأثير المقايضة على النظام المصرفي العالمي إذا أصبح اتجاها عاما لدى مختلف الدول. حتى وإن حققت بعض المكاسب بالنسبة لبعض الاقتصادات فهذا يتوقف على أهمية السلعة ومدى توافرها أو القدرة على الاستغناء عنها. وإذا تم إدراج المقايضة كأحد عناصر النظام المالي العالمي هنا ستحتاج إلى توافق دولي واتفاقيات وشروط قانونية حتى تحقق أكبر قدر من الأمان المالي.