لا أعلم إن كنت لاحظت ذلك من قبل أم لم تلاحظ؛ كلما زادت معاناة بلد ما أو صعوبة الحياة فيه، كلما كان الحصول على جنسيته أصعب، وتخضع شروطه إلى إجراءات لا منطقية، أو شبه مستحيلة، أو تشترط مبالغ طائلة من المال. وفي المقابل، كلما كان البلد ينتمي إلى عالم الرفاهية والنماء والتقدم والعالم الأول، كلما كانت شروط الجنسية فيه منطقية وواضحة، ولا تستلزم خوض المستحيلات، بل تتطلب البداهات المنطقية، كالإقامة لفترة من الزمان، والعمل لعدد من السنين، وسداد الضرائب والالتزام بالقانون. هكذا تعرف عادة أن صديقك المقيم في فرنسا أو كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية قد حصل على جنسية البلد بعد سنوات معدودة من الإقامة أو الهجرة، بينما صديقك المقيم في هذا البلد العربي أو ذاك منذ عشرات السنين لا يزال يجدد الإقامة سنويا، ويخشى أن يتم طرده في أي وقت.

وبالطبع لا نستثني أنفسنا، حتى وإن كانت مصر هي واحدة من دولتين عربيتين فحسب – الثانية هي تونس – تمنح الجنسية لأبناء مواطناتها السيدات، فتمنح الأم المصرية والتونسية جواز سفرها لأبناءها وبناتها، بينما تعجز بقية النساء العربيات من المحيط إلى الخليج عن ذلك، ولاتزال المرأة المصرية عاجزة عن منح جنسيتها لزوجها، على العكس – بالطبع أو للأسف – من الزوج، أو الذكر، الذي يمنج جنسيته لزوجاته وأبناءه كما يشاء، في مخالفة صريحة للدستور الذي ينص – يفترض أنه ينص – على المساواة بين المواطنين. وفيما هو غير ذلك، وبغض النظر عن القانون المستحدث لمنح الجنسية مقابل الاستثمار أو الودائع الطائلة، لابد أنك تذكر أن محمد خان مخرجنا العظيم – ونذكره فقط على سبيل المثال – لم يحصل على الجنسية المصرية سوى في سنوات عمره الأخيرة، على الرغم مما قدمه للفن المصري، بل حتى مجرد عمله وإقامته في مصر طوال عمره. وعلى الرغم من أن مصر طالما سمّيت “هوليوود الشرق”، إلا أن مركزيتها الفنية والمعنوية والوجدانية قلّما انعكست على قوانين جنسيتها.

من هذا الموقع المتأخر في النظر إلى مسألة الجنسية ليس غريبا أن تثار العواصف وتُستخدم الكلمات الكبرى من قبيل “الخيانة” و”بيع البلد” لمجرد أن رياضيا مصريا قرر تمثيل البلد التي يعيش فيها منذ سنوات ويحمل جنسيتها – كنتيجة طبيعية- بالفعل، فالبطولات الكبرى التي حصدها لمصر نجم الاسكواش محمد الشوربجي طوال أكثر  من 15 عاما لم تحمه من سهام الاتهامات، الطنطنة الفارغة غطت على حقائق ماثلة أهمها أن أبرز أبناء مصر، مثل محمد صلاح ورامي مالك ومحمد دياب وغيرهم صاروا غير قادرين على التحقق إلا في مناخات لم تعد تتوفر في بلادهم، هذا من دون التطرق إلى الهجرة المتزايدة للأطباء وغيرهم من العقول المصرية، وانتقال الفنانين المصريين عبر البحر الأحمر إلى الرياض وجدة ومنصّات الخليج، إن التطرق لأسباب كل ذلك – فضلا عن محاولة علاجه – أمر صعب ومعقد وممل، أما نظرية المؤامرة فهي دائما أسهل.