رفعت وزارة المالية سعر الدولار الجمركي للشهر الثاني على التوالي بنحو 10% إلى 18.64 جنيه في يونيو/حزيران الجاري. بدلا من 17 جنيهًا في مايو/أيار الماضي. وذلك كسعر صرف يتم التعامل به مع عمليات استيراد السلع من الخارج. فلماذا ارتفع سعر الدولار الجمركي مجددًا؟ و”كيف سيؤثر ذلك على أسعار السلع المستوردة بالسوق خلال الفترة المقبلة؟”.

في مطلع مايو/أيار الماضي قررت مصلحة الجمارك زيادة سعر الدولار الجمركي إلى 17 جنيها مقابل 16 جنيها في أبريل/نيسان.

وكان البنك المركزي أصدر قرارًا خلال فبراير/شباط الماضي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في العمليات الاستيرادية كافة والعمل بالاعتمادات المستندية بدلاً منها.

وقال البنك حينها إن ذلك لحوكمة عمليات الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها بصورة إلزامية.

وبحسب مصرفيين فإن بعض المستوردين كانوا يفضلون مستندات التحصيل أكثر من فتح الاعتمادات المستندية. وذلك نظرًا لأن العلاقة تكون بين المستورد والمصدر دون أي التزام على البنك أو مراقبة العملية بالكامل. ما يفتح باب التهرب من سداد الجمارك.

ما هو الدولار الجمركي؟

“الدولار الجمركي” هو مصطلح اقتصادي يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة. وذلك لحساب الرسوم الجمركية بناءً عليه.

ويتحدد سعر الدولار الجمركي إما يومًا بيوم وفقا لسعر الصرف في اليوم السابق عليه. وهو الأسلوب المعمول به في الغالب عند استقرار أسعار الصرف. وإما تحدده وزارة المالية شهريا. وهو الأسلوب الذي لجأت إليه بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وأيضا عند تصحيحه في مارس الماضي.

وسعر الدولار الجمركي أحيانا لا يكون السعر الحقيقي الذي يحصل به المستورد على العملة الصعبة لاستيراد بضائعه. بل يخضع المستورد لسعر العملة في البنوك. وبالتالي فإن الدولار الجمركي يتم العمل به لتحديد الرسوم الجمركية على البضائع ولا يعبر بالضرورة عن القيمة الحقيقية للبضائع المستوردة.

لماذا رفعت المالية الدولار الجمركي؟

منذ سنوات طويلة توقفت الحكومة عن تحديد أسعار جمركية للدولار وباقي العملات. وتركت الأمر مرتبطا بسعر الصرف في البنوك والعرض والطلب. لكن حاليًّا بدأت الحكومة في تحديد أسعار جمركية للعملات الأجنبية بلضبط أسعار السلع المستوردة وعدم تركها عرضة للتضخم الشديد بعد قرارات البنك المركزي برفع سعر الفائدة على الإيداع والاقتراض. والذي نتج عنه ارتفاع كبير في سعر الدولار أمام الجنيه.

وباتت عمليات الاستيراد محكومة حاليا بمجموعة إجراءات حكومية تجعلها موجهة في المقام الأول إلى السلع الضرورية والأساسية التي تحتاج إليها البلاد. حيث من المقرر أن تصدر وزارة المالية موافقة شهرية تحدد فيها سعر الدولار الجمركي المطبق في عمليات الاستيراد من الخارج.

تقول الدكتورة هدى الملاح -مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى- إن غالبية الأسواق شهدت مؤخرًا ارتفاعًا بالأسعار نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية. وفي مصر هناك عمليات استيراد مستمرة من الخارج رغم هذا الارتفاع. لذا فإن تحريك سعر الدولار الجمركي الهدف منه هو ضبط عملية الاستيراد خاصة لبعض السلع غير الضرورية.

وزير المالية
وزير المالية

وأضافت لـ”مصر 360″ أن رفع سعر الدولار الجمركي يراد منه كذلك التركيز على استيراد السلع الضرورية فقط. والتي لا تستطيع الدولة تصنيعها. واللجوء للمنتج المحلي للتقليل من عملية ارتفاع الأسعار وبالتالي خفض التضخم الذي يضرب الأسواق.

ولفتت إلى حتمية عمل حماية للسلع الناشئة التي يتم إنتاجها في مصر وتحجيم عملية الاستيراد من الخارج. فكلما زادت قيمة الفائدة زاد حجم الادخار وتقل عملية الاستثمار. لذا يجب أن نحد من السلع الترفيهية والمكملة. وتابعت: “أصبحنا نستورد أنواعا كثيرة للشيء نفسه وأصبحت السوق مليئة بكثير من السلع المستوردة غير الضرورية”.

وقال أبو بكر الديب -الخبير الاقتصادي- إنه من المتوقع أن ينعكس رفع سعر الدولار الجمركي على الرسوم الجمركية المحددة على البضائع المستوردة. وبالتالي على تكلفة الإنتاج أو توفير هذه البضائع في الأسواق. ما يؤدي إلى زيادة أسعارها.

وأضاف لـ”مصر 360″ أن الزيادة التدريجية في سعر “الدولار الجمركي” تأتي بسبب اتجاه الحكومة لتخفيف وطأة معدل التضخم وتخفيف العبء الضريبي على المستوردين. حتى يتم مراعاة أثر ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه في حساب أسعار السلع المستوردة. وبالتالي يصبح زيادة سعر الدولار الجمركي غير مؤثر.

زيادة 10% متوقعة بالأسعار

وحول أسعار السلع توقع مستوردون ارتفاع أسعار السلع المستوردة بالأسواق خلال الفترة المقبلة بنسبة قد تصل إلى 10%. وذلك بعد زيادة الدولار الجمركي خلال يونيو/حزيران الجاري.

وقال مصطفى المكاوي -السكرتير العام المساعد للشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية- إن المستوردين كانوا يتوقعون زيادة الدولار الجمركي إلى هذا المستوى. وذلك نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار في البنوك مؤخرا.

وتوقع “المكاوي” لـ”مصر 360″ ارتفاع أسعار السلع المستوردة بنسبة قد تصل إلى 10% في الأسواق خلال الفترة المقبلة. وذلك بعد زيادة الدولار الجمركي. فأي زيادة تحدث في تكلفة استيراد السلع تُحمّل على السعر النهائي للمنتج في السوق المحلية.

كما توقع “المكاوي” حدوث نقص في بعض أصناف السلع خلال الفترة المقبلة. خاصة بعد وقف التعامل بمستندات التحصيل في العمليات الاستيرادية. “والتي تم استثناء مستلزمات الإنتاج منها مؤخرا إلى جانب بعض السلع الأساسية منذ صدور القرار”.

وتوقع متى بشاي -رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية- ارتفاع أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية خلال الفترة المقبلة بنسبة قد لا تصل إلى 10%. وذلك بخلاف الزيادة التي حدثت بالفعل مع ارتفاع الدولار الجمركي خلال مايو/أيار الماضي.

وذكر “بشاي” في تصريحات خاصة أن أسعار السلع المستوردة سترتفع 7% في الأسواق المحلية بعد زيادة الدولار الجمركي لـ17 جنيهًا.

أما عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية المصرية أحمد شيحة أكد أن رفع سعر الدولار الجمركي لن يؤثر كثيرا على أسعار السلع. موضحا أن هذا القرار كان يجب أن يتخذ منذ رفع سعر الفائدة في المرة الأولى هذا العام خلال مارس/آذار الماضي.

وأضاف لـ”مصر 360″ أن تأثير رفع سعر “الدولار الجمركي” سيتباين بين المنتجات المستوردة. حيث لن يؤدي إلى زيادة كبيرة على الخامات المستوردة. والتي تخضع إما للإعفاء الجمركي وإما ضريبة بنسبة 2-5%. وبالتالي فإن زيادة بقيمة 1.6 جنيه في سعر “الدولار الجمركي” سيؤدي إلى تكلفة إضافية طفيفة على المستورد. في المقابل فإن الزيادة ستؤثر على المنتجات المستوردة التي يتم فرض سعر التعريفة الجمركية بشكل كبير علها. مثل الثلاجات والغسالات والتي يصل فيها سعر التعريفة إلى 60% من قيمة المنتج.

أسعار السلع المستوردة
أسعار السلع المستوردة

تأثير متوقع على التضخم

وواصلت تأثيرات الدولار الجمركي على مختلف القطاعات والمؤشرات. حيث توقع نعمان خالد -كبير الاقتصاديين ببنك استثمار أرقام كابيتال- أن يؤثر ارتفاع الدولار الجمركي على معدل التضخم في الشهور المقبلة. ليستمر بذلك التضخم في الارتفاع.

وأضاف “خالد” لـ”مصر 360″ أنه كان من الطبيعي ارتفاع سعر الدولار الجمركي نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار في البنوك. وحتى لا يتحمل أحد الفارق بين السعرين. متوقعًا أن يستمر معدل التضخم في الارتفاع مع تأثير زيادة الدولار الجمركي. ليصل خلال شهري يوليو وأغسطس إلى ما بين 17 و18% على أن يعود للانخفاض فيما بعد.

وارتفعت معدلات التضخم في مصر خلال الشهور الأخيرة لمستويات هي الأعلى منذ سنوات. حيث واصل معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية صعوده للشهر الخامس على التوالي خلال أبريل/نيسان الماضي ليسجل 14.9% مقابل 12.1% في مارس/آذار. بحسب ما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في بيان سابق الشهر الماضي.

وسجل معدل التضخم السنوي في المدن ارتفاعًا إلى 13.1% في أبريل مقابل 10.5% في مارس/آذار الماضي.

ويتجاوز معدل التضخم السنوي في المدن بذلك النطاق المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من 2022.

ولمواجهة معدلات التضخم المرتفعة والضغوط التضخمية المستقبلية أعلن البنك المركزي في 19 مايو/أيار الماضي رفع أسعار الفائدة 2% دفعة واحدة. لتصل إلى 11.25% للإيداع و12.25% للاقراض.

هل ترتفع الفائدة مجددًا لمواجهة التضخم؟

وواصل أبو بكر الديب -الخبير الاقتصادي- أن الزيادة المرتقبة لأسعار العديد من السلع تأثرا بارتفاع الدولار الجمركي سواء المستوردة تامة الصنع أو المنتجة محليا وتعتمد على مستلزمات إنتاج مستوردة ستدفع معدلات التضخم لمزيد من الارتفاع.

وسيتسبب ذلك في تراجع الطلب على السلع في السوق. ولكن من ناحية أخرى سيؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج لدى المصنعين والمنتجين. ما قد يؤدي إلى زيادة البطالة.

وأوضح أن تراجُع الإنتاج بسبب زيادة الأسعار وانخفاض الطلب على الشراء سينعكس سلبا على نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وطالب “الديب” وزارة المالية بالبحث عن حلول أخرى لزيادة موارد الخزانة العامة بعيدا عن رفع سعر الدولار الجمركي. ودون تكبيل المنتجين والمواطنين بضغوط مالية جديدة.

وتوقع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بين 1 و2% في الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية. وذلك بعد قرار رفع سعر الدولار الجمركي وتداعياته على زيادة الأسعار وارتفاع معدل التضخم.

الفرق بين الدولار الجمركي والبنكي

رفع الفائدة يقفز بالدولار
رفع الفائدة يقفز بالدولار

كما بينّا فإن “الدولار الجمركي” هو مصطلح اقتصادي يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة لحساب الرسوم الجمركية بناءً عليه.

أما سعر الدولار في البنك فهو سعر صرف العملة مقابل الجنيه. والذي يحصل عليه المواطنون حال حاجتهم إلى عملة أجنبية لأغراض السفر أو غيرها. أو عند بيعهم ما بحوزتهم من العملة الأمريكية للبنك -وفق هاني أبو الفتوح الخبير المصرفي لـ”مصر 360″.

ومن المفترض أن سعر الدولار يتم تحديده وفقًا لظروف السوق ومتغيرات العرض والطلب منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

ولا يعني خفض وزارة المالية سعر الدولار الجمركي أو رفعه أن ذلك سيؤثر أو سينعكس على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في البنوك. بل إن التأثير العكسي هو الحاصل. ففي حالة الاستقرار يتم تحديد سعر الدولار الجمركي بناءً على سعر الصرف في اليوم السابق -وفق “أبوالفتوح”.

بينما في حالة التحركات الكبيرة في سعر الصرف ينعكس ذلك أيضا على تدخل المالية لتحديد سعر الدولار الجمركي بمستوى أقل من سعره في البنوك. وذلك لعدم تأثر أسعار الرسوم وبالتالي أسعار البضائع بشكل كبير.