كانت مصر ولا تزال من أكثر دول العالم تضررًا بالحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في 24فبراير/شباط الماضي. فهي أكبر مستورد للقمح في العالم. كما أنها تغطي 80% من احتياجاتها من البلدين المتحاربين، وبكميات تتراوح بين 10 و12 مليون طن سنويًا. لذا كان من الطبيعي أن تنظر الأغلبية الكبرى من المصريين سلبيًا إلى “العمل العسكري الروسي في أوكرانيا”. وكذلك من المبرر أن يلوم ما يقرب من (64% من عينة استطلاع رأي أجراه حديثًا معهد واشنطن) سياسة روسيا على “ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخرًا في بلدهم”. وهكذا الحال أيضًا في نتائج أخرى أُعلن عنها سابقًا في الأردن وأربع دول من الخليج العربي (السعودية والإمارات والكويت والبحرين).

للاطلاع على نتائج الاستطلاع.. اضغط هنا

ومع ذلك، لا يزال نحو نصف مواطني مصر وأفراد المجتمعات العربية الأخرى يعتقدون أن العلاقات الجيدة مع روسيا “مهمة” لبلدهم. وفي أوساط المصريين، تأتي هذه النسبة عند 56% مباشرة قبل الولايات المتحدة، وهي نسبة جديرة بالملاحظة. أما الصين، فأصبحت الآن الأولى عند 60% متخطيةً بذلك روسيا وأمريكا على السواء. ولم تُسجَّل اختلافات تُذكر في المواقف بين المصريين الراشدين ممن هم دون سن الثلاثين والجيل الأكبر سنًا في الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من أسئلة الاستطلاع.   

المصريون يثقون في روسيا لحماية بلدهم

في قراءته لنتائج هذه الاستطلاع، يقول ديفيد بولوك الباحث في معهد واشنطن، إن النتيجة “غير المتوقعة على الإطلاق” كانت اختيار نحو نصف المصريين (46%) روسيا “كالدولة الأفضل لحمايتنا من أعدائنا الخارجيين”. وفي المقابل، حصلت الصين على 26% فقط من الإجابات. في حين أتت الولايات المتحدة في مرتبة متأخرة جدًا. وحصدت 12% ليس إلا.

وقد انعكست هذه النتائج تمامًا في دول الخليج العربي الأربع المستطلعة. إذ أتت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى وتلتها روسيا ومن ثم الصين.

ويرى بولوك وقد عمل مستشارًا رفيع المستوى في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” بوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2002، أن هذه النتيجة تستدعي تفسيرًا يتمثل جزئيًا في أن أكثرية ضيقة من المصريين (29%) اختارت “تزويد القوات المسلحة المصرية بالأسلحة المتطورة”، باعتباره “الجانب الأهم من سياسات روسيا إزاء مصر”.

اقرأ أيضًا: بعد عام من اتفاقيات إبراهام.. لماذا كان الخليج الأقرب للتطبيع والإمارات الأكثر دعمًا لإسرائيل؟

64% من عينة الاستطلاع يرون سياسة روسيا سببًا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخرًا في بلدهم.
64% من عينة الاستطلاع يرون سياسة روسيا سببًا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخرًا في بلدهم.

“لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة”

وبالإضافة إلى ذلك، يؤيد نصف الشعب المصري تقريبًا (43%) هذا التصريح: “لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة في هذه الأيام. لذا علينا التطلع أكثر إلى روسيا أو الصين كشريكيْن”.

وقد حصلت أيضًا روسيا على أكثرية ضيقة (32%) باعتبارها “الدولة التي ستكون الأكثر تأثيرًا على الأرجح في منطقتنا بعد عشر سنوات من الآن”. وهي بذلك تتخطى أيضًا الولايات المتحدة (28%) والصين (24%). 

ويضيف بولوك أنه بعيدًا عن البيانات، وانطلاقًا من التغطية الإعلامية والتعليقات في مصر عمومًا، يقدّر ربما البعض الدعم العسكري الروسي للمشير الليبي خليفة حفتر. وقد يعتبر بعض المصريين روسيا “عامل توزان” ضروريًا من أجل التخفيف من “الهيمنة الأمريكية العالمية المزعومة“.

للاطلاع على نتائج الاستطلاع.. اضغط هنا

وقد يعتبر البعض حتى الولايات المتحدة كأحد “أعداء مصر الخارجيين”. ذلك نظرًا إلى الشكوك المستمرة بشأن الدعم الأمريكي لحركة جماعة “الإخوان” التي فقدت حاليًا مصداقيتها. وأخيرًا “التقى بوتين بشكل منتظم مع الرئيس المصري السيسي. في حين لم يلتقيه بايدن بعد”، كما ينقل بولوك عن محلل مصري أمريكي لم يسمه. 

المصريون يرفضون اتفاقات إبراهيم مع إسرائيل

وفق نتائج الاستطلاع، فقد شهد الرأي العام المصري تحولًا “سلبيًا للغاية” إزاء “التطبيع” مع إسرائيل. واعتبرت نسبة 13% فقط أن اتفاقات إبراهيم للسلام بين إسرائيل وأربع دول عربية أخرى ستخلف أثرًا إيجابيًا على المنطقة. حيث تراجعت هذه النسبة من 25% خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2020. ذلك بُعيْد الإعلان عن هذه الاتفاقات.

ويرى بولوك أن هذا التراجع الملحوظ يؤكد نتائج مماثلة سجّلها استطلاع أُجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ويعزى السبب ربما إلى حرب غزة الوجيزة بين إسرائيل و”حماس” في مايو/أيار 2021.

وردًا على سؤال ذي صلة، عارض المصريون أيضًا بشكل كبير (85%) التصريح التالي: “يجب السماح للأشخاص بالتواصل مع إسرائيل على الصعيديْن التجاري أو الرياضي إذا رغبوا في ذلك”. فقد أيدت نسبة 11% فقط هذا التصريح. في تناقض صارخ مع نسبة 40% تقريبًا في دول الخليج العربي، أي السعودية والإمارات والبحرين.

ولم تتغير هذه النسب منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020. ولا تزال سلبية بشكل ملحوظ في مصر. ذلك على الرغم من اتفاق السلام الرسمي الذي يجمعها بإسرائيل منذ عام 1979. وأيضًا توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية الرسمية في العام الماضي.

المصريون لا يزالون ضد تأييد إيران

وبالتوافق مع استطلاعات أخرى أُجريت في السنوات القليلة الماضية، تعتبر أقلية محدودة للغاية من الشعب المصري أن العلاقات الجيدة مع إيران مهمة “بعض الشيء” لبلدهم. وفي المقابل، تؤيد الأغلبية الكبيرة (60%) هذا التصريح المستفز عمدًا: “أينما تتدخل إيران تضرّ بالعرب المحليين ولا تساعد الفلسطينيين”. 

مع ذلك، ينقسم المصريون بالتساوي (45% مقابل 47%) حيال احتمال إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران. وفي هذا الصدد، تعكس المواقف الشعبية المصرية بشكل كبير نتائج الاستطلاعات الأخيرة الموازية في الأردن ودول الخليج العربي.

للاطلاع على نتائج الاستطلاع.. اضغط هنا

ديفيد بولوك
ديفيد بولوك

زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط. وفي السابق، عمل كمستشار رفيع المستوى في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” بوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2002. وفي هذا المنصب، قدّم استشارات في السياسات المتعلقة بقضايا الديمقراطية والإصلاح في المنطقة مع التركيز بشكل خاص على حقوق المرأة. كما عمل كمحاضر زائر بجامعة هارفارد ومدرس مساعد بجامعة جورجتاون.


هذا التحليل يعتمد على مقابلات استطلاعية شخصية مع عينة تمثيلية وطنية شملت 1000 مواطن مصري. وأيضًا على استطلاعات متزامنة في 5 مجتمعات عربية أخرى. وقد أجرت هذه الاستطلاعات شركة تجارية إقليمية عالية الكفاءة موثوقة من معهد واشنطن. ويذكر المعهد أن هامش الخطأ الإحصائي لاستطلاع من هذا النوع يناهز 3% تقريبًا. ويمكن إيجاد تفاصيل إضافية متعلقة بالمنهجية، بما في ذلك أسئلة الاستطلاع الكاملة والمعلومات الديموغرافية، على موقع “معهد واشنطن” الإلكتروني.