تشهد قضية تعدد الزوجات انقساماتٍ بين مؤيد ومعارض قديما وحديثا. ليس على المستوى الحقوقي والمدني فحسب. بل داخل المؤسسة الدينية أيضًا. فهناك من يراها مباحة ومَن يراها تشكل استثناءً يجب تقييده.
هناك فريق ثالث يرونها تتعارض مع حق المواطنة في المساواة بين الواجبات والحقوق. كما يعتبرونها “تمييزا ضد النساء“. وذلك لما تمثله من أضرار نفسية واجتماعية بامتهانها واحتكارها بتفضيل أخرى عليها وتكريس لفكرة الهيمنة الذكورية. والتي تنظر للرجل على أساس الفحولة فقط.
ويصف رافضو “منع التعدد” هذا الموروث بأنه “من توابع تأثير ثقافة البادية ويرمز لمرحلة حضارية وثقافية انتهت لم تعد تناسب طبيعة المجتمعات الحديثة. وبالتالي يجب تجريمها لما تمثله من تهديد للأسرة والمجتمع”.
وهنا التساؤل: “هل ينجح مشروع قانون الأحوال الشخصية -الذي تعمل لجنة مكلفة من وزير العدل المستشار عمر مروان على إعداده حاليا- في حسم هذا الخلاف ومنع التعدد بالقانون؟”.
دول إسلامية تجرم التعدد
كانت تونس أول دولة عربية تلغي تعدد الزوجات منذ سنة 1956. ويعد التعدد جريمة طبقا للمادة 28 من قانون الأحوال الشخصية في تونس. إذ تتم معاقبة كل رجل تزوج بأخرى وهو في حالة الزوجية بالسجن سنة واحدة وغرامة مالية كبيرة. وقد سبقتها تركيا في تجريم تعدد الزوجات منذ 1926. إذ اعتمدت الدولة “العلمانية” في عهد كمال أتاتورك قانونا مدنيا يقضي بالسجن 5 سنوات لأي رجل يثبُت زواجه على زوجته بأخرى.
وفي “تركمانستان” -يعتنق غالبية سكانها الديانة الإسلامية- تم تجريم التعدد بالحبس سنتين وغرامة مالية وفقا للقانون الجنائي للدولة في 2018.
انتفاء الاستثناء
الدكتورة آمال عبد الهادي -مدير مؤسسة المرأة الجديدة وإحدى معارضات التعدد- ترى أن الحاجة إلى منعه وتجريمه “بات ضروريا” ضمن نصوص المشروع الجديد للأحوال الشخصية. خاصة أننا لسنا الأوائل في هذا المطلب. مشيرة إلى أسبقية دول إسلامية علينا في العمل بتجريم التعدد منذ عقود طويلة. نظرا لما يلحق من خلاله بالنساء من ضرر. مؤكدة أن قاعدة الاستثناء في التعدد بشرط “العدل” انتفت بالنص القرآني: “وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ”.
وأوضحت أن التمسك بهذه “العادة الضارة” باعتبارها “حقا مطلقا للرجال” وأن “تعطيله مخالفة شرعية ليس صحيحا” لأن هناك حقوق شرعية ثابتة أيضا في الدين وتم تعطيلها ومنعها من قبل مثل “ملك اليمين”.
المواطنة والتمييز في القانون
وقالت الدكتورة “آمال” لـ”مصر 360″ إن المحدد الأساسي في تعديل قانون الأحوال الشخصية هو مبدأ “المواطنة”. مبينة أن فلسفة القانون الحالي قائمة على التمييز. متسائلة: هل من حق المرأة المسلمة أن تطلق وتحصل على حقوقها والمسيحية لا؟. أليست مواطنة ومن حقها أن تحصل على حقوقها؟. مؤكدة أن على الدولة خلق مساحات لعيش جميع المواطنين حياة كريمة وعادلة.
موقف المؤسسة الدينية من التعدد
وقد أثارت قضية التعدد جدلا واسعا مؤخرا بين بعض رجال الأزهر وشيخه. إذ ذهب الدكتور أحمد الطيب -شيخ الأزهر- إلى أن الشريعة “قيّدت التعدد بشروط إذا تم اتباعها يصعب التعدد معها” لدرجة “المنع”. بينما يتمسك تيار آخر داخل المؤسسة الدينية بالتعدد ويراه “من ثوابت الدين”. وعلى رأس هذا التيار الدكتور أحمد كريمة -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- الذى أثارت تصريحاته الأخيرة بأن على الزوجة أن تعين زوجها على الزواج بأخرى “لتعفه” انتقادات واسعة. وجددت المطالبة من المؤسسة الدينية بإعلان موقف واضح من مسألة التعدد.
وقال شيخ الأزهر في تصرياحت سابقة إن الأصل في الإسلام “زوجة واحدة”. ومن يقولون إن الأصل في الإسلام التعدد “مخطئون”. وتلك القضية من الأمور التي “شوهت السنة النبوية والإسلام” واعتبره نوعا من “التعسف” يُحدث ظلمًا للزوجة والأبناء.
وأوضح “الطيب” عبر جريدة صوت الأزهر أن “المسلم ليس حرا في أن يتزوج على زوجته الأولى. فهذه رخصة مقيدة بقيود وشروط. والتعدد حق للزوج لكنه حق مقيد. والرخصة تحتاج إلى سبب وإذا انتفى السبب بطلت الرخصة”. مطالبا المسلمين بـ”إعادة قراءة الآية التي وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل وتدبر ما قبلها وما بعدها. لأن العدل ليس متروكا للتجربة. وإنما بمجرد الخوف من عدم العدل أو الضرر يحرّم التعدد” فالقرآن يقول: “وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” -حسب قول الإمام “الطيب”.
مفكرون ضد التعدد
كان الإمام محمد عبده (1849-1905) قد استفاض في ضرورة منع تعدد الزوجات -في مقالة نشرت له بجريدة “الوقائع” المصرية في عددها الصادر بتاريخ 7 أغسطس 1881. مستندًا إلى ثلاثة شروط للتعدد لا يمكن تحققها في الواقع.
أولها: “العدل” حيث ذهب الإمام عبده إلى أن العدل “مفقود” في التعدد. وأضاف: “وإن وُجد عدل في التعدد فهو واحد في المليون. وبالتالي فلا يصح أن يتم اتخاذ التعدد قاعدة عامة. ومتى غلب الفساد على النفوس وصار من المرجح ألا يعدل الرجل بين زوجاته جاز للحاكم أو لعالم الدين أن يمنع التعدد مطلقا مراعاة للأغلبية”.
ثانيا: غلبة سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد وحرمانهم من النفقة والراحة. مما يجيز للحاكم منع التعدد دفعا للفساد الغالب.
ثالثا: ثبت أن منشأة العداوة بين الأبناء اختلاف أمهاتهم. فكل واحدة تربي أبناءها على الكراهية لأبناء “الضُرّة”. لذا يجب منع التعدد صيانة للبيوت.
منع التعدد.. وضبط الشهوة
ويذكر الدكتور محمد عمارة في كتابه “الإسلام والمرأة: في رأي الإمام محمد عبده” أن الإمام أراد بمنع التعدد “ضبط الشهوة الجنسية عند الإنسان”.
وتبين الدكتورة آمنة نصير -أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- أن التعدد “ليس من أساسيات الإسلام”. وأن تركه دون ضوابط “يهدد استقرار الأسرة وأمانها وحسن تربية الأبناء”.
وقالت “نصير” لـ”مصر 360″ إن الإسلام جاء لمصلحة الناس ومن أصوله “منع الضرر والضرار”. والثابت في التعدد إفساد الأبناء لانتشار الكره والعداوة بين أبناء الضرائر بسبب النزاع. فإذا ترتب على شيء مفسدة في زمن سابق فلا شك في وجوب تغير الحكم وتطبيقه على الحال الحاضرة وتقييده لمصلحة الناس.
وأوضحت أن القاعدة الشرعية تقول إن “درء المفاسد مقدم على جلب المنافع”. لذا ينبغي للعلماء والمتخصصين النظر في هذه المسألة التي لم يتبق لها فوائد كانت تحققها في صدر الإسلام أو في الجاهلية.
وذكرت أن التعدد “منافاة للآية التي تفسر الزواج بأنه يقوم على المودة والرحمة وسكون النفس للنفس”. كما في قوله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”. فتتبدل بالشقاء الراحة والهناء ويسود جو من العراك والفوضى والفتنة.
وعبر الكاتب يوسف زيدان عن رفضه لمبدأ التعدد. نظرا لما فيه من ضرر يلحق بالزوجة الأولى. وكتب في تغريدة له بحسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن “الزوجة الأخرى اسمها في فصيح اللغة العربية وفي التوراة العبرانية ضُرّة. وهي كلمة مشتقة من الضرر. ويجوز في الشرع الطلاق للضرر. ولا يجوز تهديد صاحبة هذا الحق بأوهام لا تليق بالبشر”.
“القومي للمرأة” وقضية التعدد
جاء موقف المجلس القومي للمرأة من قضية التعدد مقتصرا على تنظيم إجراءات الزواج الثاني في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية. إذ اقترح المجلس بأن يتم الزواج الثاني عن طريق القاضي لتحقيق العدل بين الزوجات. ولفت المجلس إلى أن ذلك “لا يتعارض مع حق الرجال في التعدد ولا الشريعة”.
محددات “القومي للمرأة” على تعديلات مشروع قانون الأحوال الشخصية تنص على: “يتعين تنظيم تعدد الزوجات بتحقق القاضي من شرط علم الزوجة برغبة الزوج في الزواج بأخرى. وموافقتها وضمان استيفاء العدل بينهما ومنح القاضي سلطة التصريح بالزواج الثاني بعد تحقق الشروط واستقرار الأسرة وضمان حقوق الأبناء والزوجة. علمًا بأن النص على تنظيم التعدد لا يتعارض مع حق الرجل في التعدد ولا يتعارض مع الشريعة. وإنما إجراء تنظيمي لحفظ حقوق الطرفين وعدم الانحراف في استعمال رخصة التعدد”.
وتبين فاطمة بدران -عضو اتحاد نساء مصر- أنه يمكن قراءة موقف “القومي للمرأة” من “التعدد” على أنه “متخاذل”. ففي الوضع الاقتصادي الحالي فإن غالبية النساء تعتمد على الأزواج في الإنفاق والمعيشة ولا يمكن إهمال هذا الوضع. معتبرة أن تقييد التعدد خطوة على الطريق تمهد للمنع في مراحل قادمة.
مشيرة إلى أن أول حالة منع للتعدد في الإسلام جاءت من النبي محمد حين منع علي بن أبي طالب من الزواج على ابنته فاطمة لعدم موافقتها ولم يفعلها علي إلا بعد وفاة النبي.
التعدد ولجنة إعداد القانون
لا يمكن استشراف موقف لجنة إعداد القانون من قضية التعدد حتى الآن. ولا التكهن بأي معلومات حول محدداتها عن فلسفة القانون حاليا. لكن هناك بعض المحاولات تمت للفت الانتباه حول أهمية القضية من خلال المقترحات المقدمة.
وقالت فاطمة بدران لـ”مصر 360″ إن منتدى الجمعيات الأهلية الذي يضم أكثر من 200 جمعية ومنظمة تقدم بورقة اقتراحات عن القانون للجنة. وأصدر بيانًا مطالبا بأن تكون منظمات المجتمع المدني ممثلة بين الهيئات الاستشارية المعاونة للجنة في صياغة قانون الأحوال الشخصية الجديد.
وأكدت أنه حتى الآن لم يصل إليهم رد بالإيجاب أو الرفض على مطلب المنتدى. مطالبة بأن تمنح فترة كافية للقانون لدراسته من القوى المدنية والسياسية لمناقشته وإبداء الرأي فيه.
مشاريع من داخل البرلمان
وقد تقدمت النائبة نشوى الديب بمشروع قانون عن الأحوال الشخصية للجنة. وقالت “الديب” لـ”مصر 360″ إن المادة 14 من المشروع المقدم تحظر الزواج بأخرى دون إخطار الأولى عن طريق إعلانها بإذن قضائي.
كما ينص المشروع على ضرورة استدعاء قاضي محكمة الأسرة للزوجة لمعرفة رأيها في الموافقة على الزواج الثاني من عدمه. وألا يتم الزواج دون إحضار الزوجة الأولى وإبداء رأيها بالرفض أو القبول وإبلاغ الزوجة الجديدة بالزواج السابق.