عند الحديث عن حماية الناجيات من العنف الجنسي بوصفهن مجنيا عليهن أو شهودا لا يمكننا  إغفال الإسهامات السابقة لمؤسسات المجتمع المدني والتي تم بلورتها في صورة مقترحات لقوانين بدأت مع:

أولا: “مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري”

والذى بدأته مؤسسة النديم، ثم عملت 7 منظمات حقوقية مهتمة بالعمل النسوي، على صياغة مسودته الأخيرة بعنوان “قانون موحد لمكافحة العنف ضد النساء” ذلك المقترح الذى تضمن في الباب الرابع  الخاص “بالأمر الوقتى بالحماية” الحديث عن حماية المجني عليها.

  • والذي نص فى الباب الثانى منه الخاص بـ(إجراءات التقاضي)  على أن “تحرك الدعوى العمومية لأي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بواسطة النيابة العامة أو بناء على شكوى من المجني عليها أو من وكيلها، ويتم تقديم الادعاء أو الشكوى المباشرة، أمام المحكمة المختصة، ممن له صفة لطلب التعويض، كما تقدم البلاغات عن حوادث العنف ضد المرأة إلى وحدة الشرطة المختصة من قبل كل من اتصل إلى علمه حدوث العنف، لاسيما:
  • شهود العنف.
  • أعضاء أسر الضحايا أو من تربطه بهن علاقات وثيقة.
  • مقدمو الخدمات الاجتماعية والطبية والتربوية من القطاعين العام والخاص.
  • مراكز تقديم المساعدة في مجال العنف ضد المرأة.
  • وحدات مناهضة العنف ضد المرأة بالجمعيات الأهلية غير الحكومية العاملة في هذا المجال.
  • ونص على معاقبة كل من يقوم بمحاولة إكراه الضحية أو ممارسة الضغط عليها بهدف رجوع الأخيرة عن شكواها، بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.
  • كما اعتبر إهمال المحقق للشكاوى والبلاغات في جرائم العنف تقصيرًا مستوجبًا الإحالة إلى المجلس التأديبي.
  • وألزم  بتوفير الحماية اللازمة للمجني عليها من أي تهديد أو عنف، خاصة في جرائم العنف الأسري ونقلها إلى مكان آمن أو أحد دور الضيافة إذا لزم الأمر أو طلبت المجني عليها  ذلك.
  • كما ألزم النيابة العامة بعبء إثبات الواقعة والقيام بالتحري والإجراءات والتدابير اللازمة كافة لحماية الضحية، ويجوز للضحية تقديم أي أدلة تثبت الجريمة.
  • ونص على أن بيانات الضحية والشهود وما يُدلى به من أقوال، بدءًا من تقديم الشكوى، بيانات سرية لا يحوز لغير من لديه الصفة الاطلاع عليها ولا يجوز نشرها إلا بالموافقة الكتابية للضحية أو لوليها إن كانت قاصرًا بشرط ألا يكون موجهًا إليه الاتهام من قبل الضحية. ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر. [1]

ثانيا:  مقترح  القانون الذى أعدته “مؤسسة قضايا المرأة المصرية”: “تنظيم الحق فى حماية الشهود والمبلغين والخبراء” [2]

ففي 2015، أعدت المؤسسة مقترح قانون لحماية الشهود والمبلغين. يتضمن هذا القانون 36 مادة، وجاء فيه:

  • تنظيم إنشاء اللجنة العامة لحماية الشهود والمبلغين والخبراء وفروعها وتشكيل اللجنة وإجراءاتها واختصاصاتها وإنشاء الصندوق وإجراءاته.
  • وحدد مقترح القانون اللجان العامة المختصة بحماية الشهود والمبلغين. وتتكون من ممثلين عن المجلس الأعلى للقضاء لا تقل درجته الوظيفية عن رئيس محكمة استئناف، وعن وزارة الداخلية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والنيابة العامة، وممثل عن المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني ذات الصلة.
  • كما نص في مادته السادسة على أنه “تعتبر بيانات المشمول بالحماية وأسرته وذويه ممن يحتمل تعرضهم للخطر سرية طوال مدة شموله بالحماية وحتى رفع الحماية عنه نهائيا لأي سبب من الأسباب”.
  • وفيما يتعلق بالأحكام العقابية، حددت المؤسسة في المقترح، بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، كل من أفشى البيانات.
  • كما ناقش مقترح المؤسسة سن التقاضي للمبلغات، والذي كان مثالا في قضية (أ.ب.ز). حيث رفض عدة أولياء أمور التقدم للإبلاغ عن الاعتداء الواقع على الفتيات بالرغم من أن الفتيات أنفسهن أردن اتخاذ المسار القانوني الصحيح. وطلبت المؤسسة أن يتم السماح للفتيات والفتيان في سن الـ 18 بتحرير توكيلات أو مباشرة حقوقهم القانونية بأنفسهم. وذلك اتساقًا مع السماح لفئة هذا السن بمباشرة الحقوق السياسية مثلا بالانتخاب.

وكذلك مشروع القانون المقدم من المجلس القومي للمرأة والذى شمل في الباب الرابع حماية ضحايا وشهود العنف ضد المرأة، في المواد من 22 إلى 34.

كما لا يمكننا أيضا إنكار المجهودات التي بذلتها الدولة في ذلك السياق على مدار السنوات الماضية لمواجهة العنف الجنسي مثل إنشاء إدارة لمتابعة جرائم العنف ضد النساء تابعة لوزارة الداخلية في 2013، وتعديل قانون العقوبات وإصدار استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة من قبل المجلس القومي للمرأة في مايو 2015،  لكن هذه الاجتهادات تحتاج إما إلى التفعيل أو المراجعة في ظل تزايد وتيرة العنف ضد النساء، كما تحتاج إلى تضافر هذه الجهود لتوفير حماية متكاملة للنساء والفتيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي.

تجارب دولية في حماية المجني عليهن والشهود في قضايا العنف المبنى على النوع الاجتماعي

باستعراض عدد من القوانين والتشريعات يتبين لنا بسهولة  أن الدول التي تعتمد تعاريف أوسع نطاقا للعنف ضد المرأة، قادرة أكثر من غيرها على توثيق انتشاره، وبالتالي على توفير مجموعة أكثر تنوعا من الخدمات لضحاياه. في المقابل، يؤثر غياب تعريف واضح وواسع النطاق للعنف ضد المرأة تأثيرا سلبيا على تنفيذ تشريعات وطنية في مواجهته، وهذا يتضح في تشريعات تونس ولبنان في مواجهة العنف ضد النساء، هذا من جانب.

ومن جانب ثان، يقتضي تطبيق القانون كفاءة العدالة الجنائية وضمان توفير الحماية اللازمة للمتعاونين معها خاصة في الوقائع محل التحقيق الجنائي، ومن بين الإجراءات التي استحدثتها السياسات الجنائية الأخذ بالتدابير بقصد حماية الشهود والخبراء لما لمركزهما القانوني من أهمية بالغة لإرساء العدالة. ومن أجل ضمان عدم المساس بحرياتهم الخاصة وحياتهم الشخصية، فقد سعت التشريعات المختلفة لتوفير كل ما من شأنه تكريس الحماية اللازمة للفئتين، ويظهر ذلك في اجتهادات المحاكم الجنائية الدولية والمعاهدات العالمية.

فحماية الشهود من المسائل الأكثر إلحاحًا وأهمية في سياق مكافحة جرائم الفساد، ذلك أن توفير الحماية القانونية للمتعاونين مع العدالة من شهود وخبراء ومبلّغين، على اعتبار أنهم يؤدون مهامًا جسيمة محفوفة بالكثير من المخاطر، وهو ما أدركه المجتمع الدولي، وترجمته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كأحد أهم البنود الواجب تحقيقها ضمن أي آلية لمكافحة الفساد، عبر المادة 32 منها بعنوان حماية الشهود والخبراء والضحايا، والتي نصَّت على أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقًا لنظامـها القـانوني الداخلـي، وضمـن حـدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يُدلون بشـهادة تتعلـق بأفعـال مجرَّمـة وفقًا لهذه الاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشـخاص وثيقـي الصلـة بهـم عنـد الاقتضـاء، مـن أي انتقام أو ترهيب مُحتَمل، كما نصًّت المادة 33 بعنوان حماية المبلغين على أن تنظر كل دولة طرف في أن تُدخِل بصلب نظامها القـانوني الداخلـي تدابـير مناسـبة لتوفير الحماية من أي معاملة لا مسوِّغ لها لأي شـخص يُبلِغ -بحسـن نيـة ولأسـباب وجيهـة- السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرَّمة وفقًا لهذه الاتفاقية.

برنامج حماية الشهود

بدأ برنامج حماية الشهود في العالم بشكل غير رسمي، في منتصف القرن التاسع، وكان من أبرز الدول التي استخدمت هذا الحق في الدفاع عن مواطنيها: أمريكا والفلبين وبريطانيا وأوكرانيا وأيرلندا والسويد وسويسرا وكندا.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية، هي صاحبة براءة الاختراع في التفكير ببرنامج لحماية الشهود عام 1970، ولجأت رسميًا لوضع قانون لحماية الشهود عام 1976، وعرف عالميًا باسم “أمن الشهود”.

القانون التونسي 

حدد القانون مجموعة من الحقوق التي تتمتع بها المرأة ضحية العنف، والتي توفر لها الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف المسلط عليها وحق النفاذ إلى المعلومة والإرشاد القانوني والتمتع وجوبا بالإعانة العدلية والتعويض العادل. وعلى الدولة المسؤولية فيما يخص المتابعة الصحية والنفسية والمرافقة الاجتماعية والإيواء الفوري في حدود الإمكانيات المتاحة. وينص القانون على التزام المهنيين (مثل الممارسين الطبيين) بواجب إشعار الجهات المختصة بحالات العنف ضد المرأة. ويمكن للنساء طلب الحماية من السلوك العنيف لأزواجهن وغيرهم من الرجال، بما في ذلك الزوج السابق (المنفرق أو المطلق)، أو الخطيب أو الخطيب السابق.

وفيما يتعلق بوزارتي العدل والداخلية، فهم مطالبون بوضع برامج لمكافحة العنف ضد المرأة في التدريس والتكوين في المؤسسات المعنية لتطوير طرق التعاطي مع شكاوى وقضايا النساء. وتتخذ وزارة العدل كل التدابير إعادة تأهيل مرتكب جريمة العنف وإعادة إدماجه في الوسط العائلي والاجتماعي.

كما يوجد  مجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، وهو هيئة استشارية أنشئت بموجب المرسوم الحكومي عدد 26 – 6 – 2016. وتتمثل مهمته الرئيسية في تعميم النهج المراعي للمساواة بين الجنسين في سياسات وخطط التنمية في تونس) التخطيط والبرمجة والتقييم والميزانية (بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات. كما أن المجلس مخول بإبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بحقوق النساء.  ومنذ أن أدخل قانون القضاء على العنف ضد المرأة (عدد ٥٨ لعام ٢٠١٧) حيز التنفيذ في عام ٢١٠٨، تم وضع اتفاقية إطارية مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لدعم النساء ضحايا العنف. وتهدف الاتفاقية إلى توحيد نهج مشترك بشأن العنف ضد المرأة وإرساء الممارسات الجيدة من المنطقة، لتعميمها في أطر منسقة. كما تهدف الاتفاقية إلى الوصول إلى الفعالية المرجوة في معالجة العقبات التي تواجه النساء ضحايا العنف. كما ستنفذ تدابير قطاعية لدعم النساء ضحايا العنف في قطاعات العدل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والمرأة. [3]

القانون اللبنانى 

كان للبنان الريادة في وضع قانون متكامل لحماية النساء والأطفال من العنف الأسري بالقانون رقم 293 لـ”حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري” الذي أقرّه المجلس النيابي في 1/4/2014 ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/5/2014

وينقسم هذا القانون إلى قسمين:

قسم عقابي: يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، ويجرّم الضرب والإيذاء.

قسم حمائي: يشمل أمر الحماية الذي بإمكان الضحيّة طلبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها إلى مكان آمن. نشرح في الأسئلة اللاحقة تفاصيل قرار الحماية وكيفية الحصول عليه.

وجدير بالذكر أن هذا القانون لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد الذي يلجأ إليه الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية، لكنه يُعاقب المعنِّف.. يجب أن تتقدّمي بشكوى قضائية. إسقاطكِ للشكوى يوقف ملاحقة المعنِّف.

كما لا يشمل القانون العلاقات الآتية:

زواج سابق، فلا يشمل القانون الزوج السابق علما أن المرأة غالبا ما تبقى مُهدَّدة من قبله، كما لا يشمل علاقات المساكنة، والزواج الموقّت، وأي علاقة خارج إطار الزواج الصحيح المعترف به قانونا.

أوامر الحماية في لبنان:

في سبتمبر 2014 تقدمت امرأة بطلب إلى المحكمة للحصول على أمر حماية مدعية أنها تتعرض لعنف عاطفي من قبل زوجها منذ 12 عاما، وكانت المرأة قد زُوجت وهي قاصر، وأنجبت ابنا بلغ من العمر –حينها- ثماني سنوات. وادعت أن زوجها، منذ أن تزوجا، يطردها بالقوة من المنزل، ويمنعها من رؤية ابنها، ويشتمها، ويكيل لها اتهامات باطلة، ويغتصبها. وأن الزوج كان يمنعها من العمل، فقد كان المعيل الوحيد للأسرة. وقبل التماس أمر الحماية، أجبرها على مغادرة المنزل دون أيما سبب، ومنعها من العودة إليه. ونتيجة لتعرضها للاعتداء البدني والجنسي والعاطفي طيلة الوقت، أصيبت باضطراب نفسي وبمشاكل صحية أخرى أفضت إلى ذهابها إلى المستشفى مرات عديدة. ويعتقد طبيبها أن سوء المعاملة الذي تتعرض له هو سبب أمراضها البدنية،  وبعد النظر في هذه القضية في سياق القانون 293، حكم القاضي بما يلي:

  • يحظر على الزوج ممارسة أي نوع من أنواع الإيذاء البدني أو العاطفي على زوجته أو طفله.
  • يحظر على الزوج منع زوجته أو طفله من الإقامة في المنزل
  • يدفع الزوج مبلغا شهريا قدره  500،1 دولار لإعالة طفله، ويشمل هذا المبلغ كلفة الغذاء والملبس والتعليم.
  • يحظر على الزوج إلحاق أي ضرر بالممتلكات المشتركة للزوجة أو الطفل أو بمقتنياتهما.
  • يحظر على الزوج إلحاق ضرر بأثاث منزل الأسرة واستخدام الأموال المشتركة.

وفي عرضه لحيثيات القضية، استشهد القاضي مباشرة بالإعلان  العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، وكلها صكوك لبنان طرف فيها، كما استشهد بمبادئ القانون الطبيعي المعمول بها في لبنان[4]

تجارب العدالة الانتقالية لحماية ضحايا العنف الجنساني[5]

لم يعد العنف المبني على النوع الاجتماعي محل اهتمام القانون الوطني فحسب لكنه أصبح محل اهتمام القانون الدولي بفرعيه: القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومؤخرا صدر حكم الإدانة من المحكمة الجنائية الدولية حيث أدانت المحكمة “بوسكو نتاغاندا” قائد العمليات السابق في ميليشيا «الاتحاد الوطني للدفاع عن الشعب» المتمردة في الكونغو، بارتكاب جرائم عنف جنسي باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كانت قد وقعت بين العامين 2002 و2003 في مقاطعة إيتوري شمال شرق الكونغو، إبان فترة الصراع المسلح الذي بدأ في العام 1998 واستمر حتى العام 2003، هذا الحكم الذى يمكن الاستفادة منه فيما يتعلق بمجهودات المحكمة الجنائية في إطار إثبات الجريمة وتوثيقها وإجراءات المحاكمة التى تضمن حماية الناجيات والشهود.

نموذج  المحكمة الجنائية الدولية والعنف الجنسي في الكونغو 

تعد جرائم العنف الجنسي انتهاكا للسلامة الجسدية ولكرامة وشرف الضحية، واعتداء خطيرا يصيب حريتها العامة والجنسية، كما أنَه ينجم عن هذه الجرائم أذى جسدي ونفسي مستمرين، فضلا عن أنَ ضحايا العنف الجنسي غالبا ما يعاقبون اجتماعيا على هذه الجريمة المرتكبة في حقهم. وبما أنَ جرائم العنف الجنسي انتهاك لحقوق الإنسان، فقد ظهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتعارض معها، لأنَه نصَ على الحق في السلامة الشخصية في مادته الثالثة، والحق في النأي عن المعاملة اللاإنسانية وعدم إخضاع الإنسان للتعذيب أو أيَ شكل من أشكال المعاملة القاسية م (5)، ويتعارض مع المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة المشيرة إلى عدم جواز إخضاع الإنسان لمعاملة قاسية أو مهينة. وغالبا ما تكون ضحية الاغتصاب والعنف الجنسي المرأة، فلذلك هو يتعارض مع اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة 1979، ونلاحظ أنَ الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء لم يبدأ الالتفات إليه إلا منذ عهد قريب.

أفرد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عناية خاصَّة بجرائم العنف الجنسي التي ترتكب بحق النساء فقد قرَّر لها ضمانات قانونية بدءا من خضوعها لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بصفتها جرائم ضدَّ الإنسانية أو جرائم حرب، حيث كرَّس مجموعة من التدابير لحماية ضحايا وشهود جرائم العنف الجنسي من النساء كما أقر مبدأي عدم تقادم الجرائم والمسؤولية الجنائية الفردية اللذَين يسمحان بمحاكمة كل مرتكبي جرائم العنف الجنسي ضدَّ النساء ومعاقبتهم دون استثناء ليتحقق بذلك الهدف من وجود المحكمة الجنائية ألا وهو مكافحة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة الجنائية.

وعلى الرغم من شيوع استخدام العنف الجنسي سلاحا بين الأطراف المتناحرة في أوقات الحروب والنزاعات، لم يصدر حكم عن المحكمة الجنائية الدولية، يدين ارتكاب جرائم العنف الجنسي في إطار النزاعات والصراعات المسلحة، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلا في الـ8 من يوليو في العام 2019، حينما أدانت المحكمة “بوسكو نتاغاندا” قائد العمليات السابق في ميليشيا «الاتحاد الوطني للدفاع عن الشعب» المتمردة في الكونغو، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كانت قد وقعت بين العامين 2002 و2003 في مقاطعة إيتوري شمال شرق الكونغو، إبان فترة الصراع المسلح الذي بدأ في العام 1998 واستمر حتى العام 2003.

تنص المادة رقم (25) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن «يُسأل الشخص جنائيًا ويكون عرضةً للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، في حال قيام هذا الشخص بارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك الآخر مسؤولًا جنائيًا، وفي حال أمر هذا الشخص أو أغرى أو حث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها»، واستنادًا إلى هذا النص حوكِم “نتاغاندا” وأدانته المحكمة بارتكاب جرائم قتل، وشروع في قتل، واغتصاب، واستعباد جنسي، ومهاجمة مدنيات ومدنيين وتشريدهم، وتجنيد أطفال تحت سن 15 عامًا، وقضت في حكمها الابتدائي بسجنه لمدة 30 عامًا، ثم أيدت الحكم بعد الاستئناف عليه في الـ7 من نوفمبر في العام 2019.

وقد ذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن “نتاغاندا” قصد عمدًا أن يتعرض المدنيون للهجوم والقتل، وأن يتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وتدميرها، وأن يتعرضوا للاغتصاب، ويخضعون للاستعباد الجنسي، فضلًا عن تشريدهم قسريـًا.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تدين فيها المحكمة الجنائية الدولية –ومقرها مدينة لاهاي في هولندا- قائدًا عسكريًا بارتكاب جرائم عنف جنسي سواء بنفسه أو على أيدي قواته، والمرة الأولى التي تدين فيها المحكمة شخصًا بتهمة الاستعباد الجنسي، وبعد تأييد الحكم أمام دائرة الاستئناف بالمحكمة، أضحت هذه القضية أول إدانة نهائية في المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم العنف الجنسي.

هذه الإدانة كانت نتيجة عدد من التدخلات المهمة:

أهمها استراتيجيات العدالة الانتقالية التى ركزت على تعزيز القدرة الوطنية على المقاضاة في جرائم العنف الجنساني والجنسي. وقد أنشئت دوائر أو محاكم متخصصة، واستُحدثت وحدات للملاحقة والتحقيق تُعنى تحديدا بالعنف الجنساني والجنسي. وقد عمل مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان التابع لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على تعزيز القدرات الوطنية، بإجراءات تشمل مساعدة القضاة العسكريين على إنشاء محاكم متنقلة وخلايا متخصصة في دعم الادعاء. وأسفرت تلك الجهود عن زيادة عدد حالات الإدانة المسجلة.

وانصب تركيز أنشطة بناء القدرات الوطنية على محور مهم هو تدريب المحققين والمدعين العامين والقضاة والمسؤولين الأمنيين والمحامين والعاملين في المجال الطبي والاختصاصيين الاجتماعيين وغيرهم من العناصر الفاعلة في مجال سيادة القانون. وأُجريت الأنشطة التدريبية لبناء القدرات بمساعدة الأمم المتحدة، وكان هناك وعي متزايد بالحاجة إلى التصدي للعقبات التي يواجهها ضحايا العنف الجنساني والجنسي في الاستفادة من عمليات المساءلة الجنائية. ومن هذه العقبات

  • التكلفة الباهظة في الغالب التي تترتب على تقديم الشكاوى
  • والصعوبة الجغرافية في الوصول إلى مراكز الشرطة والخدمات الطبية اللازمة للحصول على أدلة الطب الشرعي والمحاكم، ولا سيما بالنسبة إلى النساء الضحايا اللاتي يعشن في المناطق النائية ويفتقرن إلى وسائل النقل ويتحملن مسؤولية رعاية الأطفال. ويحتاج الضحايا أيضا إلى مساعدة قانونية مجانية لمتابعة القضايا، وإلى الرعاية والدعم الطبيين لإدارة الآثار الصحية الناجمة عن العنف الجنساني والجنسي، وإلى تلقين مبادئ عمل نظام العدالة الجنائية كي لا يُتخلى عن القضايا أو تُسحب بسبب افتراضات خاطئة.

وتُعتمد حاليا استراتيجيات مبتكرة لتذليل بعض تلك العقبات. فقد سمحت المحاكم المتنقلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بإقامة إجراءات جنائية في المناطق النائية وأنشئت عيادات قانونية مجانية لضحايا العنف الجنساني والجنسي. وبُذلت جهود لدمج توفير الخدمات القانونية والطبية وإقامة “مراكز موحدة لتقديم جميع الخدمات” للأطفال والنساء ضحايا ذلك العنف.

التوصيات:

  • وضع تعريف شامل متكامل لكل أنواع العنف الموجه للنساء، ذلك أن أنظمة العدالة التي تعتمد تعاريف أوسع نطاقا للعنف ضد المرأة قادرة أكثر من غيرها على توثيق انتشاره، ولابد أن يشمل هذا التعريف جريمة الاغتصاب الزوجي.
  • الاطلاع على تجارب الدول التي سبقتنا في وضع تشريعات حماية من العنف للنساء، كالقانون التونسي واللبناني، أو تشريعات لحماية الشهود.
  • الاطلاع على تجربة المحكمة الجنائية في إدانة وملاحقة والتحقيق ومحاكمة المتهمين بجرائم العنف الجنساني والجنسي مؤخرا، وآليات الإثبات التي استخدمتها في ذلك.
  • مراجعة كافة التشريعات التي تلقي بعبء الإثبات على ضحايا العنف من النساء والأطفال، ليصبح عبء الإثبات فى هذه الجرائم على عاتق النيابة العامة.
  • استخدام وسائل الاتصال عن بعد في إجراءات التقاضي وتقديم الشكوى لضمان حماية الناجيات والشهود.
  • إجراء تعديل تشريعي ينص على عدم تقادم كل جرائم العنف، لتمكين الناجيات من ملاحقة المتهمين في تلك الجرائم مهما طالت المدة.
  • إصدار قانون متكامل لحماية الشهود والمبلغين والخبراء يحمي المعلومات والبيانات الخاصة بالناجيات والشهود في جرائم العنف الجنسي ويراعي خصوصيتهن.
  • سرعة إصدار قانون مناهضة كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء. ويحتوي على صور وتعريفات واضحة لقضايا العنف الجنسي والأسري.
  • حماية الناجيات أثناء وبعد تحرير محضر بواقعة الاعتداء التي وقعت عليهن من الحبس عن طريق تحرير محضر مضاد من قبل الجاني.
  • استحداث نيابات مختصة للتحقيق في جرائم العنف الجنسي بحيث أن تكون سريعة البت في ذلك النوع من القضايا.
  • مشاركة قاضيات مدربات على التعامل مع الناجيات من تلك الجرائم في الدوائر الجنائية وخاصة لنظر القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي، لتحسين الاستجابة القضائية لذلك النوع من القضايا.
  • تعديل سن التقاضي ليبدأ من 18 عام بدلا من 21.
  • توفير آليات لحماية الشهود والمبلغين على المستوى القانوني والاجتماعي والنفسي. وتوفير ملاجئ آمنة للشهود والمبلغين عند الضرورة.
  • ضرورة التواصل بين مؤسسات المجتمع المدني وبين مؤسسات الدولة. فيما يخص نظام الإحالة بشكل سريع خاصة في قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي. وكذلك في استمرار النقاش حول أهمية وجود إصدار قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
  • ضرورة توفير الحماية اللازمة للمبلغات والشهود خلال تقديم البلاغ، وعمل المحضر وأثناء التحقيق معهم في قضايا العنف الجنسي بشكل خاص.
  • ضرورة توفير شرطة نسائية واختصاصيين نفسيين واجتماعيين في أقسام الشرطة لمباشرة التحقيقات المتعلقة بجرائم العنف الجنسي ضد النساء.
  • تدريب أفراد قطاع الأمن ومؤسسات إنفاذ القانون وبناء قدراتهم في إطار مراعاة الاعتبارات الجنسانية للتصدي للعنف الجنساني والجنسي
  • توعية الجهات الفاعلة في نظام العدالة بالتزاماتهم بالتقصي بشان الشكاوى المقدمة.
  • دعم تطوير إجراءات تشغيلية قياسية وآليات إحالة وبروتوكولات للتصدي للعنف المبني على النوع الاجتماعي باستخدام نهج متمركز حول الناجين.
  • يجب أن يحرص القيمون على توثيق معلومات العنف الجنسي أثناء التقاضي على “عدم إلحاق الضرر” أو الحد من الأضرار التي قد يتسببون بها عن طريق الخطأ أثناء حضورهم أو عملهم.

مراجع

  • البروتوكول الدولي للتحقيق في جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع وتوثيقها – المعايير الأساسية لأفضل الممارسات بشأن توثيق العنف الجنسي كجريمة بموجب القانون الدولي الطبعة الأولى: يونيو 2014- https://bit.ly/361SL3K
  • التقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ” تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية” – دراسة تحليلية تركز على العنف الجنساني والجنسي في سياق العدالة الانتقالية – مجلس حقوق الإنسان الدورة السابعة والعشرون البندان 2 و3 من جدول الأعمال – 30 June 2014
  • تحديات تطبيق القانون رقم 293( حماية النساء وسائر أفراد الآسرة من العنف الأسري( – 2014 منظمة “كفى عنف واستغلال” ص. 38-41– لبنان  https://kafa.org.lb/ar/node/158
  • بيانات حملة ” شهود بلا حماية” – مؤسسة قضايا المراة المصرية  على موقع facebook     https://bit.ly/37dyQ2z
  • مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة – موقع مؤسسة المرأة الجديدة  – org 
  • ورقة بعنوان” العنف الجنسي بين فلسفة القانون وإشكاليات التطبيق”  2018  مؤسسة نظرة للدراسات النسوية   https://bit.ly/35XpI1t
  • تقرير ” عدالة النوع الاجتماعي والقانون”– برنامج الامم المتحدة الإنمائي 2018- تونس https://bit.ly/3762WDP
  • ورقة سياسات “فرص تطبيق التقاضي الإلكتروني في قضايا العنف ضد المرأة في أوقات الطوارئ والأزمات”  – مؤسسة المرأة الجديدة  –     https://bit.ly/3oR5i0B
  • المبادئ التوجيهية المشتركة بين الوكالات لإدارة حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي-2017-مؤسسة savethechildren –   https://bit.ly/3qUpEYK

[1] مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة  – موقع مؤسسة المرأة الجديدة  – nwrcegypt.org 

[2] صفحة مؤسسة قضايا المرأة المصرية  علي الفيسبوك  https://bit.ly/2Wdmz88

[3] تقرير ” عدالة النوع الاجتماعي والقانون”   – برنامج الامم المتحدة الإنمائي 2018  – تونس   https://bit.ly/3762WDP

[4]، المصدر: تحديات تطبيق القانون رقم 293( حماية النساء وسائر أفراد الآسرة من العنف الأسري(  – 2014 منظمة “كفى عنف واستغلال” ص. 38-41- لبنان

[5] العنف الجنساني هو أي فعل ضار يستهدف أفراداً أو مجموعات من الأفراد على أساس نوع الجنس ويمكن أن يشمل العنف الجنساني العنف الجنسي والعنف المنزلي والاتجار بالبشر والزواج القسري/المبكر والممارسات التقليدية الضارة. والعنف الجنسي شكل من أشكال العنف الجنساني ويشمل “أي ممارسة جنسية، أو محاولة لممارسة الجنس، أو تعليقات جنسية أو عروضاً لممارسة الجنس غير مرغوب فيها، أو أفعال تستهدف الاتجار الجنسي أو تستهدف شخصاً بسبب ميله الجنسي بالإكراه، تصدر عن أي شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية، وأياً كان السياق” ويتخذ العنف الجنسي أشكالاً متعددة، ويشمل الاغتصاب والإيذاء الجنسي والحمل القسري والتعقيم القسري والإجهاض القسري والإكراه على البغاء والاتجار والاستعباد الجنسي والختان القسري والإخصاء والإكراه على التعري.