خلال أول 4 أشهر فقط من العام الجاري 2022، حصدت مصر عوائد من تصدير الغاز بلغت ما يقارب 4 مليار دولار، بحسب “رويترز“. وهو يعادل ما كسبته الدولة من الغاز في العام الماضي 2021 بأكمله، ونحو ثمانية أضعاف ما جنته في عام 2020.

كان ذلك بفضل الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي أدت إلى اضطرابات في أسواق الطاقة. وعقوبات موسعة على موسكو من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. اللذان تحركا في سبيل الاستغناء عن الغاز الروسي، وإيجاد أسواق إمداد بديلة.

كانت مصر من بين تلك الأسواق التي استفادت من ارتفاع الأسعار، وزيادة واردات الغاز الإسرائيلية إليها. ومن ثم، تسييله وتصديره إلى أوروبا. لتسهم تلك الإجراءات في تسريع خطاها التي بدأت قبل أعوام قليلة، للتحول إلى مركز طاقة إقليمية.

في هذا السياق، وقّع الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء (15 يونيو/حزيران الجاري) اتفاقا مع مصر وإسرائيل لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر القاهرة، التي ستعالجه في منشآتها للغاز الطبيعي المسال بحيث يمكن شحنه بسهولة أكبر إلى أوروبا، وفقًا لـ”بلومبرج“. ومن المفترض أن يستمر الترتيب حتى عام 2030 على الأقل، وسيتم تخفيضه تدريجيا حتى عام 2050.

اقرأ أيضا: مصر وتركيا: المصالح الاقتصادية كقوة دافعة نحو التطبيع

بموجب الاتفاقية، سيشجع الاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية على المشاركة في مناقصات التنقيب الإسرائيلية والمصرية. وفق ما ذكرت “رويترز“. ويقول المسؤولون إنهم يتوقعون زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا بموجب الاتفاقية. على الرغم من أنهم قالوا إن الأمر سيستغرق -على الأرجح- عامين قبل أن يتم توسيع الصادرات بشكل كبير.

باعت مصر حتى الآن نحو 5.6 مليار متر مكعب من الغاز. وكانت أغلب الشحنات إلى دول أوروبية، في تنامي واضح لاتجاه الصادرات إلى القارة العجوز. بعدما كان أغلبها موجها نحو أسواق آسيا، بحسب منصة “إس آند بي جلوبال بلاتس” المعنية بشؤون الطاقة. والتي وفقًا لبياناتها، سلّمت مصر حتى الآن قرابة 55 شحنة إلى أسواق التصدير. مع تهافت الأسواق الأوروبية والتركية على الغاز الطبيعي المسال المصري.

ومنذ بداية عام 2022، استقبلت تركيا 15 شحنة حتى الآن، تليها إسبانيا بـ 8 شحنات، ثم فرنسا بـ 6 شحنات، وشحنتان لكل من اليونان وهولندا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى شحنة واحدة لكل من بلجيكا وكرواتيا وإيطاليا ومالطا وليتوانيا.

وخلال العام الماضي، استحوذت الأسواق في شمال شرق وجنوب آسيا على النصيب الأكبر من الغاز المسال المصري. ولكن استطاعت أوروبا سحب البساط مع بدء تداول الغاز بسعر يفوق الأسعار الفورية للغاز المسال في آسيا.

الاتحاد الأوروبي وشراكة استراتيجية

سعى الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية لإتمام صفقة استيراد غاز إسرائيلي عبر مصر. بحسب “بلومبرج”، التي أطلعت على وثائق كجزء من مذكرة تفاهم. واتفقت الأطراف الثلاثة يوم الأربعاء على تلك المذكرة في حضور رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أثناء زيارتها للقاهرة.

وسبق أن صرح سفير الاتحاد الأوروبي، كريستيان برجر، إلى منصة الطاقة المتخصصة، بأن القطاع الخاص في مصر سيمد الاتحاد الأوروبي بكميات من الغاز المسال. وأثمرت المباحثات الأخيرة بين وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، ومفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، عن تشكيل مجموعة عمل مشتركة، ضمت ممثلين مصريين.

وأكد المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية، ليور شيلات، أن مصر هي السبيل الوحيد الناجع لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، مشيرًا إلى وجود خط أنابيب قائم بين البلدين، وبموجب اتفاق سابق يمكن زيادة الصادرات إليها.

وتابع: “لا يوجد خط أنابيب من إسرائيل إلى أوروبا، ومن ثَم فإن أنسب خيار هو نقل الغاز إلى محطتي التسييل في مصر، ومن ثم شحنه إلى أوروبا على شكل غاز طبيعي مسال، وتحويله بعد ذلك إلى غاز”.

اقرأ أيضا: هل تتحول بوصلة الغاز الأوروبية في اتجاه القاهرة؟

 

قالت وكالة “بلومبيرج” إن السياسيين من برلين إلى بروكسل وروما ورومانيا. حاولوا التودد إلى القاهرة مؤخرا، في محاولة للحصول على الغاز المسال المصري. حيث يمكن لمصر مساعدة أوروبا في تقليل اعتمادها على خطوط الغاز الروسية.

وذكرت الوكالة أنه رغم تضرر مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها واحدا من أكبر مستوردي القمح في العالم. إلا أن قدراتها الناشئة ومخزونات الغاز الطبيعي والمسال تحظى بالاهتمام الأجنبي، لتجعلها شريك استراتيجي للغرب.

وفي وقت سابق، قال رئيس بولندا، أندريه دودا، إن مصر هي المورد المحتمل إلى بلاده للغاز الطبيعي المسال. وذلك في ظل تراجع إمدادات الغاز الروسي بسبب الحرب الأوكرانية. وأوضح “دودا”، أنه ناقش مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة هذا الأمر.

مضيفا “نعتقد أن مصر شريك محتمل للغاية.. وندعم بشكل مطلق المفاوضات الجارية بين مصر والمفوضية الأوروبية بشأن توريد الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي”. وكذلك رومانيا التي أعربت عن اهتمامها باستيراد الغاز الطبيعي المسال من إسرائيل عبر مصر، قائلة في أبريل/نيسان الماضي إنها ستساعد في تعزيز أمن الطاقة بالنسبة لها.

خطط زيادة الصادرات

بعد التوصل إلى واحد من أكبر اكتشافات الغاز البحري على الإطلاق في البحر الأبيض المتوسط ​​في عام 2015، تطلعت مصر لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الغاز الطبيعي المسال. وفي أبريل/نيسان الماضي، وقعت صفقة مع عملاق الغاز الإيطالي إيني لزيادة الإنتاج وتبسيط عملية التصدير. كما تعمل على تسريع خطط بناء خط لنقل الكهرباء تحت الماء إلى اليونان، والذي سيوفر الطاقة إلى أوروبا من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المصرية.

وأرجع الخبير البترولي مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق. في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية“، الزيادة التي حققتها مصر في صادراتها من الغاز الطبيعي والمسال خلال الفترة من يناير حتى أبريل 2022 إلى القفزة الضخمة التي شهدتها الأسعار العالمية للغاز المسال نتيجة العملية الروسية في أوكرانيا، وإعادة تشغيل مصنع محلي كان متوقفا لسنوات.

وبلغت صادرات قطاع البترول نحو 208 مليارات جنيه (13 مليار دولار) خلال عام 2021، ارتفاعا من 7 مليارات دولار خلال عام 2020، وفقا لبيانات وزارة البترول.

وبحسب الخبير البترولي فإن مصر بحاجة إلى استثمارات مستمرة حتى تتمكن من زيادة صادراتها، بالإضافة إلى ضرورة التعاون بين الدول الأعضاء بمنتدى شرق المتوسط لتجميع غاز البحر المتوسط وتصديره إلى أوروبا عبر محطات الإسالة المصرية.

بينما قال مصدر في وزارة البترول، لموقع “مصراوي” إنه “لدى وزارة البترول خطة لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي خلال السنوات القادمة، من خلال زيادة التعاون بين دول شرق البحر المتوسط والمتمثلة في إسرائيل وقبرص، عبر استيراد كميات الغاز المستخرجة في تلك الدول وإسالتها وإعادة تصديرها مرة أخرى لأوروبا”.

وتبدأ مصر في زيادة صادراتها من الغاز المسال بداية من سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك بعد انتهاء ذروة الصيف الحالي، وفقًا لما قاله المصدر. وبحسبه، فإن صادرات الغاز المسال تبلغ نحو مليار قدم مكعب يوميا من الغاز، ومن المخطط خفض تلك الكميات خلال الثلاثة أشهر القادمة نتيجة زيادة استهلاك السوق المحلي من الغاز الطبيعي.

بينما توقع طارق الملا، وزير البترول، في مقابلة سابقة مع قناة “سكاي نيوز”، أن تصل الطاقة القصوى لصادرات الغاز المصرية إلى 12 مليون طن سنويا خلال 3 سنوات، مشيرا إلى أن وزارته تستهدف في العام الجاري تصدير من 7 إلى 8 ملايين طن من الغاز.

من جانبه، قال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، إن القاهرة وضعت خطة لترشيد استخدام الغاز الطبيعي على المستوى المحلي، وإعطاء الفرصة لتصدير أكبر كمية بداية من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتحقيق نوع من التوازن في فاتورة استيراد النفط.

وأضاف، في تصريحات إعلامية، أن مصر أصبحت مركزاً لإنتاج وتداول الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، و”لدينا البنية الأساسية لأعمال الإسالة ونقل الغاز لجيراننا وقارة أوروبا. كما نعمل مع أشقائنا الإماراتيين للتوسع في حقول الغاز الطبيعي وشبكات النقل والإسالة”.

وفي السادس من الشهر الجاري، اجتمع الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء وهشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، وكامل الوزير وزير النقل، ونيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة لمتابعة الموقف التنفيذي الخاص بتطوير منظومة الموانئ البحرية لتعظيم عملية التبادل التجاري مع مختلف دول العالم.

الخطة لن تكتمل دون إسرائيل

في الربع الأول من العام الجاري، بلغت واردات مصر من الغاز من إسرائيل أعلى مستوياتها على الإطلاق. وسجلت تدفقات الغاز رقماً قياسياً جديداً كانت ذروته في مارس/آذار الماضي عندما اشترت القاهرة كميات تجاوزت الكميات المتعاقد عليها.

وفقًا للبيانات الصادرة عن النشرة الأسبوعية “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط”، استوردت مصر  في ذلك الشهر من إسرائيل أكثر من 20 مليون متر مكعب يوميًا. رفع هذا الرقم متوسط ​​واردات الربع الأول إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 15.6 مليون متر مكعب في اليوم. وفي المقابل، استحوذت مصر على 26.5٪ من إنتاج إسرائيل من الغاز خلال نفس الفترة، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق.

يقول موقع “المونيتور” إن الزيادة الكبيرة في واردات مصر من الغاز من إسرائيل تعود بشكل أساسي إلى بدء تشغيل خط الغاز العربي، الذي يربط مصر بالأردن في البحر الأحمر ثم يمتد إلى سوريا ولبنان. ويمكن لإسرائيل الوصول إلى ذلك الخط من خلال خط أنابيب خاص بها يصل إلى شمال الأردن.

وقد بدأت مصر استيراد الغاز الإسرائيلي في عام 2020 من خلال شركة “دولفينوس” الحكومية لشراء 64 مليار متر مكعب من الغاز على مدى عقد من الزمن. وبعد عام واحد، عُدلت الاتفاقية لزيادة الإمدادات إلى 85.3 مليار متر مكعب على مدى 15 عامًا.

وفي عام 2018، اشترت شركة Delek Drilling الإسرائيلية وNoble Energy ومقرها الولايات المتحدة، وشركة غاز الشرق المصرية ما يقرب من 40% من الأسهم في خط أنابيب غاز شرق المتوسط ​​(EMG) الذي يربط بين العريش في مصر وعسقلان في إسرائيل.

وتعتمد خطط مصر بشكل كبير على قدرتها على زيادة وارداتها من الغاز لإعادة التصدير في وقت لاحق، والشريك الرئيسي في هذه العملية هو إسرائيل.

يقول سيريل ويدرسهوفن، خبير أسواق الطاقة العالمية “لكي تصبح مصر طرفًا حقيقيًا ومثيرًا للاهتمام بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ستكون هناك حاجة لتدفق الغاز الإضافي المستمر خاصة خلال فصل الصيف، عندما يرتفع الطلب المحلي. لذلك، فإن الإشارة إلى أن إسرائيل ملتزمة بجلب الغاز وجلب المزيد منه هي إشارة مهمة للغاية”.

ويؤكد أنه على الرغم من طموح القاهرة في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز، فإن قدرة مصر على زيادة صادرات الغاز بشكل كبير ومستدام بمفردها في ظل الظروف الحالية أمر “مشكوك فيه”.

خطط أخرى جارية.. ولكن

عملت منشأتا الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط، بالفعل بأقصى طاقتها العام الماضي. كما أن الاستهلاك المحلي المرتفع والاحتياطيات المتضائلة بسرعة في حقول الغاز، إلى جانب الانقطاعات المتقطعة، يحدان من قدرة مصر على زيادة الصادرات، وفقا للمونيتور. ولهذه الأسباب، يصر الخبراء في قطاع الغاز على أن خيارات القاهرة لزيادة صادراتها تعتمد إلى حد كبير إسرائيل.

وحتى وقت قريب، كانت مصر تستورد الغاز الإسرائيلي من حقلي ليفياثان وتمار عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط، الذي تبلغ طاقته السنوية 7 مليارات متر مكعب. ولكن في مواجهة الطلب المتزايد على الغاز، أبلغت شركة النفط والغاز الإسرائيلية نيوميد إنرجي – ديليك دريلينج سابقًا – بورصة تل أبيب في مارس/آذار ببدء ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر عبر الأردن لأول مرة.

والسبب هو أن الغاز الذي تشتريه مصر من إسرائيل أرخص بكثير من الأسعار الفورية الحالية للغاز الطبيعي المسال، لذا فهي منطقية من الناحية المالية، بحسب بيتر ستيفنسون، محرر شرق البحر الأبيض المتوسط في نشرة “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط”.

وأشار ستيفنسون إلى أن المفاوضات جارية لربط حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي مع مصنع الغاز الطبيعي المسال المصري في إدكو، مما سيسمح بمزيد من الزيادات في صادرات الغاز الطبيعي المسال.

لكنه أوضح أن شركة شيفرون، الشركة التي تشغل حقل ليفياثان، مترددة في ذلك لعدة أسباب، أهمها تأخيرات القاهرة في سداد مبالغ سابقة والمخاوف من أنها قد تعيد في المستقبل توجيه بعض هذا الغاز المستورد حديثًا إلى سوقها المحلي بدلاً من تصديره إذا واجهت نقصًا محليًا.

ولكن لزيادة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي فإنها تحتاج مزيدًا من البنية التحتية لدعمها. وأضاف فيدرشوفن أنه للحفاظ على الزخم المتصاعد، يجب على مصر أيضًا زيادة قدرتها على تسييل الغاز، ويجب على إسرائيل زيادة إنتاجها. وزيادة الإنتاج تلك مرتبطة، بشكل أو بآخر، بحقل غاز “كاريش” المتنازع عليه بين إسرائيل ولبنان في ظل عدم ترسيم الحدود البحرية بينهما​​.

ففي 6 يونيو/حزيران، أرسلت إسرائيل منصة عائمة مخصصة لإنتاج وتخزين وتفريغ الغاز إلى الحقل. وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار، إن هذه المنصة ستضع البلاد على أنها “قوة غاز طبيعي” وتسمح لها بزيادة الصادرات إلى مصر والأردن، ومن هناك إلى دول أخرى في أوروبا.

لكن الأمر لم يمر مرور الكرام في لبنان التي اعتبرته عملا عدوانيا هدد فيه حزب الله باللجوء إلى الحرب. وقال رئيسها ميشيل عون إنه “يشكل استفزازا وعملاً عدائيا”.

في النهاية، عائدات الغاز الضخمة وغير المتوقعة هي ربما الفائدة الوحيدة من الحرب الروسية على أوكرانيا. ولكنها قد لا تكون كافية لتعويض الأضرار الأخرى من ارتفاع تكلفة الواردات الحيوية. فمصر مستورد صاف للنفط وأكبر مستورد للقمح في العالم. وأسعار كلتا السلعتين ارتفع بشكل هائل. كما أن ديونها الضخمة تلتهم معظم إيرادات الدولة.