في مارس/آذار الماضي أعلنت مديرية تموين محافظة الشرقية ضبط سيارة محملة بنحو 229 لتر من زيوت طعام مُستعملة. وذلك بدعوى أن مالكها سيُعيد استخدامها وتدويرها. الأمر الذي يهدد صحة وحياة المواطنين.
القضية التي تم تحريرها برقم محضر 3453 جنح كفر صقر بالشرقية انتهت عند تحريز زيت الطعام المستعمل. فيما هذا لا يُشير إلا إلى نصف الحقيقة فقط. إذ رغم خطورة إعادة استخدام زيت الطعام المُستعمل في إعداد الأطعمة فإن استخداماته الأخرى لها مزايا كبيرة. بل تعدّ ثروة مهدرة في مصر.
شائعة إعادة الاستخدام
أحمد سليمان* -اسم مستعار- يقول إنه تاجر زيت مستعمل أو هالك كما يصفه. وتقوم تجارته على اللف في شوارع مصر. سواء على المنازل أو المطاعم لشراء زيت الطعام المستعمل. إضافة لتعامله مع محلات البطاطس المعبأة لشراء الزيت المستعمل.
ويُضيف لـ”مصر 360″ إنه يقوم بتوريد هذا الزيت لشركات استثمار بعد تجميع أكبر عدد منها. ثم تقوم تلك الشركات بإدخاله في صناعات كالصابون أو المنظفات. وأحيانًا يتم تصدير جزء آخر لبلدان الاتحاد الأوروبي. وذلك لاستخدامه في صناعة الوقود الحيوي الذي يُسمونه “البيوديزل”.
يؤكد “أحمد” استحالة إعادة تدوير زيت الطعام المستعمل في صناعة وإعداد الأطعمة.. قائلا: “بالعقل البلد كلها عارفة أن الزيت بيتلم والشغل ده ميكرفونات شغالة في أنحاء الجمهورية. بانادي على الزيت المُستعمل”.
سعر اللتر 14 جنيهًا
تواصلت “مصر 360” مع أحد تجار زيت الطعام المستعمل بدعوى أننا نمتلك كمية كبيرة منه ونريد بيعه. وردّ علينا محمد الصاوي -تاجر زيت هالك من الإسكندرية- بأن سعر لتر زيت الطعام المُستعمل 14 جنيهًا. وذلك لأن الكمية التي عرضناها عليه أقل من 50 لتر. وفي حالة كانت أعلى كان سعر اللتر سيصل إلى 17 جنيهًا. وحال زادت الكمية على 100 لتر يصل سعره إلى 18 جنيهًا.
يُضيف “الصاوي” لـ”مصر 360″ أن الكمية التي عرضناها 10 لترات فقط. وهي كمية صغيرة ستكلفه مواصلات وبالتالي فإن سعره سيقل.
كما تتبعت “مصر 360” عددًا من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. فيما عرض أصحابها شراءهم زيت الطعام المُستعمل. بل إن بعضهم أنشؤوا صفحاتٍ لهذا الغرض والبعض الآخر يضع قائمة بالأسعار تفاوتت وفقًا لحجم الكمية. إذ كلما زادت الكمية ارتفع سعرها. ووصل سعر طن الزيت بين 23 و24 ألف جنيه للطن.
ورفض التجار الذين تحدثت معهم “مصر 360” البوح بالسعر الذي يتم بيع لتر الزيت به إلى المصانع أو سعر التصدير للخارج. فيما اتفقوا على أنها “تجارة مربحة جدًا”.
500 ألف طن زيت مُستعمل
تُبين البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حجم استهلاك مصر من زيت الطعام يبلغ نحو 2.4 مليون طن سنويًا. أي بمتوسط 20 كيلو للفرد. ورغم أهمية العائد الاقتصادي والبيئي للاستثمار في إعادة تدوير الزيت في أغراض كالوقود الحيوي فإنه ثروة مهدرة في مصر.
ويُقدر الموقع الإلكتروني لمنتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي OUDA حجم مخلفات زيت الطعام المُستعمل أو الهالك سنويًا بحو 500 ألف طن. كاشفًا أن مصادر الزيت المُستعمل تُنتجها مصانع المواد الغذائية والمطاعم والفنادق والمنازل.
ويُوضح موقع “المعونة الإنمائية” أنه يتم بيع زيت الطعام المُستعمل إلى جامعي القمامة. والذين يقومون بإعادة بيعها لمصانع الصابون أو بعض الصناعات الغذائية أو يتم تصديرها لاستخدامها في صناعة الوقود الحيوي في الخارج. لكن الأزمة أن 90% من الأسر المصرية تُلقي زيت الطعام في الصرف الصحي. بينما في أحيان كثيرة تتلوث أنظمة الصرف في المنازل بهذا الزيت ولا يمكن مُعالجة المياه الملوثة به لاستخدامها مرة أخرى.
ومنتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل تم إنشاؤه عام 1992 بالشراكة بين وزارة الخارجية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وذلك وفقًا لقرار رئيس الوزراء صدر عام 2003.
استخدام الزيت في إنتاج وقود حيوي
وفقًا لموقع OUDA فإن الشركة المصرية “تجدد” هي الأبرز في مجال إعادة استخدام زيت الطعام المُستعمل. ذلك أنها عند تأسيسها عام 2013 كانت فكرتها تقوم على تحويل زيت الطعام المُستعمل إلى وقود حيوي “وقود أخضر يُستخدم في محركات الديزل التقليدية”.
وقد تم ذلك عن طريق عملية تصفية للزيت وإضافة مواد كيماوية للحصول على المُنتج النهائي وهو الديزل الحيوي. وهي عملية تستغرق نحو 3 ساعات يوميًا. ويتم إنتاج منتج آخر وهو الجلسرين.
وكانت الشركة نجحت في إعداد أول طلبية لوقود الديزل الحيوي والجلسرين في عام 2015.
وحاليًا تنتج شركة “تجدد” نحو 300 طن شهري من الوقود الحيوي من الزيت النباتي. فيما يتم بيع وقود الديزل في البلدان الأوروبية ولدى الشركة خطة لزيادة إنتاجها إلى نحو 500 طن شهريا.
ووفقًا لتصريحات سابقة لرئيس شركة تجدد -مريم عفيفي- فإن لتر الزيت الذي تتم إعادة تدويره يُنتج نحو 900 جرام من الوقود الحيوي.
مبادرة وزارة البيئة
وأطلقت شركة “تجدد” بالتعاون مع وزارة البيئة مباردة العام الماضي لحث المواطنين على عدم التخلص من زيت الطعام المستعمل بعد القلي. وذلك عبر خدمة “جرين بان”. وتهدف المبادرة إلى تجميع الزيت المُستعمل واستبداله بجديد. حيث يتم الحصول على زجاجة زيت جديدة بحجم 1.75 لتر من إحدى شركات صناعة الزيت المشهورة مقابل كل 5 لترات زيت مستعمل. أو التبرع بها. كما يمكن الحصول على 100 جنيه لكل 25 لترًا.
ثروة مهدرة
في عام 2018 طرح الدكتور عصام عبد المولى -عميد مركز أبحاث الاستزراع المائي- مقترحًا على عدد من أعضاء مجلس النواب السابق يدور حول منع تصدير زيت الطعام المُستعمل وبدء إعادة إنتاج الوقود الحيوي “البيوديزل” منه. فيما قال عضو لجنة الطاقة بالبرلمان السيد حجازي إن الفكرة “مقبولة”. وذلك نظرًا لإمكانية تنفيذها. فضلاً عن إسهامها في تقليل حجم واردات مصر من الزيت. وستخلق فرص عمل جديدة للشباب. لكن النائب البدري ضيف زعم عدم نجاح التجربة بسبب “ندرة مخلفات زيت الطهي المطلوبة” والتي يتسبب فيها غياب ثقافة التخزين ومبادرة ربات المنازل من التخلص من الزيت في المصارف.
هي طاقة متجددة ورخيصة الثمن والتكلفة. ولقد بدأت البرازيل بعمل مشروع ضخم لمصانع تنتج هذا الديزل الحيوي Biodiesel لكي تقلص استيرادها لوقود الديزل وتنمي اقتصادها وتخفض أسعار المواصلات.
والبيوديزل Biodiesel يمكن أن يستهلك لتسيير المواصلات وتسيير المصانع وقطاعات الاقتصاد والزراعة والصناعة كافة.
والبيوديزل Biodiesel عبارة عن مركب كيميائي يُستخرج من الزيت النباتي أو الحيواني. وهو يختلف عن الديزل البترولي في عدم وجود انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون منه. وهو الأمر الذي يُقلل نسب تلوث البيئة، وفقًا لشركة بيوديزل مصر.
وتتسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في وفاة نحو 800 ألف شخص سنويًا حول العالم بسبب تلوث الهواء. كما يعمل البيوديزل على كل المحركات بلا استثناء.
تقنين عملية جمع الزيت المُستعمل
من جهته، يقول الدكتور محمد عز العرب -مؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد- إن إعادة استخدام زيت الطعام الآمن أمر طيب. لكن يجب إقامة بيئة تشريعية لذلك وتشجيع ربات المنازل والمطاعم على إنشاء وحدة تخزينية لزيت الطعام المُستعمل وعدم إلقائها في المصارف.
ويتسبب إلقاء زيت الطعام في المصارف إلى تراكم الشوائب وانسداد المواسير، مما يكلف الدولة أموالاً كثيرة لتسليك تلك المصارف. فضلاً عن تسبب كل لتر زيت في إفساد نحو طن مياه. وبسبب عملية سوء المصارف في مصر فإن غالبيتها قد يتم رميها في مياه نهر النيل. ما يسبب ضررًا بالغًا للمياه.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أن إعادة استخدام الزيت في البيوديزل والصابون والجلسرين أمر في غاية الأهمية. لكن يجب توفير بيئة قانونية لذلك منعًا لعملية إعادة استخدام الزيت في بعض المطاعم الشعبية في الأحياء الفقيرة.
ويتابع “عز العرب” أن عدم وجود قانون لعملية إنتاج أو استخدام زيت الطعام المُستعمل هو سبب الريبة من عملية جمع الزيت. أو الاستسهال من البعض وإعادة استخدام الزيت المُستعمل. مضيفًا أن إعادة استخدام زيت الطهي في إنتاج الأطعمة سواء في قلي الطعمية أو غيرها تؤدي لتكوين “الشوارد” والمواد الضارة مثل الأكريلاميد الذي ثبت تسببه في بعض أمراض السرطان.
ومادة الأكريلاميد مركب كيميائي يتكون بشكل طبيعي في مجموعة كبيرة من الأطعمة عند طهيها. وتشتمل هذه المجموعة على القهوة والشيكولاتة واللوز والبطاطس المقلية والمكسرات ورقائق البطاطس والحبوب والخبز وحتى بعض الخضراوات والفاكهة.
ويُضيف مؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد أن إعادة استخدام زيت الطهي أيضًا تتسب في ضرر بالغ للكلى. وبالتالي يجب علاج الأزمة في مهدها بدلاً من انتظارها.
وينفي أيمن قورة -رئيس شعبة الزيوت بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية- علمه بعملية جمع زيت الطعام المُستعملة قائلاً: “مفيش مصنع محترم يعيد استخدام الزيت. لكن ممكن تطلّع منه شحم أو أي حاجة غير استخدامه في الطعام”.