رغم البعد الثقافي والاجتماعي -وربما الفني- الذي ظهر به فيلم توم كروز “top gun” أو “الأفضل” في جزئه الثاني المعروض حاليا. يمكن تأويله في الداخل العربي والاستفادة من دروس عدة مستلهمة من صناعته التي اهتمت بكل شيء ولم تترك شيئا للمصادفة. خاصة بعدما رأينا جزءه الأول الذي خرج منذ سنوات عديدة.

الفيلم الكلاسيكي “نادي القتال” fight club باعتباره درسا فلسفيا يحمل خطابا مختلفا وملهما عن العنف والحياة لأغلب من شاهده. بعد مرات من مشاهدته كان درسه الموازي بالنسبة لي مساحات التعبيرية المرعبة التي خلقها مدير تصوير الفيلم. سأشاهد معركة بصرية مذهلة أخرى. فلسفية أيضًا- حتى لا يسقط من تاريخنا كتابات تمدح من يستحقون. أتجنب مديح سبعة كتّاب بين القصة والسيناريو والحوار ساندوا المخرج جوزيف كوزنكي وأعطوا توم كروز واحدا من أعظم أدواره على الإطلاق في فيلمه top gun لتقديم مراسم التحية والولاء للأستاذ المعلم المصور ومدير التصوير Claudio Miranda لفيلم بصري يخسر متجاهله الكثير من كل شيء سينمائي.

يخلق مدير التصوير لقطات هادئة جدًا وقتما يريد. ثم يصنع لقطات في السماء يحلق فيها مع الطائرات الكثيرة في الفيلم. كل تلك اللقطات لا تعتمد على مجرد موهبته أو توافر المعدات المذهلة التي استخدمها في صناعة فيلمه الذي تكلف ملايين الدولارات. لكنه امتد أكثر ليصنع مشاهد ربما تمت دراستها لقطة لقطة.

توم كروز
توم كروز

لقطات سماوية

لقطات طويلة في السماء تحلق مع النجوم فعلًا دون قطعات تتفادى أي أخطاء متوقعة. يمكن تثبيت أغلب مشاهدي العمل للترقب لما سيحدث رغم تعارض قلة القطعات المونتاجية تلك للتصور الهوليوودي المعهود.

عدد قليل من مديري التصوير في العالم العربي يمكن وصفهم باعتبارهم يملكون الصفات ذاتها التي يملكها مدير التصوير. ميراندا تحديدًا تجاوز موهبته التصويرية لدراسة مشاهده بشكل رياضي يناسب خروجها على الشاشة بتلك الدقة التي يلقطها أي مصور هاوٍ.

إلى جانب ذلك ستجد ملايين الدولارات التي تكلفها الإنتاج لصناعة هذا العمل الضخم لم تُثن صنّاعه عن سرعة عمل والانتظار لأكثر من عام بعد انتهائه لعرضه بالسينما ورفض عرضه ضمن وسائل طلبت شراء عرضه حصريًا. وذلك حرصًا على “إعطاء المتعة الكاملة لمشاهدته في السينما. وهو ما لن يتحقق لمن يشاهد هذا الفيلم في المنزل” -بحسب الصناع الذين يبدو أنه أذهلهم أيضًا إلى جانب قصته تصويره الملفت على مستوياته كافة.

وربما هذا أيضًا عكس ما يمكن أن ينظر إليه أغلب المنتجين العرب الذين يبدأ حماسهم للمشروع من لحظة حصد الأموال. ولا نعتقد أنه يمكننا السماع عن أفلام انتهى منها صناعها وانتظروا لتحقيق متعة الشاشة فيما كان أمامهم أن يجنوا أموالًا أكثر في صناعة متشبعة بالفعل رغم تجاهلها الكبير.

مع توقعات بتحقيق إيرادات بشباك التذاكر تصل إلى مليار دولار وأكثر حتى الآن فقط. فإن شركة باراماونت بيكتشرز المنتجة للفيلم تواجه دعوى قضائية رفعتها عائلة مؤلف مقال “Top Guns” الذي صدر عام 1983 والمستوحى منه أحداث الفيلم الأصلي الصادر عام 1986، وفق سي إن بي سي.

تقاضى شوش ويوفال يوناي -وريثا المؤلف الراحل إيهود يوناي- (زوجته ونجله) مع “باراماونت” على خلفية اتهامات بأن الفيلم ينتهك حقوق الطبع والنشر التي استردتها العائلة في يناير 2020. وقالت عائلة المؤلف إنها أرسلت إخطارا للشركة المنتجة بأنها ستستعيد حقوق الطبع والنشر أوائل عام 2018 قبل أن يبدأ تصوير الفيلم.

خلاف الشركة المنتجة وورثة المؤلف

وبدأت “باراماونت” بعد ذلك تصوير الفيلم في مايو 2018 وكان من المقرر طرحه في 2019 لكن جرى تأجيل موعد العرض لمرات.

وقالت العائلة إن الشركة لم تنته من إنتاج الفيلم عام 2019 وإنما في مايو 2021. ليس واضحا متى انتهت الشركة من تصوير الفيلم رسميا. لكن من المتوقع أن يكون الجدول الزمني عاملا حاسما في الدعوى.

استند فيلم Top Gun لتوم كروز الأصلي أو الجزء الأول الذي عرض عام 1986 إلى مقال نشر عام 1983 في مجلة كاليفورنيا. وبسبب ذلك يواجه الجزء الجديد من الفيلم مشكلة قضائية. حيث أقام ورثة المؤلف دعوى قضائية ضد شركة Paramount Pictures زاعمين أن الاستوديو يستفيد بشكل كبير من الجزء الجديد المطروح بالسينمات ويحمل اسم Top Gun: Maverick. رغم أنه لم يعد يمتلك حقوق الطبع والنشر لقصة المجلة.

وفقا لموقع “variety” فإن الورثة في الدعوى القضائية قالوا إن شركة باراماونت وزعت “توب جان: مافريك” دون الحصول على ترخيص جديد لاستخدام المواد الأساسية. وتسعى الدعوى إلى الحصول على تعويضات بالإضافة إلى أمر قضائي يمنع شركة باراماونت من توزيع الفيلم.

تخيل معي تلك القصة القصيرة السعيدة في عالمها الأول حزينة الاستقبال على رجل يقرؤها في عالمنا الثالث عن حقوق نشر لمقال صحفي نشر في الثمانينيات يؤيده القضاء على حساب سلطة صناعة فيلم في هوليوود. بينما نسمع يوميًا عن حوادث سرقة علنية سيناريوهات لشباب لا يملكون أدنى حقوق لاستعادة سرقتهم.

توم كروز خارج صورة الدنجوان

فيلم “الأفضل” في جزئه الحالي يملك كثيرا من الجرأة والمغامرة. يخرج فيه توم كروز من صورة الدونجوان نسبيًا ليقدم مشاهد تمثيلية حقيقية بها كثير من المشاعر. التي تظهرها كاميرا ميراندا الدقيقة كما يملك مقومات نجاح فنية ونقدية نتمنى صناعتها في كل فيلم: حركة محسوبة موترة سريعة جدًا وغير مربكة.

Top gun فيلم تجاري ربحي يحترم الصناعة فعلًا. لا يخرج بالشكل المشرف الذي خرج به سوى عن طريق تلاحم عدد من العناصر الفنية المتقنة التي تم التركيز عليها جيدًا والسعي لتطوير كل مشهد وحركة قدر الإمكان. في وقت قطيعة كبيرة تزداد فجوتها بين الأفلام “التجارية” التي يرفض النقاد استخفافها وتفاهتها وأفلام “فنية” لا يحتمل الجمهور العام ثقل استقبالها وجديتها المفرطة. يحتاج الجميع إلى أفلام مثل “الأفضل” الذي حافظ على شعرة ونقطة مشتركة يمكن للجميع الاستمتاع بها وهو درس نود أن يتعلمه أغلب صناع تلك السينما.