ماذا يحدث عندما يخرج رجل في لقاء غرامي لأول مرة واصطحب حبيبته إلى أحد المقاهي ذات الأسعار المنخفضة؟ أو طلب منها أن يذهبا إلى حديقة عامة؟ هل سيكون الانطباع عنه هو البخل؟ أم أي صفة سوف يتم إلصاقها به؟
في الأزمان البعيدة عندما تغير العالم، وأصبح الرجل هو المُسيطر مُعيدًا المرأة إلى مركز التابع، في هذا الوقت لم يُمنح الرجل منصب الزعامة والقيادة فقط. بل أنه أيضًا علقت بكاهله مسئوليات والتزامات بعضها لكونه قائد والبعض نتيجة تلك الصورة الذهنية التي تكونت عبر السنوات، لتُصبح عبارة “مش أنت الراجل.. اتصرف” هي الترجمة العملية عما تختزنه العقول عن مفهوم الرجل.
أسباب الهروب
الحديث من وجهة نظر الرجل لا تعني بالضرورة أن يكون المتحدث ذكرًا. بل تحتاج الحياد والتخلي عن الصراعات الجندرية، والوقوف على المشكلات على حقيقتها، أول ما يمكن أن يواجه الرجل هو التضخم وتبعاته، المفترض أن التضخم في أبسط تعريفاته إنه انخفاض قيمة العملة، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما علاقة ذلك بالرجال؟
إنها تلك الصورة الذهنية عن الرجل، المثل والأيقونة التي تتعلق بها المجتمعات الشرقية، الرجل هو المسيطر القائد، والنساء والأطفال يتبعونه.
في أبسط الصور، فإن تناول فنجانين من القهوة في مقهى متوسط قد تصل إلى 40 جنيهًا، في حين أنه في حالة أن تكون تلك القهوة بأحد المقاهي ذات العلامة التجارية، فإن الأمر قد يتجاوز ال 100 جنيه ببساطة. فقط قهوة، لم نتحدث عن مشروبات أخرى او أطعمة، بالنظر لهذا المثال البسيط وبعض المعلومات المعلومة سلفًا عن دخل الفرد، وتحول أغلب الحدائق العامة لأماكن مدفوعة وبعضها بأسعار مرتفعة، هنا يظهر أول سؤال عندما يتعرف شاب على فتاة ويريدان تبادل الحديث أين يذهبان؟
وهل إذا استطاع الشاب/الرجل اقتطاع تكاليف دعوة فتاته أو صديقته فكم مرة يمكنه فعل ذلك؟
مع الوضع في الاعتبار الصور الذهنية التي تتكون عن هذا الرجل إذا دعا فتاته إلى مكان رخيص، أو سمح لها أن تدفع، أو تكررت دعوته في نفس المكان، هل يمكن تخيل السيناريوهات والآراء التي ستتكون عن هذا الرجل داخل رأس الفتاة سواء كانت أفكارها هي أو أفكار مدعومة من الصديقات؟ سوف يتم وصم الرجل بالبخل، وصفات أخرى، تقلل من مكانته أمام فتاته، لتُصبح مقولة “الرجل ما يعيبهوش إلا جيبه” عبارة دالة ومؤثرة لدى الفتاة التي لن تولي العلاقة الاهتمام المطلوب.
هل يمكن أن يستمر الرجل في التواصل مع الحبيبة إذا شعر أنها تقلل من قيمته، أو تسخر من قلة إمكاناته؟
الرجال والحب
كل البدايات حلوة، حيث غالبية الرجال يثرثرون، وتتعدد اللقاءات والمكالمات الطويلة، وما إن تستقر المشاعر ويطمئن الرجل، يبدأ كثير من الرجال في العودة إلى قواعدهم. فلا ثرثرة وتُصبح المكالمات أقل، والنزهات أقل، ولإرضاء الحبيبة وتعويض ذلك التقصير من وجهة نظرها، فإن على الرجل المقصر أمام حبيبته تعويض ذلك بأفعال، تلك التي قد تتضح بهدايا قيّمة، فهل تقبل الحبيبة بهدايا رمزية؟ فحتى الورد الذي كان أبسط شيء ورمزي أصبحت الباقة المتوسطة سعرها لا يقل عن خمسين جنيه، فهل يمكن لشاب أو رجل متوسط الدخل أن يواجه اتهامات التقصير فيقدم أفعال مدفوعة؟
اعتماد صور ذهنية دائمة وعدم تغييرها رغم كل ما يحدث من حولنا أصبح هو المشكلة الحقيقية، مفهوم الرجل والحب والعلاقات، كلها ذات صورًا نمطية، فنظرة كثير من الرجال للحب تأخذ جانب حسي متمثلًا في الرغبة، وحتى يتحقق عليه أن يمضي قدمًا نحو الزواج بوصفه الوسيلة الرسمية لتحقق الحب من وجهة نظره، وعليه في الطريق أن يبذل كل الجهد، ذلك لأن صورة الرجل هو أن يتحمل ويشقى، ويكد ويسعى، والأهم هو أن يدفع!
في العلاقات تم صك المرأة كرد فعل لما يقدمه الرجل، والرجل الذي لا يدفع ولا يقدم ما هو مادي يتم نزع صفة الحبيب عنه، وأحيانًا صفة الرجل أيضًا. والأزمة أن تلك النساء اللواتي تخلين عن مفهوم الرجل القوام بما أنفق تم خذلهن بشكل واضح بما صنع خبرة سيئة لدى كثير من النساء، وأصبح التشبث بالصورة الذهنية عن الرجل الكفيل هي الأبقى.
لا يمكن محو الخبرات السيئة لدى النساء، إلا بخبرات جيدة تعوض ما فات، لكن الأهم من الخبرات السيئة أننا بحاجة لإعادة مناقشة الصور الذهنية المعتمدة عن كل طرف. فالرجل حتى يظل هو المسيطر يروج ويؤكد كونه القائد، والكفيل، غاضًا البصر عن الضغوط الحياتية والاقتصادية التي يغرق فيها الجميع ولا ينجو منها إلا قلة هي استثناء مقارنة بالعدد العام للسكان، نحن بحاجة لتعريفات جديدة عن الحب، وأشكاله، كون الحب يتأكد من سلوكيات توفر الأمان والطمأنينة وليست بالضرورة تحمل مقابل مادي.
إعادة النظر في المفاهيم
الربط بين صفة رجل ومفهوم القيادة بحاجة إلى مراجعة بحيث يعرف الطرفان أن القيادة في العلاقات تشاركية وتبادلية، تخضع للمهارات والقدرة على الموائمة لتحقيق الهدف، وليس لإثبات أفضلية لنوع على الآخر.
الصراعات الجندرية والتي يؤججها أصحاب مصالح في بقائها، تُصبح عقبات في سريان العلاقات في نهر سلس، بل تصبح سدود تعطل وتمنع، فكرة حصر المسئولية والالتزام والانفاق على الرجل وتوصيفه بالرجولة لأنه يقوم بذلك، فكرة تحتاج لإعادة نظر، فالمسئولية والالتزام في العلاقات غير مرتبط فقط بالقدرة المادية، وإخضاع النساء بقوة المال والانفاق، هو خضوع زائف وفي تقليل من المرأة وقيمتها، وأهميتها كشريك في المجتمع وشريك في العلاقة.
قبل أن نطلب من المرأة مراجعة مفاهيمها عن الرجل وجيبه علينا أولًا أن نطلب من الرجل أن يُراجع مفاهيمه على السيطرة والقيادة ودوره الحقيقي في العلاقة والتزاماته، فليس التسلط والسيطرة واحكام قبضته هي مدلولات الرجولة، ولا يعني اضطلاعه بالإنفاق امتلاكًا لشريكته.
ستصبح تلك الأمور التي يتمسك بها حتى يمارس ملكيته لشريكته هي نفسها السلاح الذي سيُشهر في وجهه في ظل هذه الظروف الصعبة والمرهقة للجميع، وحينها لن يجد أمامه سوى الهروب من العلاقة، وعدم الاقتراب من طرح المشاعر، أو أن يقول شيء ويفعل شيئًا آخر، وهذا هو الأسوأ للطرفين.
للاطلاع على مقالات أخرى للكاتبة.. اضغط هنا