اتفاقية أوروبية إسرائيلية تمر عبر مصر لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال لدعم القارة العجوز في تقليل اعتمادها على الإمدادات الروسية.

وتدور المفاوضات الأوروبية مع القاهرة وتلّ أبيب حول توريد غاز إسرائيل إلى مصر لتحويله إلى مُسال. ثم نقله على مراكب إلى أوروبا لعدم وجود أنابيب تربط القاهرة وتلّ أبيب بدول القارة.

وتمد موسكو أوروبا بنحو 40% من حاجتها من الغاز الطبيعي. ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا بدأت أزمة غاز روسيا المورَّد إلى دول الاتحاد الأوروبي تتصدر مشهد الأزمات في القارة العجوز. بعدما هددت موسكو بقطع الإمدادات عن أوروبا. لذا اتجهت بعض تلك الدول إلى البحث عن بديل استراتيجي. وبدأت التكهنات تلمح إلى بعض الخيارات التي يمكن الاعتماد عليها على المدى القريب والمتوسط لتفادي تلك الأزمة.

فريق مشترك بين القاهرة وتل أبيب

وفي ظل مساعي مصر وإسرائيل الحثيثة للعب دور محوري في تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بدأت تل أبيب في الاتجاه وبشدة نحو القاهرة لتشكيل فريق عمل مشترك لتوريد غاز إسرائيل لأوروبا عبر إسالته في القاهرة. في الوقت الذي تستعد فيه تل أبيب إلى طرح جولة من مناقصات التنقيب.

وكشف وزير الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار تطلع إسرائيل لتوقيع اتفاق مبدئي قريبا لتصدير الغاز إلى أوروبا. موضحة أن فريق العمل المشترك مع مصر وأوروبا سيتولى إعداد ترتيبات التصدير للسوق الأوروبية خلال الفترة المقبلة.

وفي فبراير 2018 وقعت شركة “دولفينوس” المصرية من القطاع الخاص اتفاقا لاستيراد غاز إسرائيلي ومن ثم نقله إلى أوروبا لتتحول مصر بهذه الصفقة إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة في منطقة شرق المتوسط.

جاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي -على هامش زيارته إلى دبي- أن القاهرة وضعت خطة لترشيد استخدام غازها محليا وإعطاء الفرصة لتصدير أكبر كمية منه لتحقيق توازن في فاتورة استيراد النفط.

الاتحاد الأوروبي يقترح توقيع صفقة مع مصر وإسرائيل

أوروبا وحاجتها للغاز المصري
أوروبا وحاجتها للغاز المصري

على صعيد الاتحاد الأوروبي فقد اقترحت المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء في الاتحاد توقيع اتفاق لتوريد الغاز مع مصر وإسرائيل عبر القاهرة. بحيث ستتضمن الصفقة عمليات الإسالة في مصانع المعالجة بمصر قبل الشحن للاتحاد الأوروبي. على أن توسع أوروبا تعاونها مع إسرائيل ومصر في مشروعات الطاقة النظيفة.

وتحدد مسودة الاتفاقية مبادئ التعاون المعزز بين الشركاء الثلاثة. لكنها لا تحدد كمية الغاز التي سيستوردها الاتحاد الأوروبي ولا تحدد أي جداول زمنية للتسليم. إلا أن الشحنات ستشمل استخدام البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال في مصر.

وتشير مسودة الاتفاقية إلى أن التعاون قد يستمر لمدة 9 سنوات لكن ذلك ليس بشكل نهائي فقد تطرأ عليه تعديلات.

وصدّرت مصر 8.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي و4.7 مليار متر مكعب في الأشهر الخمسة الأولى من 2022. في الوقت الذي استورد فيه الاتحاد الأوروبي نحو 155 مليار متر مكعب غاز من روسيا خلال العام الماضي. ما يمثل نحو 40٪ من إجمالي استهلاك الاتحاد.

صادرات تل أبيب

وفي 2020 ارتفعت عائدات الغاز الطبيعي والنفط في إسرائيل بنسبة 29.4%. لتصل إلى 1.09 مليار شيكل (330 مليون دولار أمريكي). مسجلة رقمًا قياسيًّا جديدًا.

وأفاد التقرير السنوي الصادر عن وزارة الطاقة الإسرائيلية بأن هذا الرقم يمثّل زيادة عن عائدات النفط والغاز الطبيعي في عام 2019. والتي بلغت 255 مليون دولار أميريكي –وفق وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

وعلى صعيد صادرات إسرائيل من الغاز فتعتزم تل أبيب زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر. ما يعمّق علاقات الطاقة بين الدول المجاورة في الشرق الأوسط والتي تخطط لأن تصبح مراكز إقليمية للطاقة.

وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية إنَّ الشركات التي تمتلك أكبر حقلين بحريين للغاز الطبيعي في إسرائيل -بقيادة شركة “شيفرون”- ستضخ بين 2 و2.5 مليار متر مكعب أخرى من الغاز سنويا إلى مصر.

وأوضحت أنَّ إسرائيل تضخ حاليًّا 5 مليارات متر مكعب سنويا إلى مصر عبر خط أنابيب يربط جنوب إسرائيل بشبه جزيرة سيناء. والهدف هو الوصول إلى طاقة تبلغ 6.5 مليار متر مكعب بحلول العام المقبل.

البنية التحتية تقوي موقف الدولتين في التصدير لأوروبا

محطات الإسالة المصرية
محطات الإسالة المصرية

وترى مصادر بالشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس” أن القاهرة أصبحت لديها القدرة على تصدير الغاز المُسال إلى أوروبا. بعدما بدأت منذ عام تقريبا تصدير الغاز الطبيعي ونجاحها في سدّ حاجة البلاد المحلية بنحو أكثر من 5.5 مليون متر مكعب غاز.

وأشار لـ”مصر 360″ إلى أن ما تملكه مصر من بنية تحتية في مجال إسالة الغاز الطبيعي يجعل منها قبلة لاستقبال الغاز الطبيعي من دول الجوار وتسييله ثم إعادة تصديره لأوروبا.

واعتبر أن الأزمة الجيوسياسية المشتعلة في أوروبا بين الغرب وروسيا ستجعل من مصر والجزائر وإسرائيل وقطر -وبعض دول أفريقيا- مصدرا لإمداد القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي على حساب نسبة من حصة تقليص حصة الدب الروسي.

وتتعاون مصر بالفعل مع تلّ أبيب. إذ تتلقى الغاز الطبيعي لتسييله في محطتي الإسالة بإدكو ودمياط لإعادة تصديره. موضحة أن الاتفاق الجديد هو التعاون بين الدول الثلاث مصر وإسرائيل وقبرص بنقل الغاز الخام من تل أبيب ونيقوسيا إلى القاهرة. على أن تقوم الأخيرة بالتسييل تمهيداً لإعادة التصدير لدول الاتحاد الأوروبي بناقلات شحن عبر البحر المتوسط لسد جزء من الفجوة التي سيخلّفها الدب الروسي. أو تنويع أوروبا لمصادر الإمداد خوفا من انسحاب الغاز الروسي بشكل مفاجئ.

مصر مورد موثوق به

ويقول المهندس مدحت رمضان -نائب رئيس هيئة البترول السابق- إن أحد العوامل التي تدعم قدرة مصر في تحولها لدولة مصدرة للغاز المسال للسوق الأوروبية هو ما سجلته من نمو في حجم صادراته عام 2021. موضحًا أن الدولة أنتجت نحو 1.4 مليون طن غاز مسال في الربع الثاني من 2021 مقارنة بصادراته الصفرية في الفترة من العام الذي يسبقه.

وأضاف لـ”مصر 360″ أن مصر من المتوقع أن تصبح موردًا بديلاً موثوقًا للأسواق العالمية. وذلك بالنظر إلى تقلبات وضع إمدادات الغاز الحالية. لا سيما في ظل خطط الحكومة المصرية لتحقيق التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. مشيرًا إلى أن النمو السريع في إمدادات الغاز الطبيعي المصري يأتي مدعوما باكتشاف أكبر حقل في البحر المتوسط “ظهر” الذي أدى إلى تحويل مصر من مستورد إلى مصدر للغاز الطبيعي. لذا تأمل مصر أن تصبح حلقة وصل لتجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

خريطة الغاز في مصر

واحتلت مصر المركز 14 عالميًا والخامس إقليميًا والثاني أفريقيًا في إنتاج الغاز عام 2020. وذلك بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار م3، وفقًا لـ”بريتش بتروليوم“. وفي عام 2020/2021 وصل حجم الإنتاج إلى 66.2 مليار م3. وكان الاستهلاك 62.9 مليار م3 والفائض 3.3 مليار م3. بينما سجل الإنتاج 63.2 مليار م3 في 2019/2020 والاستهلاك 59.6 مليار م3 والفائض 3.5 مليار م3.

وقد وصلت مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر 2018. وعادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال. حيث سجلت عام 2018/2019 إنتاجًا بحجم 66.1 مليار م3. في مقابل استهلاك 61.8 مليار م3. وفائض وصل إلى 4.3 مليار م3.

وكانت قد تحولت إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام 2014/2015. حيث وصل العجز إلى 0.2 مليار م3. بعدما سجل حجم الإنتاج 46.8 مليار م3. والاستهلاك 47 مليار م3. كما بلغ العجز 7.1 مليار م3 في عام 2015/2016. حيث سجل حجم الإنتاج 41.6 مليار م3، والاستهلاك 48.8 مليار م3. بينما بلغ العجز 8.9 مليار م3 في عام 2016/2017. حيث سجل حجم الإنتاج 46.3 مليار م3 والاستهلاك 55.2 مليار م3.

حقل ظهر.. نقطة انطلاق

وتراجع هذا العجز –وفق تقارير حكومية– مع بدء تشغيل حقل “ظهر”. حيث سجل 4.9 مليار م3 في عام 2017/2018. وبلغ حجم الإنتاج 54.6 مليار م3 والاستهلاك 59.5 مليار م3.

وكان الإنتاج عام 2013/2014 سجل 52.2 مليار م3 والاستهلاك 50 مليار م3 والفائض 2.2 مليار م3. في حين سجل الإنتاج 58.8 مليار م3 في عام 2012/2013 والاستهلاك 52.1 مليار م3 والفائض 6.7 مليار م3. بينما سجل حجم الإنتاج 61.3 مليار م3 في عام 2011/2012 والاستهلاك 51.8 مليار م3 والفائض 9.5 مليار م3.

وخلال 2021 ارتفعت صادرات قطاع البترول (نفط وغاز والبتروكيماويات) بنسبة 84.28% لتصل إلى 12.9 مليار دولار. ذلك مقابل 7 مليارات دولار خلال عام 2020. فيما قفزت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال العام الماضي بنسبة 550% لتصل إلى 3.9 مليار دولار. ذلك مقابل 600 مليون دولار خلال 2020. حيث ارتفعت صادرات مصر من المنتجات البترولية والبتروكيماوية خلال 2021 بنسبة 42.5% لتصل إلى 5.7 مليار دولار مقابل 4 مليارات خلال 2020.

حقل ظهر
حقل ظهر

مصانع الإسالة تضاعف الكميات المصدرة

وبإمكان مصر لعب دور استراتيجي بالنسبة لأوروبا على صعيد توريد كميات من الغاز المسال. وذلك استغلالا لمحطات الإسالة المملوكة للدولة. وبالتالي يمكن زيادة الكميات المنتجة بالاتفاق مع الشركاء الأجانب. وهو ما يتم منذ فترة من خلال بعض المباحثات. مثل مباحثات إيني الإيطالية الأخيرة التي ستذهب بإنتاج حقل “ظهر” إلى مستوى قد يتجاوز 3 مليارات قدم مكعب يوميًا الفترة المقبلة.

وتلعب محطات الإسالة المصرية دورًا بارزًا في المنطقة كمصانع إسالة تستطيع استقبال الغاز المنتج بدول الجوار وإسالته ثم إعادة تصديره للخارج.

ونجحت مصر في تشغيل مجمعي إدكو ودمياط الفترة الماضية بكامل طاقتهما التصميمية البالغة 1.6 مليار قدم مكعب في اليوم. مسـتغلة الفائض عن الاستهلاك المحلي ومستفيدة من ارتفاع الأسعار الفورية في الأسواق العالمية.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمجمع “إدكو” نحو 7.2 مليون طن في العام. فيما يصل إجمالي القدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بإدكو ودمياط مجتمعين إلى 12 مليون طن سنويا.

وعاد مصنع دمياط للتصدير بعد توقف دام لمدة 8 سنوات. حيث قامت مصر بتصدير أول شحنة من الغاز المسال من المصنع في مارس 2021. ما أدى إلى زيادة صادرات الغاز المسال بنسبة 123.3%..

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي في تصريحات خلال زيارته إلى دبي أن مصر أصبحت مركزا لإنتاج وتداول الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط. وتابع: “لدينا البنية الأساسية لأعمال الإسالة ونقل الغاز لجيراننا وقارة أوروبا. كما نعمل مع أشقائنا الإماراتيين للتوسع في حقول الغاز الطبيعي وشبكات النقل والإسالة”.