بالإضافة إلى كبريات الصحف والمواقع الرياضية في العالم، وقي مقدمتها صفحات الاتحاد الدولي لكرة القدم، اهتمت أيضا صفحات الأندية التي لعب لها نجمنا المصري محمد صلاح، بأن توجه له التهنئة على بلوغه عامه الثلاثين في 15 يونية الجاري، تسابقت نوادي بازل السويسري وتشلسي الإنجليزي وفيرونتينا وروما الإيطاليان وبالطبع ليفربول على تقديم التهاني لـ “الفرعون المصري”، حتى بدا تسابقها كأنه يحمل نوعا من الفخر بأن نجمنا الأسطوري لعب بين صفوفها يوما ما.
لا أنوي مقارنة ذلك بالتكريم الهزيل الذي حصل عليه صلاح من اتحاد الكرة المصري قبل أيام، وهو تكريم لم يتذكر حتى أن “مو” كان سيتم ثلاثينه قريبا، وإنما شاء القدر – وطبائع الأمور- أن يحتفل العالم الكروي بعيد ميلاد “ابننا” في الوقت الذي يواجه فيه منتخبنا الوطني – بدون صلاح – هزائم مريرة ومذلة أمام إثيوبيا وكوريا الجنوبية، وفوضى إدارية وتخبطا في أخبار تعيين وإقالة المدرب، واستمرار أو استقالة اتحاد الكرة، كأن تواكب هذا مع ذاك، الاحتفاء الدولي بصلاح مع التخبط الكروي في مصر، إشارة لينتبه من لم ينتبه بعد لا إلى التدهور الحالي فحسب، بل إلى الهوة العميقة التي تنتظرنا إذا استمر الحال على ما هو عليه، وإذا كان البعض يرى أن مرحلة “التصفيات المونديالية الصعبة” قد انتهت بقرار الفيفا تصعيد 9 فرق من أفريقيا في مونديال 2026، فإننا يجب ألا ننسى أن هذا كان انطباعنا أيضا حين قرر الفيفا قبل عقدين من الزمان تصعيد 5 فرق أفريقية بدلا من اثنين أو ثلاثة، زادت إلى 6 فرق استنائيا بسبب تنظيم جنوب أفريقيا للمونديال في عام 2010، ومع ذلك فإننا واجهنا وقتها وإلى الآن نفس الصعوبات التي كنا نواجهها حين كان التأهل لفرقة واحدة أو اثنتين من القارة السمراء، ذلك أن السلبيات التي يسببها الفشل الإداري لا سقف لها، وكم من أندية ومنتخبات كانت ملء السمع والبصر ثم ابتلعها النسيان بسبب طول مدة التخبط الإداري، ولكن هل من بقعة ضوء؟ ربما.
لا علاقة لبقعة الضوء المفترضة تلك بما يردده الإعلام حاليا عن ضرورة إصلاح الكرة المصرية، فمثل تلك الكلمات نقرأها ونسمعها منذ ولدنا بل منذ ولد آباؤنا، حفظنا غيبا تسلسل إجراءات الاستهلاك الإعلامي من قبيل إقالة الاتحاد وتغيير المدربين وتشكيل لجنة للتحقيق في كذا وكذا.. إلى آخر “الموشح” المعروف. وقد قضى الصحافي الراحل الأستاذ إبراهيم حجازي عمره وهو يناقش مشكلة ضعف الأساسيات لدى الناشيء المصري وضرورة توسيع قاعدة الممارسة الرياضية ولكن لا حياة لمن كان ينادي.
أما اليوم، فيتمثل شبح الأمل في أننا، ربما لأول مرة، وأرجو ألا أكون متوهما، نرى اتفاقا بين الجمهور والإعلام وخبراء الكرة، على أن المشكلة هيكلية تمتد للجذور، وأن ما نسميهم نجوما في ملاعب الكرة، يفتقرون لمعظم الأساسيات، نتيجة توغل الفساد في قطاعات الناشئين، وغلبة البيزنس على الأكاديميات، وأننا كنا نخادع أنفسنا حين كنا نوجه الاتهامات إلى كيروش وكوبر، وأخيرا إلى موسيماني وفييرا، بينما المشكلة التي، تسد عين الشمس، أساسها في اللاعبين، في “القماشة” على حد تعبير الكبير “ميمي الشربيني”، وأن توقفنا عن تحقيق الإنجازات الكروية حتى على مستوى أمم أفريقيا، ليس بسبب أن “صلاح” لا يؤدي كما يفعل مع ليفربول، بل على العكس، فإن وجود صلاح هو ما كان “يسترنا” في تلك البطولات، وبمجرد غيابه، وعفوا عن التعبير” انفضحنا”. وها هو صلاح يتم عقده الثالث، ولم يبق له في الملاعب قدر ما أمضاه فيها، فهل تكتمل اليقظة الحالية بعد سنوات خداع النفس، أم نجد أنفسنا بعد سنوات، نطلق كلمة “حلم” على التأهل إلى أمم أفريقيا، لا المونديال!