ما بين الغضب وعدم التصديق، استيقظ الأقباط على قرار محكمة بمحافظة سوهاج، يرفض فيه القاضي طلاق زوجة مسيحية بعد دخول زوجها الإسلام. الأمر الذي استدعى نقاشًا واسعًا حول قوانين الأحوال الشخصية. لاسيما التي يحتكم إليها الأقباط، إذ تجمع بين شقين “مدني وكنسي”. وسط تركة طويلة من قوانين تصدر، وأخري تلغى، بقرارات باباوية.

كيف جاء حكم محكمة سوهاج متفقا مع صحيح القانون؟

سعيد فايز، أحد المحامين المطلعين على قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين. قال لـ “مصر 360”: إن حكم سوهاج صحيح قانونا، فالقاضي يحكم بنصوص مواد القانون وليس بالهوى.

وأضاف: كان يجب على المحامي مقيم الدعوي أن يطلب الخلع، ولا يستند إلى لائحة الأقباط الأرثوذكس. بالشكل الذي يجعل المدعية تستفيد من نصوص الإجراءات التشريعية لدعاوى الأسرة. بالمادة التي تنص على إنه في حالة اختلاف الطائفة، أو المذهب، أو الدين، تطبق أحكام الشريعة الاسلامية على طرفي النزاع. ومن ثم يحق لهذه الزوجة أن تطلب خلعًا.

يشير فايز إلى إن العكس ليس صحيحًا، ففي حالة تغيير ديانة الزوجة ودخولها الإسلام. يتم الاستناد إلى الشريعة الإسلامية، ويصبح عقد زواجها مفسوخًا تلقائيًا، ودون الحاجة إلى حكم قضائي. وهو أمر يخالف المساواة التي أقرها الدستور.

بين لائحة 1983ولائحة 2008 القاصرة

يقارن المحامي المطلع على قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين، بين لوائح وقوانين كانت تحكم قضايا الأقباط. فيقول: المعضلة الأساسية كانت في القائمين على تعديل لائحة 1983، التي كانت تطبق على جموع الأقباط الأرثوذكس عام 2008، وتم إلغائها بقرار باباوي. مؤكدًا إن تلك اللائحة كانت تعطي الزوجين الحق في طلب الطلاق في حالة تغيير الدين. وبعد تعديلها، تم إسقاط هذه المادة عن جهل، ولم يتبق سوى الزنا كسبب وحيد لطلاق المسيحيين في مصر.

لائحة 1983التي ذكرها فايز، كانت المرجع الأساسي لقضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين. حتى إذا ما جاء العام 2008، قرر البابا شنودة الثالث إلغاء تلك اللائحة، التي كانت تتيح أسبابًا متعددة لطلاق الأقباط ولفسخ الزيجة. مما تسبب في أزمة كبيرة، جعلت آلاف الحالات من المسيحيين عالقين في زيجات فاشلة.

اللائحة القديمة كانت تعتمد “هجر الزوج لزوجته، واستحالة العشرة، والزنا، وتغيير الدين، والسجن، ومرض العنة، والجنون، وسوء المعاملة” كأسباب للتطليق. وبعد تعديلها، اقتصرت أسباب الطلاق على العبارة “لاطلاق إلا لعلة الزنا”. وهي التفسير الذي وضعه البابا شنودة الثالث لأحد آيات الكتاب المقدس، فمنع الطلاق بغرض الدفاع عن الأسرة المسيحية.

الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس. قال في اجتماع مع الكهنة من قبل: “إن البابا شنودة أراد الحفاظ على الأسرة المسيحية. لكن ما حدث عكس ذلك، وفوجئنا بآلاف الحالات من العالقين في زيجات غير مناسبة. فكان دورنا، كرعاة خدام، هو الاستجابة لذلك ومراعاة آلامهم”. مؤكدا أن الكنيسة لها الحق في التدبير الرعوي والكنسي. وكذلك “تحتاج إلى فهم كتابات الآباء بطريقة مرنة وتناسب العصر”.

 

أزمة وحلول طلاق الأرثوذوكس

كذلك، فإن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قد أصدرت عام 2016″ورقة سياسات” بعنوان”طلاق الأقباط الأرثوذكس.. الأزمة والحل”. مؤكدة إن المسيحيين المصريين المنتمين للطائفة القبطية الأرثوذكسية. يعانون من صعوبة الحصول على أحكام بالتطليق لغير علة الزنا، أو الحصول على تصاريح بالزواج الثاني من الكنيسة. والأمر الذي يؤثر على السلامة النفسية لأفراد الأسرة الواحدة، وبخاصة الأطفال. مضيفة أنه في بعض الأحيان “تصل تعقيدات الأمور إلى حد المساس بالسلامة الجسدية لأعضاء هذه الأسرة”.

وشددت الورقة على أن لائحة 1938 “قدمت حلولاً عملية لغالبية المشكلات التي يعاني منها الأقباط الارثوذكس في مصر. عملاً بروح الرسالة المسيحية التي جاءت بالأساس لخلاص النفوس”. وهو المفهوم الأقرب لمبدأ التحرر الإنساني والمجتمعي، وفلسفة حقوق الإنسان القائمة على صون الكرامة الإنسانية المتأصلة في وجدان كل البشر.

حيث كانت اللائحة تتيح الطلاق لتسع أسباب من بينها الغيبة لأكثر من 5 سنوات (مادة 52). والإصابة بالجنون أو مرض غير قابل للشفاء أو إصابة الزوج بالعجز الجنسي لمدة 3 سنوات (مادة 54). والاعتداء على الزوج الآخر (مادة 55). والتي ساهمت في حل أزمات كثير من الأسر المسيحية في السابق. وفقاً لدراسة المفوضية لأحكام المحاكم العليا في قضايا الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.

في المقابل، فإن العام ٢٠١٦ قد شهد تحركًا كنسيًا في قضية الأحوال الشخصية. حيث وافق المجمع المقدس للكنيسة القبطية على تعديل لائحة عام ٢٠٠٨، موسعًا أسباب الطلاق، وفسخ الزيجة. إذ اشتملت على التوسع في تفسير مفهوم “علّة الزنا”. واستندت إلى مبدأ “الزنا الحكمي”، الذي يشمل “المكالمات الهاتفية، والمراسلات الإلكترونية، والتحريض على الدعارة، وتبادل الزوجات، والشذوذ”.

الكاتب بيشوي القمص، المهتم بالشأن المسيحي، اعتبر إن حكم محكمة سوهاج اليوم يعد تجليًا من تجليات ما أسماه “حلف الكنيسة والدولة”. مشيرًا إلى أن الكنيسة تحتفظ بحق تطليق الأقباط، وحق تزويجهم. حيث يعمل الكاهن القبطي كمتمم للأسرار المقدسة من ناحية، وكموثق بمصلحة الأحوال المدنية من ناحية أخرى.

وأضاف: هذا الازدواج في الأدوار بين المدني والديني ينتج عنه أحكامًا قضائية. مثل الحكم الخاص بحالة سيدة سوهاج، بينما الكنائس المختلفة في مصر منذ سنوات، تحاول التوصل إلى صياغة لقانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين.

نحو قانون موحد “زواج/طلاق” للأحوال الشخصية للمسيحيين

منذ عام 2013، وبالتزامن مع صعود البابا تواضروس الثاني لسدة كرسي مارمرقس الرسول. ازدادت المطالبات الكنسية بضرورة إصدار قانون موحد للأسرة المسيحية. يجمع كافة الطوائف المسيحية في مصر تحت إطار قانوني واحد. إلا إن تلك المحاولات باءت بالفشل، بعد أن اتفقت الطوائف على ألا تتفق. وتم التوصل إلى صياغة قانون يضم فصولًا متعددة، تحتفظ به كل طائفة بأحكامها وشرائعها الخاصة. فتجد في مسودته بابًا للطلاق عند الأرثوذكس، مقابل رفض الطلاق لدى الكاثوليك، وهكذا. حيث تم تقديم تلك الصيغة لوزارة الشئون النيابية منذ ما يقرب من عام، دون أن يحدث أي تحرك برلماني في تلك المعضلة يوحي باقتراب صدور القانون.