في نفس اليوم الذي كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يُدافع عن وثيقة ملكية الدولة، نافيًا أن تكون بابًا لعودة برامج الخصخصة. كان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي يدعو الدول الخليجية إلى تحويل ودائعها في البنك المركزي إلى استثمارات.

من بين 35.5 مليار دولار، هي مجمل احتياطي مصر النقدي من العملة الأجنبية. تُشكل ودائع الدول الخليجية نسبة 55.7%، بإجمالي يصل إلى 19.97 مليار دولار. والتي تعود ملكيتها إلى 10.3 مليار دولار ودائع سعودية، و5.67 مليار دولار وديعة إماراتية، و4 مليار دولار وديعة كويتية.

بالعودة إلى مدبولي، الذي يقول إن تخارج الدولة لن يكون كليًا، وقد يتم الاحتفاظ بالأصول. مقابل التخلي عن حق الإدارة والتشغيل للقطاع الخاص. لكن أحمد كوجاك، نائب وزير المالية للسياسات المالية والكلية، يُوضح أن الدولة ستبيع أصولها أو “تتخارج”. وهو مصطلح أقل حدة لتوصيف عملية الخصخصة، من بعض القطاعات خلال 3 سنوات فقط.

ويشرح، أن الدولة ستتخارج من كل النشاط الصناعي بمفهومه الواسع. لدرجة أن الصناعات الهندسية ستتخارج منها الدولة بنسبة 77%، والصناعات المعدنية بنسبة 40%. وكذا الكيماوية تصل نسبة التخارج فيها إلى 56%، والصناعات النسيجية تصل نسبة التخارج إلى 90%، والنقل بنسبة تخارج 42%.

ويُتابع في تصريحات له، أن آليات هذا البيع لن تتم وفق برنامج طروحات البورصة. بل يمكن أن يتم عبر اتفاقية شراكة، أو عقد إيجار أو مستثمر استراتيجي. إذ إن البيع لا يعني فقط نقل الملكية عبر البورصة.

اقرأ أيضا: الجنيه يفقد 16% من قيمته أمام الدولار.. متى يغادر المصريون مؤشر التعاسة؟

خصخصة باللون الأحمر

منذ أن كُشف عن وثيقة ملكية الدولة في مايو/ أيار الماضي. تُحاول الحكومة بث الطمأنينة عبر تصريحات المسئولين بأنها ليست عودة لبرنامج الخصخصة. أو وجود نية لاستكمال بيع الأصول المملوكة لها. لكن بعيدًا عن التوصيفات، فإن تخارج الدولة، يعني الإقرار بإنهاء إدارتها للأصل. سواء كان شركة، أو غيرها من تلك الأصول التي ستدور عليها دائرة الخصخصة.

قسمت وثيقة ملكية الدولة القطاعات الاقتصادية إلى ثلاث فئات. أعطت لكل منها لونها الخاص، الأحمر يُشير للقطاعات التي ستتخارج الدولة منها نهائيًا. أما الأخضر فيعني استمرار الدولة في الاستثمار لأسباب اجتماعية واستراتيجية. والأصفر يعني مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص في التمويل والإدارة.

وحددت الوثيقة آليات هذا التخارج أو الشراكة مع القطاع. فيما أشارت إلى أن 50% من استثمارات الحكومة وجهت إلى البنية التحتية والتعليم والصحة. وأن محفظة الأصول المملوكة للحكومة تُشكل نصف ناتج مصر القومي.

 

معايير تخارج الدولة من القطاعات

1. تصنيف السلعة أو الخدمة، وما إذا كانت ذات علاقة بالأمن القومي (بما في ذلك السلع المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمواطن).

2. أهمية دخول الدولة كمنظم وممول وداعم للصناعات المستقبلية التكنولوجية ذات الصلة بالثورة الصناعية الرابعة لتوطينها في مصر.

3. مدى جاذبية القطاع/ النشاط للاستثمارات الخاصة.

4. تمكين الاستثمارات الخاصة، مع السماح بتعزيز فرص التكامل الممكنة مع الاستثمارات العامة.

5. تخارج الدولة من الصناعات/ القطاعات المشبعة سوقها، والتي لا تحتاج إلى دعم الدولة.

6. مستوى ربحية الأصول المملوكة للدولة.

المصدر: وثيقة الملكية

 

لكن رغم تلك التطمينات التي تبثها الحكومة؛ إلا إن خطتها تكشف عن حقيقة واحدة. وهي الحصول على 40 مليار دولار عبر تسييل أكبر قدر ممكن من الأصول المملوكة لها. سواء عبر البيع المباشر أو التنازل عن حق الإدارة والتشغيل لشركات خاصة.

ونقلا عن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإن الحكومة تهدف للحصول على 10 مليار دولار سنويًا كنتيجة لتلك الوثيقة المعلَّنة. وحتى تُنفذ تلك العملية، سيكون لصندوق مصر السيادي دور كبير فيها، وفق ما أكده الرئيس التنفيذي للصندوق أيمن سليمان.

ويعزز ذلك شرح حصلنا عليه من الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب. بأن صندوق مصر السيادي سيكون ترس الحكومة في عملية بيع الأصول أو عقد الشراكات خاصة مع الصناديق المالية العربية.

ووفقًا للفقي، فإن تفكير الحكومة ينصب على توحيد جهة واحدة. تؤول إليها بعض الأصول والممتلكات والشركات المملوكة للدولة. لتكون هي المسئولة عن استثمارها أو بيعها، وسيكون هذا هو دور الصندوق السيادي.

ويتماشى هذا مع إنشاء صندوق مصر السيادي صندوق فرعي. تكون مسئوليته تسريع عملية برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، ذلك أنه سيتولى عمليات طرح الأصول المصرية للشراكة مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة. بالتنسيق مع هيئة الرقابة المالية وعدد من المؤسسات الدولية.

وكانت الحكومة قد انتهت من تقييم أصول مملوكة لها بقيمة 9.1 مليار دولار من إجمالي 10 مليار دولار. هي حصيلة العام الأول لبرنامج وثيقة الدولة، وأن الحكومة تعمل الآن على تقييم أصول جديدة بقيمة تصل إلى 15 مليار دولار.

تخفيف العبء عن كاهل الحكومة

إلى ذلك، يرى الدكتور مدحت نافع، خبير الاستثمار والتمويل، أن الهدف من عملية الخصخصة ليس البيع، لكن تخفيف العبء عن كاهل الحكومة في ملكيات خاسرة، وفي نفس الوقت محاولة تمويل العجز المالي في الموازنة العامة.

ويُضيف لمصر 360، أنه رفض أن تكون الربحية “معيارًا” لتخارج الدولة من قطاعات معينة، معتقدًا أن وثيقة ملكية الدولة تعبر عن فلسفة الدولة الاقتصادية حيال وجودها في القطاعات المختلفة، وذلك ضمن تعريف شامل للدولة وليس الحكومة التنفيذية فقط أو الهيئات الاقتصادية وحدها.

الناتج الإجمالي للقطاعات الاقتصادية المصرية في 2021

القطاع السلعي             2 تريليون و702 مليار

الصناعات التحويلية                 982 مليارا و785 مليون جنيه

الكهرباء                              103 مليارا و215 مليون جنيه

المياه                         34 مليارا و544 مليون جنيه

التشييد والبناء                       429 مليارا و151 مليون جنيه

قطاع الخدمات الإنتاجية           تريليون و831 مليار جنيه

قطاع الخدمات الاجتماعية        تريليون و480 مليار جنيه        

 المصدر: بيانات البنك الدولي

 

ويعتقد نافع، أن تلك الوثيقة إشارة مهمة جدًا للمستثمرين في القطاع الخاص، لأن المستثمر يضع خطته ضمن إطار طويل، ولا يريد أن تُزاحمه الحكومة بأي شكل في النشاط الذي يُمارسه، بالتالي فالحكومة تبحث عن حث القطاع الخاص على الدخول للسوق المصري.

ويقول، إن الوثيقة تحوي كثيرًا من الإيجابيات ومازالت مفتوحة للنقاش ولمدة 3 أشهر، وهناك موقع إلكتروني يمكَّن المستثمرين أو المحللين الاقتصاديين من عرض وجهات نظرهم حيال الوثيقة.

ويُشير خبير الاستثمار والتمويل إلى وجود حوار مجتمعي حول الوثيقة لا علاقة له بما سبق من الحوارات المجتمعية؛ لكن هو يسترشد بخبرات دولية مثل خبرات الصين وخلافه، وبمعايير منظمة الأونكتاد وهي أول من وضعت مبادئ لمفهوم ملكية الدولة عندما وضعت مبادئ الحوكمة في الملكية الحكومية.

البيع الكلي أم الجزئي أيهما الأنسب؟

من جهته، يشرح كريم بدر الدين، المحلل المالي بالبنك الدولي، أداء الشركات المخصصة خلال برامج الخصخصة التي تمت في التسعينات وأوائل الألفية، قائلا: “اختلف الإداء المالي والاقتصادي للشركات المخصصة حسب درجة التصفية، البيع كاملا أو جزئيًا”.

ويقول في تقرير اطلعت عليه مصر 360، إن إداء الشركات التي بيٍعت بالكامل بعد الخصخصة تحسن وتطور، حيث تحسنت النفقات الرأسمالية وزادت الكفاءة التشغيلية، لكن انخفض معدل التوظيف بها بنسبة 75%.

بينما عانت الشركات التي بيٍعت جزئيًا من الخسائر، إذ لم تفرض الخصخصة الجزئية أي تغييرًا في الإدارة، وفقًا لبدر الدين، مضيفًا أن برنامج الخصخصة كان يهدف لتحويل مصر من اقتصاد مخطط مركزي إلى السوق الحر، وتطلب ذلك تفكيك الشركات المملوكة للدولة خاصة تلك الخاسرة أو غير الكفؤة، مع تحسين الاستدامة المالية والأداء الاقتصادي للدولة.

تخوف من سيطرة الأجانب

على جانب أخر، تشرح دراسة أعدتها الباحثون نورهان شريف، وهبة خليل، وحاتم زايد، تبعات التشريعات الاقتصادية التي تُنظم وضع السياسات الاقتصادية خاصة في ضوء سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على مفاصل الاقتصاد المصري.

وتُضيف الدراسة الصادرة عن المركزي المصري للحقوق الاقتصادية، أن وقوع الاقتصاد المصري تحت قبضة رجال الأعمال الأجانب خاصةً سيكون له تبعاته، مشيرةً إلى استحواذ الشركات متعددة الجنسيات على نسبة 60% من قطاع البترول، و80% في قطاع الصناعات الغذائية والدواء والاتصالات والألبان والزيوت، و40% من حجم تداولات البورصة المصرية.

وتُشير الدراسة الصادرة بعنوان “فوق الدولة” عام 2015، أن جزءا كبيرًا من السلاسل التجارية والقرى السياحية وصناعة الدواجن يستحوذ عليه مستثمرين أجانب، كاشفةً أن أبرز الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مصر هي “مايكروسوفت وجنرال إلكتريك، وبي بي النفطية، وكوكاكولا، وكرايسلر، وفورد”، فيما يصل عدد العلامات التجارية الأجنبية المسجلة داخل السوق المصرية إلى نحو 28 ألف علامة مقابل 400 علامة مسجلة لشركات محلية، وهو ما يعكس سيطرة أجنبية كبيرة على مفاصل الاقتصاد المصري.

هل الهدف التخلص من الشركات الخاسرة؟

بالعودة لبرنامج الخصخصة في التسعينات والذي كان يُدار باشتراطات مسبقة وضعها نادي باريس بعد اتفاق مصر معه عام 1992، فكان الهدف من البرنامج فعلا هو تحقيق استدامة مالية والتخلص من أعباء الشركات المملوكة للحكومة والتي كانت تُحقق خسائر كبيرة.

لكن حاليًا، ووفقًا لوثيقة ملكية الدولة، فإن الخصخصة أو التخارج أو البيع، سمها كما شئت، تهدف لبيع الشركات الناجحة التي تُحقق أرباحًا، وظهر ذلك جليًا في صفقات الشركات الخمس التي استحوذ عليها صندوق أبوظبي السيادي قبل أشهر.

علاوة على ذلك، فإن أولى الأصول التي كشفت عنها الحكومة ضمن خطتها للبيع كانت الفنادق والموانئ وهي أصول تحقق أرباحًا، وليست عبء على الموازنة العامة، وفقًا مراجعات قمنا بها للموازنات التخطيطية للشركات التي تؤول الفنادق لها، أو لقطاع النقل البحري بوزارة النقل.

كما أن العجز المالي يفرض على الحكومة البحث عن مصادر تمويلية جديدة، ذلك أن قيمة أقساط وفوائد الدين في الموازنة العامة القادمة 2022/ 2023 ستبلغ نحو تريليون و655 مليار جنيه، بينما موارد الدولة المتوقعة من الضرائب وغيرها، ستبلغ نحو تريليون و517 مليار جنيه، لذا لابد للحكومة من البحث عن مصادر تمويلية جديدة لسد ذلك العجز المالي.

تطور الناتج المحلي الإجمالي 2014/ 2021

2014- 2015           2 تريليون و443 مليار جنيه

2015 – 2016          2 تريليون و709 مليار جنيه

2016 – 2017          3 تريليون و470 مليار جنيه

2017- 2018           4 تريليون و437 مليار جنيه

2018 – 2019          5 تريليون و322 مليار جنيه

2019 – 2020          5 تريليون و820 مليار جنيه

2020 – 2021          6 تريليون و341 مليار جنيه   

المصدر: بيانات البنك الدولي

أين يستثمر الأجانب في مصر؟

يكشف التقرير الصادر عن منظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة في يونيو/حزيران الجاري. أنه رغم احتلال مصر المرتبة الثانية من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا. إلا أن تلك النسبة لاتزال منخفضة عما حققته مصر مسبقًا.

ويُقدر التقرير، أن حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي في عام 2019 بلغت 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي. بقيمة أكبر من 9 مليار دولار، بينما في 2021 بلغت الاستثمارات حوالي 5.1 مليار دولار فقط.

ويكشف التقرير عن أزمة تدفقات الاستثمار الأجنبي في مصر. حيث تُركز المستثمرون الأجانب على قطاع البترول بنسبة 74.3%، وهو قطاع أقل خلقًا لفرص العمل. رغم طبيعته كثيفة رأس المال، بينما ظلت حصة الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات الأكثر كثافة للعمالة ضئيلة. خاصة في مجال الخدمات ونسبتها 14%، والصناعة ونسبتها 5%. والإنشاء والبناء ونسبته 2% من إجمالي الاستثمار الأجنبي بمصر.

هل القطاع الخاص المصري قابل للتطور؟

تكشف دراسة صادرة عن البنك الدولي، أنه رغم انتعاش القطاع الخاص خلال العقدين الماضيين بسبب التحولات الكبيرة في الاقتصاد المصري؛ إلا أن نسب تطوره كانت ضئيلة للغاية، مقارنة بأقرانه في دول الشرق الأوسط.

وتقول الدراسة الصادرة العام الماضي، أن متوسط نصيب القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 64.8%، والباقي للقطاع الحكومي، مفسرة ذلك بتراجع الزراعة والصناعات التحويلية لصالح العقارات والبناء.

وتُوضح، أن احتياجات الحكومة التمويلية خلال السنوات الماضية تسببت في زيادة تكلفة الاقتراض والتي أثرت على وصول الشركات الخاصة للتمويل وقدرتها على تحمل أعباء تكلفة فوائد وأقساط القروض، حيث تناقصت نسبة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بشكل مستمر حتى بلغت 30% بنهاية العام 2020، فيما استحوذت الحكومة على الباقي.

كما أن حصة الائتمان “القروض”، الممنوحة للقطاع الخاص في النشاط الصناعي والخدمي متقلبة، إذ تظهر مؤشرات الشمول المالي تراجع نسبة الاعتماد على المصارف والبنوك للقيام بأعمال تجارية، لاسيما مقارنة بدول مجاورة لمصر.

فضلا عن أن أغلب شركات القطاع الخاص بمصر تنتمي للمشروعات متناهية الصغر والتي تتركز في القطاعات منخفضة المهارة، فحوالي 97% من الشركات الخاصة تُوظف ما بين 1 إلى 5 عمال، وهي حصة تراجعت بشكل طفيف على مدى العقد الأخير، وفقًا للدراسة الصادرة عن البنك الدولي.

وتُقدر دراسة البنك الدولي، أن 50% من شركات القطاع الخاص تمارس نشاط البيع بالجملة والتجزئة والتجارة والإصلاح، وأنه رغم أن قطاع الصناعات التحويلية يُمثل ثاني أكبر القطاعات بعد ذلك إلا إن نسبته لا تتعدى 11.5% من إجمالي نشاط القطاع الخاص.