لم يكن توقيع مذكرة تفاهم بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، الأربعاء 15 يونيو/حزيران الجاري، لتصدير الغاز الطبيعي بعد تسييله في المحطات المصرية المعدة لذلك، المحاولة الأوروبية الوحيدة لإيجاد بدائل للوقود الروسي، في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا. فهناك خط غاز “إيست ميد” الذي طُرح خلال 2020 لنقل الغاز من إسرائيل وقبرص عبر الأراضي اليونانية وصولًا إلى باقي دول الاتحاد. وقد انسحبت الولايات المتحدة من هذا المشروع لاعتبارات التكلفة والوقت. ذلك قبل أن يغير الغزو الروسي لأوكرانيا المعادلة بشكل كلي. الأوروبيون الآن يبحثون عن كل المصادر المتاحة للاستغناء عن روسيا. ومن هنا عاد الحديث عن خط الغاز “إيست ميد” إلى سطح المفاوضات مرة أخرى.

وقد نالت محاولات إعادة إحياء المشروع جزءًا من المباحثات الرسمية التي جرت بين قادة الدول التي تقع على خط المشروع (إسرائيل – قبرص – اليونان – إيطاليا). وكان آخرها زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى إسرائيل. حيث جرى الحديث حول كيفية إحياء خط الغاز المتوسطي مرة أخرى.

تحركات جديدة

في أواخر مايو/أذار الجاري، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار، إن مشروع خط أنابيب الغاز “إيست ميد” لا يزال قيد “الفحص”. معلنةً عزم بلادها على إصدار تراخيص جديدة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. ذلك في محاولة للتصدير إلى أوروبا.

حينها، أوضحت الوزيرة الإسرائيلية أن “فحص خط أنابيب إيست ميد إلى أوروبا سيستمر، وأن السؤال هو ما إذا كان بناء خط الأنابيب سيكون مجديًا اقتصاديًا”.

وفي إبريل/نيسان الماضي، وافق البرلمان الإيطالي، في إجراء برلماني استثنائي، على قرار لصالح تنفيذ خط أنابيب “إيست ميد”. ويلزم القرار الحكومة الإيطالية باتباع استراتيجية لتنويع إمدادات الغاز. ذلك من خلال الاتصالات الدبلوماسية والمبادرات الاقتصادية والمزيد من التخطيط لمشاريع البنية التحتية الدولية، مع الشركاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

مشروع “إيست ميد”

تعود فكرة مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط “إيست ميد” إلى عام 2013، عندما سجلت شركة ديبا (الشركة اليونانية العامة للغاز الطبيعي) هذا المشروع على قائمة “المشاريع ذات الاهتمام المشترك” للاتحاد الأوروبي. ما مكنها من الاستفادة من الأموال الأوروبية لتغطية جزء من الأعمال التحضيرية. وتقدر تكلفة المشروع الذي يصل إلى إيطاليا بـ 6 مليارات يورو.

وفي الثاني من يناير/كانون الثاني من عام 2020 وقّعت إسرائيل مع قبرص واليونان اتفاقًا fإنشاء خط أنابيب عبر منطقة شرق المتوسط لإيصال الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وذلك بالاعتماد على احتياطات حوض شرق المتوسط قبالة إسرائيل وقبرص، وباستخدام خطوط أنابيب الغاز اليونانية “بوسيدون” و”أي جي بي”. وتمر بجزيرة كريت قبل أن تصل إلى الأراضي اليونانية.

ويبلغ طول هذا الخط -وفق الاتفاق- 1872 كيلومتر. بما يتيح نقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.

الحاجة الملحة لـ “إيست ميد”

وفي مارس/ الماضي، كشف الرئيس التنفيذي لشركة أديسون نيكولا مونتي، أن خط أنابيب الغاز الطبيعي إيست ميد سيكون جاهز في غضون 4 سنوات.

وقال مونتي، في حوار مع وكالة نوفا الإيطالية، إن “مشروع إنشاء خط إيست ميد، لابد أن ينال اهتمامًا”. لأنه المشروع الوحيد لتنويع مصادر الغاز، المكتشف بالفعل. لافتًا إلى حاجة الاتحاد الأوروبي الماسة لتنويع مصادر الغاز. ومن ثم التخلي عن مصادر الغاز الروسية.

وأشار الرئيس التنفيذي لشركة أديسون إلى أن “أربع سنوات هي فترة قصيرة إلى حد معقول”. بالنظر إلى أننا سنحتاج إلى الغاز الطبيعي لسنوات عديدة أخرى، بالتأكيد لدورة اقتصادية أمامنا، والتي ستقودنا بعد ذلك إلى أفق إزالة الكربون بحلول عام 2050″.

يقول الخبير الاستراتيجي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، إن الحديث عن خط أنابيب شرق البحر المتوسط كان قد توقف قبل الحرب الأوكرانية. لأن الاتحاد الأوروبي -وقتها- فضّل خط نورد ستريم 2. لكن الآن ومع ضغوط الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح الأمر ملح وضروري لوضع خطط تنويع إمدادات الطاقة وإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي.

وقد كشف الخبير الإيطالي أن بدء ضخ الغاز لن يكون فوريًا. بل سيستغرق بضع سنوات (ربما 4 سنوات). لكنه يمثل بنية تحتية استراتيجية مهمة للغاية. كما أنه سيمهد لشكل  منأشكال الاتصال الجيوسياسي بين إسرائيل ومصر وأوروبا.

لفت “روفينيتي” أيضًا إلى عقبة تركيا. وهو يرى ضرورة إجراء حوار وشراكة معها. وهو أمر تفرضه أهمية المشروع النابعة من سببين: أولًا: تعميق الوجود الإيطالي والأوروبي في البحر الأبيض المتوسط، ثانيًا: التزود بالغاز عبر خط أنابيب. سواء من حيث السعر أو الاستقرار. إلى جانب كفاءة الغاز الواصل عبر الخط والتي هي أعلى بكثير من مثليتها في الغاز المسال.

الحاجة للاستثمارات

يقول الخبير في مركز بريو القبرصي، الدكتور زينوناس تزياراس، إن هذه التحركات الأوروبية الأخيرة في مجال الغاز الطبيعي الهدف الرئيسي منها هو أمن الطاقة بشكل عام. وهو ينظر إلى قرار البرلمان الإيطالي باعتباره سياسيًا قد يؤثر أو لا يؤثر على سياسة الحكومة.

لكنه مع ذلك يوضح أن مشروع خط أنابيب “ميد إيست” لا يزال يواجه مشكلات كبيرة. فرغم أن اليونان وقبرص وإسرائيل وقعت اتفاقية سياسية حوله، لكنها لم تؤد إلى أي نتائج ملموسة.

وهو يشير إلى أنه لا يزال هناك نقص في المستثمرين، علاوة على أن المشروع غير متوافق مع الأهداف البيئية للاتحاد الأوروبي، وغير قادر على تلبية احتياجات أوروبا العاجلة من الطاقة. وهي أمور الدعم السياسي للمشروع.

كتب – حمادة عبدالوهاب: