لم تعد البورصة المصرية تتأثر بالقرارات الاقتصادية. وقد باتت تحتل مرتبة متقدمة بين الأسوأ أداءً في المنطقة، مع مسار عرضي لا يستجيب للصدمات. فلا يهبط بها رفع الفائدة للأسفل ولا تدفع بها الصفقات وخطط التحفيز الحكومي للأعلى، ولا تستطيع جذب صفقات قوية حاليًا، رغم أن أسعار أسهمها أصبحت “برخص التراب”.
في تقرير هيئة الرقابة المالية عن أداء البورصات العربية خلال الأول من العام الحالي كانت البورصة المصرية الأسوأ أداءً بين البورصات العربية. بعدما تراجع مؤشرها بنسبة 5.95%. بينما كانت أبو ظبي الأفضل بعدما قفزت بنسبة 17.20% تلتها السعودية بنسبة 16%، ثم البحرين 15.3%.
ارتفعت خسائر البورصة لتقترب من 18.6% منذ بداية العام، ليصل مؤشرها الرئيسي “إيجي إكس 30” الذي يقيس أداء أنشط 30 شركة في السوق، إلى 9,726.81 نقطة، متراجعًا بنحو 2222 نقطة عن نهاية العام الماضي، حينما سجل 11949.18 نقطة.
تحافظ سوق المال المصرية على مركزها ضمن الأكثر هبوطًا خلال العامين الماضيين. إذ تنافست في 2020 على لقب الأسوأ عالميًا مع “بلغاريا، وكوستاريكا، وموريشيوس، وجامايكا”. بعدما تراجع مؤشرها الرئيسي “إيجي إكس 30” حينها بنسبة 23.1% واقتربت السوق من تسجيلها حاليًا في أقل من 6 أشهر (18.6%).
يعزو البعض الأداء السيء لعام 2020 لجائحة كورونا. لكن الأزمة العالمية لم تمنع بورصة نيجيريا من احتلال المرتبة الأولى في العام ذاته بعدما قفزت 47%، وأن تحتل الأرجنتين الأضعف اقتصاديًا في المرتبة الخامسة عالميًا، بنسبة ارتفاع تعادل نفس نسبة هبوط مصر 23.1%.
البورصة المصرية ترقص في منطقة القاع
يقول المحلل المالي محمد جاب الله إن البورصة المصرية حاليًا في منطقة القاع، ولن تتأثر بقرارات البنك المركزي المتعلقة بالفائدة الخميس المقبل. ويتوقع أن تواصل الأداء العرضي لفترة (الأداء العرضي هو تحرك مؤشر البورصة بصورة أفقية دون ارتفاع أو هبوط).
ويضيف جاب الله أن أداء البورصة “مزري للغاية” ليس فقط من حيث الاتجاه الهابط. ولكن أيضًا من حيث أحجام التداول الهزيلة التي أصبحت تعرض المجال كله للمخاطر، والسبب الرئيسي هو فقدان الثقة في السوق.
منذ شهر أغسطس/آب الماضي 2021، تعاني البورصة الأمرين من تضارب القرارات وإصدارها بشكل مفاجئ دون ملائمة لطبيعة السوق المصري أساسًا، مع إصرار من إدارة البورصة على تطبيقها لرغم ثبوت فشل قرارات شبيهة تم إصدارها من قبل، بحسب جاب الله.
يضيف أنه مع الإلغاءات المتكررة للأسهم وتخارج الأجانب من السوق ضمن أغلب الاسواق الناشئة نتيجة إعادة هيكلة استثماراتهم في الأسواق الناشئة، تهالك السوق وأصيب بالهشاشة الثى نراها يوميًا.
ما تعاني منه البورصة المصرية، حاليًا، يتكرر دائمًا في الأزمات. ويتمثل في هروب أموال ساخنة بسرعة تهبط معها السوق. ففي 2020 كانت البورصة جيدة حتى أول مارس/آذار مع انتشار فزع كورونا عالميًا، لينقلب الأمر كلية، وتهبط بوتيرة شديدة التسارع.
من المصادفة أن الأمر تكرر بالشكل ذاته، فمنذ ديسمبر/كانون الأول، تراجعت السوق على وقع حديث الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة بأمريكا، حتى جاء فبراير/شباط مجددًا بالحرب الروسية لتهبط السوق بوتيرة شديدة التسارع. ما يعني أنها تجتذب نوعيات من المستثمرين الراغبين في المضاربة وليس الاستثمار على المدى البعيد.
مناخ طارد للمستثمرين في بورصة مصر
الدكتور أحمد العطيفي، خبير أسواق المال، يقول إن تأثر البورصة بالفائدة أصبح محدودًا. فهي تعاني الهبوط قبل إصدار قرار الفائدة، والمستثمر الأجنبي خرج من معظم الاسواق الناشئة. خاصة مصر التي تفتقر لعوامل جذب موجودة في أسواق أخرى.
وحسب العطيفي، فإن السوق المحلية تتضمن عوامل طرد تجعل المستثمر يفكر قبل دخول السوق، من الضرائب وتكاليف التعاملات في البورصة، وعدم وجدد استثمارات قوية للمؤسسات، والتدخل في آليات التداول، وانخفاض عدد الشركات المقيدة بالبورصة مقارنة بحجم الاقتصاد، وعدم استقرار سعر الصرف، وارتفاع الفائدة البنكية.
تتضمن البورصة حاليًا 31 سهمًا يقل سعرها عن جنيه، وقطاع عريض منها (16 سهمًا) يقل سعر السهم فيها عن 50 قرشًا. أي أن السهم يعادل ثمن علكة “قطعة لبان”. والأغرب أن بينها أسهم شركات عقارات ضخمة يُفترض تحقيقها أرباحًا قياسية في ظل انتعاش المبيعات بالقطاع العقاري الذي سجل مبيعات (الشركات المقيدة وغير المقيدة بالبورصة) خلال الربع الأول من العام الحالي بقيمة 50 مليار جنيه.
السوق ترفض التفاعل مع الحوافز والقرارات
من المعروف أن أسواق المال تتأثر بسرعة مع القرارات والشائعات. لكن السوق المحلية تراجعت اليوم الأحد بنسبة 1.4%، رغم الأنباء التي تدور حاليًا حول حزمة حوافز جديدة تتضمن إعفاء نسبة من الربح المحقق لحملة الأسهم تعادل معدل الائتمان والخصم الصادر من البنك المركزي سنويًا.
تتضمن حزمة التحفيز التي يتوقع أن تعلن عنها وزارة المالية خلال ساعات: خصم 50% من قيمة الأرباح الرأسمالية المحققة عند الطرح الأولى في بورصة الأوراق المالية لمدة سنتين من تاريخ صدور القانون. مع السماح بخصم الضريبة على توزيعات الأرباح ضمن الهياكل الضريبية المركبة لتجنب الازدواج الضريبي. وكذلك تشجيع الاستثمارات، وتعديل المعاملة الضريبية لصناديق الاستثمار، لتشجيع الاستثمار المؤسسي. بما يدعم الاقتصاد والشركات الناشئة. مع وضع ضوابط تضمن سلامة التنفيذ، بما يتوافق مع التطبيقات الدولية، وإعفاء صناديق الاستثمار في أدوات الدين، وصناديق الاستثمار في الأسهم المقيدة بالبورصة، وصناديق وشركات رأسمال المخاطر، وخضوع حملة الوثائق بواقع 5% للأشخاص الطبيعية و15% للأشخاص الاعتبارية، وإعفاء الصناديق الخيرية بالكامل. إلا أن المحللين يطالبون بإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية. وهم ينطلقون في رفضهم من أن الأسواق المالية لا يجب أن تفرض ذلك النوع من الضرائب.
عروض استحواذ تقتنص أسهمًا “برخص التراب”
يقول أيمن فودة، الخبير المالي، إن البورصة المصرية امتصت مسبقًا قرارات رفع الفائدة، فخرجت معظم الأموال الساخنة من السوق المصري. وبالتالي، فإن تأثير قرار البنك المركزي على البورصة خفيف ومؤقت. ذلك نظرًا لهبوط المؤشرات والأسهم عن قيمتها العادلة بدرجة كبيرة.
ويضيف أن عروض الاستحواذ المتتالية من قبل الإمارات والسعودية وغيرهما على الأسهم المصرية والشركات المدرجة في البورصة تعكس تلك المستويات المتدنية. كان آخرها عرض “الدار العقارية” للاستحواذ على حصة حاكمة من شركة مدينة نصر المصرية.
وتدرس شركة “الدار العقارية” الاستحواذ على حصة أغلبية في شركة “مدينة نصر للإسكان” المصرية. بعدما استحوذت العام الماضي -ضمن تحالف- على حصة أغلبية في شركة السادس من أكتوبر (سوديك). بينما تعتزم شركة “شيميرا” للاستثمار الإماراتية للاستحواذ على ما يصل إلى 90% من أسهم شركة “بلتون المالية القابضة” المصرية، التابعة للملياردير نجيب ساويرس، بسعر 1.485 جنيه للسهم الواحد.
بلتون، وهي بنك استثمار ضخم، مثال واضح على التراجعات التي تشهدها السوق المصرية حاليًا. فالسهم الذي يبلغ اليوم الأحد مستوى 1.39 جنيه، كان قبل عام واحد فقط عند مستوى 2.27 جنيه. وقبل خمس سنوات كان عند مستوى 10.10 جنيه أي أن السهم فقد بنسبة 88%.
ويحمل بعض المحللين الماليين أمثال وائل عنبة مسئولية أوضاع البورصة إلى سوء إدارة هيئة الرقابة المالية. وهؤلاء يرون أن 90% من قراراتها تتسبب في فقدان الثقة بالسوق وتزيد من مخاطر الاستثمار. ويطالبون إنشاء صندوق استثمار بالبورصة بـ 1% من الـ 14% الخاصة بالاحتياطين الإلزامي الخاص بالبنك المركزي ما يحقق الثقة بسوق المال.
ولم تستجب البورصة كثيرًا للحديث الحكومي عن طروحات قوية في السوق قريبًا. فالمستثمرون يسمعون عن برنامج الطروحات منذ 4 أعوام، ولم يتم تنفيذه إلى الآن أو وضع خطة محدثة بالشركات المستهدفة.