حملت نتائج انتخابات الجمعية الوطنية في فرنسا -البرلمان- أزمة كبيرة للرئيس إيمانويل ماكرون مع بدء فترته الثانية. بعد أن فقد الوسطيون أغلبيتهم المطلقة في البرلمان. حيث يواجه الرئيس المنتخب حديثًا للمرة الثانية حالة من عدم اليقين، بشأن كيفية عقد التحالفات من أجل تمرير التشريعات الرئيسية هذا الصيف.
يرجح المراقبون الأوروبيون أنه سيكون هناك جو برلماني مختلف تمامًا، وربما أكثر سخونة عن فترة ولاية ماكرون الأولى. بعد “أداء قوي من اليسار واندفاع من أقصى اليمين”، وفق تعبير صحيفة The Guardian البريطانية. حيث تشهد البلاد هذه المرة تحالف اليسار الجديد. وهو أكبر قوة معارضة في البرلمان، مع قدرة متزايدة بشكل كبير على إسماع صوته.
عندما تم انتخاب ماكرون رئيسًا لأول مرة في عام 2017، كان لحزب جان لوك ميلينشون اليساري المتشدد “فرنسا الأبية”. 17 عضوًا فقط في البرلمان. لكن هذه المجموعة الصغيرة كان لها حضور صريح للغاية، حيث قدمت تعديلات على القوانين، وهيمنت على التغطية الإعلامية عبر إشارات محددة. مثل إحضار علب المعكرونة وصلصة الطماطم والخبز إلى الجمعية الوطنية، لتوضيح تأثير التخفيضات الحكومية على إعانات الإسكان.
في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، احتل تحالف الوسط لماكرون المركز الأول، حيث حصل على 245 من إجمالي 577 -وفقًا للنتائج النهائية الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية- أكثر من أي حزب سياسي آخر. لكن مع ذلك، فإنه لا يزال أقل من عتبة 289 مقعدًا للأغلبية المطلقة.
وجاء ائتلاف اليسار الإيكولوجي والاجتماعي الجديد (NUPES) -وهو ائتلاف يساري بقيادة ميلينشون- في المرتبة الثانية بحصوله على 131 مقعدًا، ما يجعله قوة المعارضة الرئيسية في البلاد. على الرغم من أنه من المتوقع أن ينقسم التحالف حول بعض القضايا، بمجرد أن يصبح في البرلمان.
اقرأ أيضا: ماكرون يفوز بـ “فرنسا مُقسمة”.. تصويت عقابي يحسم الاختيار والمعركة الأعنف في البرلمان
السعي لبناء تحالف جديد
تُعد النتائج الأخيرة خروجًا ملحوظًا عن التفويض الكبير الذي مُنح لماكرون في انتخابات 2017 . إن أسلوبه في الحكم من أعلى إلى أسفل، والذي وصفه ماكرون بأنه رئاسة “جوبيتر” – كبير الآلهة الروماني- قد تغير بالفعل، وسيتعين عليه الآن النزول إلى الأرض وتعلم فن بناء الإجماع.
سيصبح ماكرون، الذي فاز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية في إبريل/نيسان. هو أول رئيس فرنسي في منصبه لا يفوز بأغلبية برلمانية مطلقة منذ الإصلاح الانتخابي في عام 2000. وهو الآن يدخل منطقة غير معروفة من المفاوضات والتسويات. بعد خمس سنوات من السيطرة بلا منازع، حيث من المتوقع أن يحاول تحالفه تشكيل تحالفات مع الأحزاب السياسية الأخرى -بما في ذلك اليمين المحافظ- الذي جاء رابعًا في نتائج الانتخابات.
قد تتعرض فرنسا لشلل سياسي إذا فشل ماكرون في إقامة تحالفات. لكن قد يعني ذلك أيضًا أن الرئيس الفرنسي سيكافح لتمرير أجندته التشريعية. بما في ذلك خطة غير شعبية لرفع سن التقاعد، إلى جانب تكامل أعمق مع الاتحاد الأوروبي.
ووصف وزير المالية برونو لومير النتيجة بأنها “صدمة ديمقراطية”، حسبما ذكرت رويترز. مضيفًا أنه إذا فشلت الكتل الأخرى في التعاون، فإن ذلك “سيعوق قدرتنا على الإصلاح وحماية الفرنسيين”.
بينما قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن: “هذا وضع غير مسبوق” في إشارة إلى التكوين الجديد للسلطة بين الأحزاب المتنافسة الناتج عن التصويت. وأضافت: “لم تشهد الجمعية الوطنية من قبل مثل هذا التكوين في ظل الجمهورية الخامسة. اعتبارًا من الغد، سنعمل على بناء أغلبية ذات توجه عملي. ولا يوجد بديل لهذا التحالف لضمان استقرار بلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.
تمامًا كما هو الحال في الجولة الأولى من الانتخابات في وقت سابق من شهر يونيو/حزيران. تميز الاقتراع أمس الأحد بانخفاض إقبال الناخبين، مع امتناع أكثر من 53% عن التصويت.
التحديات التي تواجه ماكرون
هناك عدد من التحديات التي تواجه الفترة الثانية للرئيس الفرنسي، يتمثل أولها في أزمة تكلفة المعيشة. حيث يؤدي التضخم المتفشي إلى تآكل الأجور. ووعد ماكرون بتقديم مساعدات جديدة وزيادات معاشات تقاعدية وإعفاءات ضريبية، وهو ما يتعين عليه الآن عرضه على البرلمان.
يجادل الوزراء بأن فرنسا كانت بالفعل الأكثر كرمًا في أوروبا في مساعدة الأسر على التكيف. من خلال وضع حد للزيادات في أسعار الغاز والطاقة، مما سمح لها بالتخفيف من ارتفاع التضخم بشكل أفضل من جيرانها. لكن أثناء الحملة الانتخابية البرلمانية، طالب الناخبون المرشحين مرارًا وتكرارًا ببذل المزيد من الجهد لمساعدتهم على تغطية نفقاتهم.
الآن، تتعرض الحكومة لضغوط لتحديد خططها الخاصة بالقسائم الغذائية، ولتوضيح الإجراءات التي من شأنها تعزيز الأجور الراكدة منذ فترة طويلة في القطاع العام. سترتفع معاشات التقاعد بنسبة استثنائية 4% في يوليو/ تموز. وسيتم تمديد خصم سعر الوقود بقيمة 18 سنتًا للتر خلال شهر أغسطس/ آب. لكن من غير المرجح أن يستمر الخصم، ويجب على الحكومة أن توضح ما إذا كان سيتم استبداله بتدبير يستهدف الأشخاص الذين يعتمدون على سياراتهم للوصول إلى العمل.
تواجه فرنسا أيضًا أزمة في المستشفيات. حيث يتعين على العشرات من أقسام الطوارئ إغلاق أو تقييد ساعات العمل جزئيًا بسبب النقص الكبير في الطاقم الطبي والموارد. كانت هناك إضرابات في المستشفيات واحتجاجات من قبل الطاقم الطبي، والتماسات واعتصامات في الأسابيع الأخيرة. حيث حذر الأطباء من أن الوضع خطير على الصحة العامة.
هنا، قالت رئيسة وزراء ماكرون، إليزابيث بورن، إنها “حالة طارئة” من جانب الحكومة لاتخاذ إجراءات خاصة لفصل الصيف. وإجراء مراجعة أوسع على المدى الطويل للنظام الصحي. في المقابل، قالت مارين لوبان اليمينية المتطرفة “إن نظام المستشفيات ينهار”.
أيضًا، وعدت الحكومة بسن قانون بيئة عاجل من أجل تطوير مصادر الطاقة المتجددة. بعد أن اتهم اليسار ماكرون بعدم التحرك بالسرعة الكافية لمعالجة أزمة المناخ.