منذ رحيله عن السلطة، ظل بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق. واضعًا عينيه نصب كرسيه القديم. منتظرًا فرصة للانقضاض على الحكومة الائتلافية التي يقودها رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد. بالفعل، لم يمض وقت طويل حتى بدأت دعائم الحكومة الجديدة في التصدع، وهذه المرة داخليًا، دون تدخل أعمال المقاومة الفلسطينية.

لم يخف نتنياهو -رئيس الائتلاف الحالي في الكنيست- وحلفاؤه الحريديم رضاهم عن قرار بينيت حل الكنيست الأسبوع المقبل. والذهاب إلى انتخابات مُبكرة فى شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وذلك بعد نحو شهر ونصف من صعوبات بالغة، واجهها الائتلاف الحاكم الهش في تمرير القوانين بالكنيست. منذ عودته من عطلة الربيع في مطلع مايو/ أيار الماضي. فاقدًا لأغلبيته الضئيلة.

أشار محللون إسرائيليون إلى أنه بسبب نية الليكود تقديم تصويت بحجب الثقة يوم الأربعاء. قرر بينيت ولبيد ما فعلاه. حيث فضلا التحرك والسيطرة على التطورات السياسية. بدلًا من إذلال التصويت بحجب الثقة الذي فرضته عليهم المعارضة. بالطبع، سارع نتنياهو إلى الإدلاء بتصريح معلنا أنه ينوي تشكيل حكومة جديدة. فقد كانت هناك قوى أخرى تعمل بجانبه.

لم يستطع نتنياهو التحرك بمفرده بل عمل لصالحه اثنان من رفاقه السياسيين. هما عضو الكنيست الأرثوذكسي المتطرف موشيه جافني، ورئيس حزب شاس الأرثوذكسي المتطرف -الذي ليس له مقعد حاليًا في الكنيست- أرييه درعي. فقد عمل الاثنان معًا وبشكل منفصل لعدة أيام، على إسقاط الحكومة.

اقرأ أيضا: حكومة بينيت تواجه الانهيار: هل تذهب إسرائيل إلى انتخابات جديدة؟

“الكوشر” يقضي على ائتلاف بينيت/ لبيد

بدأت مقدمات سقوط حكومة بينيت من عند الحريديم. ففي أبريل/نيسان الماضي. أصدر وزير الصحة الإسرائيلي، نيتسان هوروفيتس، قرارا للمستشفيات يسمح بالتزود بمنتجات الخبز المُخمّر خلال عطلة عيد الفصح اليهودي. ربما كان القرار اعتياديا، لكن في كيان تسيطر عليه التوجهات اليمينية المتطرفة، تلعب التعاليم الدينية اليهودية دورا سياسيا كبيرا.

أثار قرار وزير الصحة اليساري بتجاهل لوائح الطعام اليهودية الحلال الصارمة “الكوشر” خلال عطلة عيد الفصح -والتي تقضي بعدم تناول أي أطعمة مُخمّرة- غضب النائبة المتشددة عيديت سيلمان. والتي سارعت بإعلان استقالتها من حزب “يمينا” في السادس من الشهر نفسه، ليفقد بينيت أغلبيته البرلمانية البسيطة، بعد 10 أشهر فقط من توليه المهمة.

أيضا، أشار نمرود جورين، رئيس ومؤسس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية MITVIM إلى أن التدهور الأمني ​​في إسرائيل هو عامل آخر لسقوط الحكومة الحالية. ففي أشهرها التسعة الأولى، تمتعت الحكومة الإسرائيلية بهدوء سياسي نسبي. وتعاملت بشكل فعال مع العديد من الشؤون الداخلية والخارجية.

لكن، يشير القرار الأخير لعضو الكنيست سيلمان بالاستقالة من الائتلاف إلى تغيير كبير. حيث فقد التحالف أغلبيته في البرلمان. في حين لم تتم الإطاحة بالحكومة، وقبيل تحالفه مع اليمين المتشدد، لم يكن لنتنياهو حكومة بديلة لتشكيلها.

وأضاف جورين: يشكل استئناف الهجمات الإرهابية ضغوطًا على بينيت -وخاصة من اليمين- في كل من التحالف والمعارضة. للرد عسكريًا واعتماد سياسات يمينية أكثر. مع ذلك، قد تؤدي مثل هذه الردود إلى تصعيد إسرائيلي- فلسطيني غير مرغوب فيه. وزيادة الانقسامات داخل التحالف.

وفي نهاية أبريل/ نسيان الماضي، أشارت آنا ماريا باجيني الباحثة بجامعة نوتنجهام. إلى أن استقالة سيلمان تركت حكومة بينيت دون أغلبية، وبقي نتنياهو بأربعة وخمسين مقعدًا فقط. وقتها، لم يسمح له هذا العدد بقلب ميزان الكنيست لصالحه.

قالت: يعزز نتنياهو حقيقة معروفة في إسرائيل. فالحكومة التي لا يُنظر إليها على أنها يمينية متشددة، سيتم تقويضها باستمرار في نظر الجمهور الإسرائيلي. عند مواجهة موجة من الإرهاب.

الحريديم يكشرون عن أنيابهم

في تحليل حديث، لفت إسرائيل هيرشكوفيتس، وهو صحفي متشدد عمل كمراسل لشؤون المستهلكين والصحة لصحيفة هاموديا. إلى أن تحركات حلفاء نتنياهو في الكنيست كانت واضحة خلال الأيام الأخيرة.

يقول هيرشكوفيتس: في الواقع، شوهد موشيه جافني وهو يدخل ويخرج من مكاتب الكنيست طوال 20 يونيو/حزيران. كان على ما يبدو في محادثات محمومة مع عضو الكنيست في يمينا نير أورباخ. يبدو أن نية أورباخ للانحياز إلى جانب المعارضة -في مرحلة ما في تصويت بحجب الثقة عن الحكومة- كانت عنصرًا رئيسيًا دفع بينيت لاتخاذ هذا القرار الدراماتيكي.

يشير الصحفي الإسرائيلي إلى أن هذه المعركة “لم تكن متكافئة”. أضاف: “عندما يواجه لبيد وبينيت سياسيين متمرسين مثل جافني ودرعي. مع نتنياهو والوزير السابق المخضرم ياريف ليفين. لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الأخير سيفوز. بعد كل شيء، ما نسيه جافني عن السياسة، لم يتعلمه لبيد بعد”.

كان المثير للدهشة في الأوساط السياسية العبرية، أن السياسيين الأرثوذكس المتطرفين بدوا في بعض الأحيان أكثر انخراطًا في جهود الإطاحة بالحكومة من أعضاء الليكود “فقد بدا أعضاء الكنيست الحريديم نشيطين للغاية. فقد حضروا النصاب القانوني للكنيست لليالي الطويلة. دون أن يرمشوا، ويطلقوا النار مباشرة على رأس بينيت المجازي”، وفق هيرشكوفيتس.

ونقل موقع Al-Monitor عن عضو بارز في الليكود قوله: “إنه أمر غريب، لكن في الليكود، الذي جلس أعضاؤه لسنوات على أرائك جلدية ويديرون الحكومة. لم نشهد رغبة قوية في العودة من المعارضة إلى الائتلاف”.

اقرأ أيضا: حكومة بينيت العالقة بين المقاومة والمعارضة

لماذا انخرط الحريديم في إسقاط بينيت؟

يرجع الصحفي الإسرائيلي -المتشدد بدوره- هذه المشاركة النشطة لليمين المتطرف إلى سببين. هما التحالف المستمر مع نتنياهو، والنهج السلبي الذي يؤديه بينيت ولابيد تجاه الأرثوذكس المتشددين.

يفسر: في ظاهر الأمر، كان لدى الحريديم كل الأسباب للانفصال عن نتنياهو. بعد كل شيء، كانت لديهم بعض خيبات الأمل من الرجل الذي وعدهم بأشياء رائعة، لكنه أوفى ببعض تلك الوعود فقط. على الرغم من ذلك، فقد ربطوا كل الجولات الأربع الانتخابية بنتنياهو، وفي كل مرة انتهت دون تشكيل حكومة.

لكن مع ذلك، لم ينفصل الحريديم عن نتنياهو. كان يمكن للمرء أن يعتقد أن بينيت القومي المتدين. وهو صديق مقرب لثلاثي “درعي-ليتسمان-جافني”، الذي كانت وجهات نظره أقرب إليهم بكثير من وجهات نظر نتنياهو في العديد من القضايا. سيكون مناسبًا لتحالف سياسي. لكن هذا لم يحدث ذلك.

تزعم المصادر الأرثوذكسية المتطرفة أنه لو بذل بينيت المزيد من الجهد، لربما واجهوا ذراعيه. ولكن ليس فقط بينيت لم يتحرك في هذا الاتجاه، بل فعل كل شيء حتى لا يفكر فيه الحريديون. ونقل Al-Monitor أيضا عن مصدر رفيع في أحد الأحزاب الائتلافية قوله: “كان بإمكان الحريديم أن يدخلوا هذه الحكومة في عدة مناسبات. إذا بذل شخص ما في الحكومة جهدًا حقيقيًا”.

وتابع المصدر: لو لم يهاجم بينيت الأرثوذكس المتطرفين، لو أنه حاول إلى حد ما كبح جماح لغة لبيد القاسية. لو نجح في إسكات أفيجدور ليبرمان -وزير المالية- لكان المتدينون المتشددون قد انضموا بأقل جهد”.

بدلاً من ذلك، تقول المصادر الأرثوذكسية المتطرفة إن بينيت أساء إليهم في كل فرصة، وتحدث عنهم باستخفاف. لكن في الآونة الأخيرة فقط -عندما لم يكن لديه أي مؤيدين أقوياء في حزبه- بدأ فجأة في التحول إلى الأرثوذكس المتشددين. ولكن بعدما فات الأوان.

دوافع الانتقام

مع قطع الدعم، يعيش المجتمع الأرثوذكسي المتطرف في الدولة العبرية أزمة. صارت المدرسة اليهودية الدينية يشيفا تكافح مالياً ، ومديروها هم الأكثر تأثيراً على أعضاء الكنيست الأرثوذكس المتطرفين. حتى المشرعون الأرثوذكس المتطرفون الذين لديهم آراء أكثر استقلالية، مثل إسرائيل إيشلر -الذين رفضوا دائمًا ربط أنفسهم بحزب الليكود واعتبروا إمكانية التعاون مع الحزب الحاكم- أُجبروا على اتباع الخط.

لا يمكن للمرء أيضا أن يتجاهل دافع الانتقام لدى الطائفة اليهودية المتشددة. فقد ارتكب بينيت الكثير من الأخطاء “والذي يبدو أنه من المرجح أن يكون أقصر مدة يخدمها رئيس وزراء في دولة إسرائيل”، وفق الصحفي المتشدد. الذي نقل عن أحد المقربين من بينيت قوله: “لكن خطأه الأساسي كان إيذاء الحريديين. كان من الممكن أن يكونوا في الحكومة، لأنهم ليس لديهم حقًا صراع أيديولوجي معه. وإذا كان يريد ذلك حقًا، لكان بإمكانه إيجاد طرق للتوافق معهم. لكن لسوء الحظ، تصرف بغطرسة، والآن يدفع ثمنها”.