رغم ضغوط الإدارة الأمريكية على إسرائيل لتجنب اتخاذ خطوات تصعيدية من شأنها أن تلحق المزيد من الضرر بالعلاقات مع الفلسطينيين في الفترة التي تسبق زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل، إلا أن حكومة الاحتلال ضربت بهذه الضغوط عرض الحائط، ونفذت عملية اغتيال لـ 3 شبان في جنين نهاية الأسبوع الماضي، ما دعا فصائل المقاومة الفلسطينية إلى التعهد بالثأر لشهدائها، مشددة على أن العملية لن تمر بدون حساب.

وخلال الاجتماعات التي عقدها وفد أمريكي زار الأراضي المحتلة منتصف الشهر الجاري، حثت باربا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى إسرائيل على وقف العمليات العسكرية مثل هدم المنازل وإخلائها في الضفة الغربية والقدس الشرقية وكذلك العمليات الأمنية في البلدات الفلسطينية.

وبحسب تقرير لموقع «تايمز أوف إسرائيل» رفض الوزراء الإسرائيليون الذين اجتمعوا مع ليف الالتزام بتخفيف العمليات العسكرية بدعوى أنها تنفذ لضرورات أمنية.

وقبل أيام من إعلان نفتالي بينيت ويائير لابيد زعيما الائتلاف الحكومي الإسرائيلي عن اتفاقهما على حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، حاولت واشنطن إقناع الحكومة الإسرائيلية بتأجيل خطة «يوم القيامة» والتي سيتم بموجبها بناء وحدات استيطانية في الضفة الغربية، إلا أن الائتلاف الحكومي الهش والذي يخشى من تداعيات قرار التأجيل وتأثيرها على الاستحقاق الانتخابي المقبل، تجاهل الدعوة الأمريكية.

تنفيذ جيش الاحتلال لعملية جنين واغتياله 3 نشطاء ينتمون إلى الفصائل، والإصرار على عدم اعترافه بإطلاق أحد جنوده الرصاص على الصحفية الفلسطينية شرين أبو عاقلة، يحرج الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى تبريد أزمات الشرق الاوسط حتى تتفرغ لصراعها مع الروس، ويضع رهاناتها من الزيارة المرتقبة في مهب الريح.

جريدة «هآرتس» العبرية نقلت عن مصادر إسرائيلية قولها إن الإدارة الامريكية معنية بالدفع قدماً ببوادر حسن نية سياسية تجاه السلطة الفلسطينية قبل زيارة بايدن والتي ستجري ما بين 13 و 16 يوليو القادم من أجل المساعدة على تخفيف التوتر أمام الفلسطينيين، «لكن بوادر حسن النية التي نوقشت بين الطرفين حتى الآن لم تعتبر في الجانب الفلسطيني كافية».

وفي إطار محادثاتها مع شخصيات فلسطينية طرحت البعثة الأمريكية التي تعمل على إعداد الزيارة إمكانية، عقد قمة شبيهه بـ«قمة النقب» التي عقدت في مارس الماضي، لكن وحسب ما قالت شخصيات فلسطينية ودبلوماسيين غربيين تحدثت معهم «هآرتس»، فالجانب الفلسطيني أكد على أن لقاء كهذا يقتضي تصريح أمريكي إسرائيلي بالالتزام بحل الدولتين، وإلا فلن يكون هنالك جدوى من اللقاء.

القناة (12) العبرية نقلت عن السفير الأمريكي في تل أبيب قوله إن الرئيس بايدن سيجتمع مع لابيد الذي سيتولى حكومة تصريف الأعمال لحين إجراء الانتخابات وليس بينت خلال الزيارة المقرر لها الشهر المقبل.

وكان بينيت قد أعلن مساء الاثنين عن اتفاق الائتلاف الحكومي على حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات عامة مبكرة، وذلك بعد أن فشلت جهود وقف الخلافات والانسحابات من داخل الائتلاف.

وتصاعد الخلاف داخل الائتلاف الحكومي على قانون أنظمة الطوارئ في الضفة الغربية المعروف باسم «الأبرتهايد» والذي يسري بموجبه القانون الإسرائيلي على مستوطنات الضفة.

وكان الاتجاه الإعلان عن مرشح من الكنيست لتشكيل حكومة، والمرشح الأقوى هو بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة الذي أظهرت جميع استطلاعات الرأي تفوقه على بينيت، لكن بينيت ولبيد استبقا هذا الاحتمال بالإعلان عن حل الحكومة.

وبعد إعلان بينيت ولابيد عن خطوة تبكير الانتخابات أعلن نتنياهو عن ثقة الكاملة بالفوز في الانتخابات المقبلة وتشكيل حكومة قوية لن تكون الحركة الإسلامية التي يتزعمها منصور عباس ضمن مكوناتها «لن أجعل الحركة الإسلامية جزءا من حكومة برئاستي التي ستسعى إلى مصلحة الإسرائيليين وتعزيز أمن إسرائيل».

وضع الحكومة الإسرائيلية واستهدافها من مقبل معارضيها لا يؤهلها لإجراء أي تفاوض أو الدخول في عملية سياسية، بل ويجعلها أكثر تشددا لإرضاء التيار اليميني المتشدد وجمهوره قبل الاستحقاق المنتظر الذي سيتحول إلى سباق بين متشددين على حساب الحقوق الفلسطينية.

استهداف إسرائيل المتكرر لمحافظة جنين وأحيائها قد يشعل معركة متعددة الجبهات بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال الذي صنف جنين كمركز جديد للإرهاب بعد أن خرج منها مقاومون في ثلاث هجمات في مدن محتلة قتل فيها 11 إسرائيليا.

لا يعلم أحد إلى أي مدى قد يصل التصعيد الإسرائيلي المستمر في جنين، لكن نشاط فصائل المقاومة الملحوظ في المدينة، والتي تصدرتها كتيبة جنين التي تحولت إلى حالة عسكرية منظمة ومتماسكة وفي أشهر معدودة جعل الاحتلال يعد العدة لعملية شاملة غير عابئ بالتوابع السياسية ولا بضغوط الإدارة الأمريكية التي تعيد ترتيب أوراقها في منطقة الشرق الأوسط وتعمل على تهدئة الملفات الملتهبة من اليمن إلى فلسطين.

بالتوازي مع ذلك تقف الدول العربية التي تربطها علاقات واتفاقات سلام مع إسرائيل موقف المنتظر لما ستسفر عنها الترتيبات الأمريكية الإسرائيلية بشأن الصراع في فلسطين، فهذا الملف وإن كان بعضهم لا يزال يرفعه من باب رفع العتب، تراجع وحلت محله ملفات أخرى دفعت الإمارات والبحرين إلى عقد اتفاقات عسكرية مع تل أبيب برعاية أمريكية لمواجهة «الخطر الإيراني»، أما مصر فتبعات الأزمة الاقتصادية جعلها تعيد ترتيب أولوياتها الإقليمية خلال الشهور الماضية.

يسعى بايدن من زيارته للمنطقة إلى التأكيد على وقوف أصدقائه بالشرق الأوسط إلى جانبه في الحرب على روسيا، وإلى إقناع دول النفط بالموافقة على زيادة إنتاجهم من البترول مما يساعده في ضبط أسعار الطاقة العالمية.

«النفط مقابل حقوق الإنسان: مهمة بايدن المثيرة للجدل إلى السعودية»، وصفت جريدة «الفاينانشال تايمز» بهذا العنوان زيارة بايدن إلى السعودية ولقائه بولي العهد محمد بن سلمان، مشيرة إلى أن هناك محاولة إلى تبديد قلق واشنطن بشأن أسعار النفط وخيبة أمل دول الخليج العربي من حجم الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بالتهديد الذي تطرحه إيران ووكلاؤها في المنطقة.

وتسعى دول الخليج ومعها إسرائيل إلى موقف جاد تؤكد فيه الولايات المتحدة على أنها ستحاصر «الخطر الإيراني، وتمنع طهران من حيازة السلاح النووي الذي يهدد أمن المنطقة وتوازنها»، وتحاول الرياض تحديدا طي صفحة التوتر مع الإدارة الأمريكية التي اتهمت نظامها باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتريد أيضا أن تدفع أمريكا الأمور باليمن في اتجاه التسوية، فيما يراهن الفلسطينيون على العودة إلى مسار المفاوضات السياسية برعاية الأمريكان، وتنتظر مصر أن تثمر الزيارة عن حلول لأزماتها الاقتصادية.

أما إيران فتترقب ما يجري حولها ويعلم قادتها أن الظرف الدولي والإقليمي يصب في صالحها، فقد أصبحت بفعل الصراع الروسي الأمريكي الأخير رقم هام في المعادلة الدولية، يعمل اللاعبون الكبار له ألف حساب، وهذا ما تدركه دول الخليج التي تمثل لها إيران مصدر قلق.

خلال اليومين الماضيين شهدت القاهرة نشاطا دبلوماسيا ملحوظا، واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ملكا البحرين والأدرن ثم استقبل ولي العهد السعودي، فيما وصف مراقبون تلك الاجتماعات أنها محاولة لترتيب الأوراق وتوزيع الأدوار قبل الاجتماع مع بايدن منتصف الشهر المقبل.

لكل طرف من أطراف الزيارة رهانه، لكن الطرف الإسرائيلي المأزوم قد يقلب الطاولة ويضرب أهداف كل الأطراف بتصعيده غير المحسوب والذي من المتوقع أن يتزايد خلال المرحلة المقبلة في إطار التنافس بين الخصوم السياسين على نيل رضا الجمهور قبيل الاستحقاق المقبل، وفي المقابل لن تقف فصائل المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي أمام الاستفزاز الإسرائيلي الدائم.

على رقعة الشطرنج التي يتم ترتيب أحجارها، سقطت من خطط اللاعبين القضية الفلسطينية والصراع الذي من الوراد أن يتجدد ويتصاعد قبل زيارة بايدن المرتقبة فيقلب الطاولة وينهي المباراة قبل أن تبدأ، فتتبخر الرهانات ويعاد ترتيب الأحجار وفقا لواقع جديد تتحسب له كل الأطراف.